الكتاب: "تاريخ العلم عند الأتراك العثمانيين"
الكاتب: عبد الحق عدنان أديوار
ترجمة: عبد الرزاق بركات
الناشر: مؤسسة أركان للدراسات والأبحاث والنشر، 2019م
يعد تاريخ العلم في أي فترة تاريخية من الموضوعات المهمة في الكتابات
الحديثة، فدراسة العلم وتطوره تكشف عن مدى تطور الدول وتقدمها، والحالة الثقافية
التي عمت الدول؛ إذ أن دراسة مراحل العلم، تعني أيضاً دراسة للتطور الحضاري
وللإنتاج العلمي والمعرفي للأمم، كيف لا وهي التي تمد الجسور الواصلة بين ماضي
زاهر، وحاضر مشرق لمعرفة مسيرة التطور البشري، ودراسة العلم تعني وضع مرتكزات
لبناء حاضر الأمم ومستقبلها.
ركزت هذه الدراسة على التاريخ العثماني بعمومه، وركز الكاتب على
موضوع تاريخ العلم عند الأتراك في نطاقه الموسع، في الفترة ما بين القرنين الرابع
عشر والتاسع عشر، هذه الفترة التي تعتبر مرحلة حساسة من تاريخ الدولة العثمانية
التي خاضت الحروب العسكرية للدفاع عن ممتلكاتها في وجه قوى عالمية، أنهكت الدولة
العثمانية وجعلتها مطمعا للقوى الاستعمارية الكبرى، تنهش في أرجائها، وركز أديوار
على العلوم التجريبية بشكل محدد، وتناول حالة العلم وتطوره، ومساهمات العلماء،
موضحاً العلاقة المتبادلة بين السلطة والمعرفة تقارباً أو تباعداً، واحتضان
السلاطين لكوكبة من العلماء العرب والأتراك الذين أثروا الحياة العلمية العربية
والإسلامية.
المؤلف عبد الحق عدنان أديوار طبيب وسياسي ومفكر تركي ولد عام 1882م،
توفي عام 1955م، درس الطب في
تركيا، إلى جانب انخراطه في العمل السياسي، أديوار
هذا عينه مصطفى كمال في أول مجلس أمة تركي في أنقرة، وكان هذا المجلس بمثابة حكومة
منفصلة في أنقرة بخلاف حكومة الخلافة الموجودة في اسطنبول، وأديوار هو الرئيس
الفعلي لتلك الحكومة نظراً لانشغال مصطفى كمال بعد الحرب العالمية الأولى، ولكنه
ترك تركيا واختار منفاه لمدة ثلاثة عشر عاماً، بعد اتهامه بالمشاركة في تدبير
المحاولة الفاشلة لاغتيال مصطفى كمال عام 1926م، وعاد إلى تركيا بعد وفاة مصطفى
كمال 1939م، ليتم اختياره رئيساً للجنة المكلفة من أساتذة كلية الآداب جامعة استطنبول
بترجمة دائرة المعارف الإسلامية إلى اللغة التركية فهو نموذج المفكر الحر، واسع
الثقافة وصدر له العديد من المؤلفات أهمها تجربة تحليلية لفاوست 1939م وتاريخ
العلم عند الأتراك العثمانيين1939م، والعلم والدين عبر التاريخ، وأخبار جمهورية
العلم 1945م.
أهمية هذا الكاتب تكمن بأن من وضعه عاش بين أروقة الحكم العثماني،
وكان أحد أقطابها، عنه يقول جورج سارتون أستاذ تاريخ العلم في جامعة هارفارد"
يكفي لعدنان أديوار من الشرف كتابان هما تاريخ العلم عند الأتراك العثمانيين،
والعلم والدين عبر التاريخ"..
يقول المترجم عبد الرزاق بركات: "هو أول
كتاب في العالم يؤرخ للعلم عند الأتراك بمنهجية علمية رصينة بدءاً من القرن الرابع عشر الميلادي حتى بداية القرن
التاسع عشر الميلادي"، أي أنه تاريخ للعلوم عند المسلمين، فهي كانت دولة
الخلافة الإسلامية فهو تأريخ زمني للطب، والرياضيات، والفلك والجغرافيا،
والفيزياء، والكيمياء.
هذا الكتاب يتألف من ثمانية فصول عدا المقدمة والخاتمة، حرص المؤلف
فيه، على وضع كل فصل مقارنة بين الحياة العلمية في الدولة العثمانية، والحياة في
أوروبا، ليكشف الكتاب حالة الجمود والانغلاق في الحياة العلمية عند المسلمين خلال
تلك الحقبة، مقابل حركة النهضة والتقدم العلمي المطرد والمتسارع في اوروبا، ويؤكد
أن الاتراك العثمانيين لم يبدأوا الانفتاح العلمي على الغرب إلا نهاية القرن
الثامن عشر، وبداية القرن التاسع عشر ولكنه انفتاح متردد وخجول في كثير من الأحيان (ص 76- 77).
"هو أول كتاب في العالم يؤرخ للعلم عند الأتراك بمنهجية علمية رصينة بدءاً من القرن الرابع عشر الميلادي حتى بداية القرن التاسع عشر الميلادي"، أي أنه تاريخ للعلوم عند المسلمين، فهي كانت دولة الخلافة الإسلامية فهو تأريخ زمني للطب، والرياضيات، والفلك والجغرافيا، والفيزياء، والكيمياء.
ثم إن العلوم التجريبية عند الأتراك العثمانيين، ليس فيها يظهر من
الإبداع والتمييز، لأنه غاية ما قام به الأتراك بحسب هذه الدراسة هو ترجمة الكتب
العلمية العربية إلى اللغة التركية أو شرحها فلما بدأوا الانفتاح الحذر على الغرب
شرعوا في ترجمة بعض الكتب من الفرنسية إلى التركية.. فلم يظهر خلال تلك الحقبة
الطويلة عالم تركي الأصل، يبدع في علم من العلوم التجريبية أو أخرج من عنده كتاباً
مبتكراً يضيف به جديداً للعلم" وفق
ما أشار المترجم.
يأخذ المترجم على المؤلف أنه لم يكن موفقاً في عنوانه العلم عند
الاتراك العثمانيين" الكتاب يحتم عليه دراسة العلوم التجريبية علماً تلو
الأخر، وتطورها وحركتها وهو لم يفعل ذلك، لأنه ببساطة كان يدرس تاريخ العلوم، ولا
يدرس العلوم، والفرق كبير بين دراسة العلوم ودراسة تاريخها "(ص10)، فالكاتب
يؤكد في كل فصل بأن الأتراك لم يكن لهم دور فعال في الحياة العلمية الإسلامية،
خلال تلك الفترة لأنهم كانوا مجرد نقلة ومترجمين وشارحين للكتب العلمية والمؤلفة
بالعربية، ويشير جورج سارتون، بأن أديوار عاش في القرن العشرين فكان عليه إكمال
كتابه بدراسة العلوم التجريبية عند الأتراك العثمانيين في بداية القرن 19 حتى
بداية القرن 20، وهي فترة تعتبر أخصب فترات تاريخ العلوم عند العثمانيين؛ لأنها
شهدت انفتاحاً كبيراً على الغرب في كل المجالات وتطورت فيها العلوم والمعارف
تطوراً كبيراً، بعد ثلاثة قرون من رفض السلاطين وشيوخ الإسلام في الدولة العثمانية
لدخول الطابعة، ونشر الكتب المطبوعة، التي استحدثت في الغرب خلال القرن الخامس
عشر، فأول كتاب طبع بالحروف اللاتينية في الغرب ما بين عامي 1440-1450م، وأسهمت
الطباعة اسهاماً كبيراً في نشر العلوم والمعارف؛ وكانت الحجة العثمانية برفض ادخال
الطباعة الحفاظ على القرآن الكريم، والسنة النبوية الشريفة، والتراث الديني من
العبث.
يمكن تلمس بداية العلوم التجريبية عند العثمانيين إلى تأسيس مدرسة
ازبيك التي أنشأها أورخان بك 1330 ـ 1332م، باعتبارها أول مدرسة أنشئت في الدولة
العثمانية، التي اعتبرها الكاتب بأنها في الأساس امتداد للمدراس السلجوقية سواء من
ناحية الطراز أو التعليم، فهي كانت مركزاً لعقد المجالس الدينية، أضفت للمدينة
قيمة ومكانة عملية لفترة طوية حتى قيل عنها " إن ازنيك هي موئل العلماء"
وكان أول مدرس فيها داوود بن محمد الروحي
القيصري الذي حصل العلوم النقلية والعقلية في مصر، الذي كان له أثره في رواج
التصوف في الدولة العثمانية، ومن العلماء الذين تخرجوا منها شمس الدين محمد بن
حمزة الفناري وهو عالم تلقى تعليمه في قرمان، وأتمه في مصر، وكان متصوفاً ذا باع في الرياضيات وغيرها من العلوم العقلية،
ويعلق المترجم على ندرة الانتاج العثماني
في العلوم العقلية بالقول:" ينبغي الاعتراف بأننا لم نجد أي كتاب في العلوم
العقلية في الدولة العثمانية في تلك الفترة سوى ما عثرنا عليه في مكتبة جامعة
استانبول من مخطوط تركي برقم (T.1204)بعنوان ترجمة مفردات ابن البيطار، وهو ترجمة مختصرة لكتاب الجامع
في الأدوية المفردة والترجمة مكتوبة بلغة تركية سليمة لا توجد بها أشكال للحركات،
والكتاب عظيم الفائدة في تاريخ الطب" ( ص 18).
من الشعراء الشاعر التركي أحمدي تاج الدين ابراهيم من أهل القرن
الرابع عشر وله منظومة شعرية في الطب بعنوان ترويح الأرواح، وعنها يشير: "وهي
إن كان بها عن التشريح نزر يسير، ولكنها بعد تقديمها لمعلومات مرتبة، تتحدث عن
الأمراض وعلاجها واحداً تلو الأخر، قدمها أحمدي إلى الأمير سليمان جلبي، وافتتح
السلطان يلدروم بايزيد في القرن الخامس عشر مستشفى في بورصة باسم دار الطب التي
يمكن اعتبارها مدرسة طبية على غرار المستشفيات السلجوقية، ثم تم انشاء العديد من
المستشفيات في الأناضول في جند يشابور وبغداد، كالمستشفى قيصري ومستشفى سواس، ومستشفى
دفريك وغيرها (ص 34).
يعد السلطان العثماني محمد الفاتح 1451م من أكثر سلاطين أل عثمان
رعاية للعلوم التجريبية؛ بفضل رعايته للعلماء، ومجالسته لهم، وولعه بعقد المناظرات
العلمية بينهم في ديوانه، سواء بعلم الرياضيات والطب، وبعده قلت رعاية السلاطين للعلم
عامة، وللعلوم التجريبية خاصة واستكانوا للركود والجمود، وأشار مؤرخو بيزنطة أنه
عرف العبرية، والكلدانية، واليونانية والسلامية واللاتينية، بجانب العربية
والفارسية وعنه يقول المؤرخ البيرنطي كريتوفولوس "الذي كان يعيش في بلاط
السلطان، وألف كتاباً عن حياة الفاتح " وفضلاً عن معرفة الفاتح التامة
بالأدبين العربي والفارسي، فقد كان مهتماً بفلسفة أرسطو، وبالفلسفة الرواقية، من
خلال الكتب التي ترجمها العرب والفرس عن الفلسفة اليونانية، وكان يرعى في بلاطه
المتبحرين في تلك العلوم؛ ليزيد معرفته بها" (ص43)، وكان يتناقش مع كبار
العلماء، ولديه شغف بالترجمة وضمت مكتبة
قصر الفاتح كتب العلوم التجريبية والمخطوطات الإسلامية وغير الإسلامية، ومنها كتاب
المجسطي من تأليف عالم الفلك والجغرافية الكبير كلاوديوس بطليموس المعروف بطليموس
الشرق، حيث جمع الفاتح العلماء حوله في مكتبة القصر، التي ضمت النسخ النادرة
والخرائط النفسية، ككتاب اقليدس في الهندسة، ومخطوط الاحجار والحيوان وكتاب لأرسطو عن الكون
والفساد، وكتاب الحيوان (ص 51).
"تذكر المصادر التركية والبيزنطية أن
الفاتح كان شديد الولع بالدين والميتافيزيقا، منذ شبابه.. نقرأ من دراويش الحروفية
وفدوا إلى القسطنطينية واستمالوا إليهم الفاتح حتى بدأوا يقيمون في قصره، وشق على
الوزير الأعظم مجمود باشا افتتان الفاتح بهم، فأفشى ذلك إلى فخر الدين العجمي
المدرس والمفتي بأدرنة، وطلب إليه ايجاد حل لمنع الفاتح من ميله اليهم"،
فاختبأ الشيخ يسمع حديث الدراويش، ثم خرج عليهم وخاض معهم نقاش، فما كانوا منهم
إلا أن فروا واحتموا بقصر السلطان، فقبض عليهم، وبينت هذه الرواية شغف الفاتح
بمعرفة الدين بما في ذلك المذاهب الهرطقية (ص55)، كان الفاتح شديد التدين، ومع ذلك
كان صاحب فكر نقدي، ومن أشهر علماء عصره في العلوم التجريبية علاء الدين على بن
محمد القوشجي الذي درس الرياضيات والفلك، وله كتب حل أشكال القمر، وصار رئيساً
لمرصد أولوغ بك، ثم عينه الفاتح مدرساً في مدرسة أياصوفياً، وتنقسم جهوده في تنظيم
مدراس الفاتح إلى قسمين: أولهما يتعلق بعلم الكلام وعلم اللغة والثاني يتعلق
بمؤلفاته في الرياضيات والفلك ومن أهمها كتابة الفارسي رسالة في الهيئة (ص 66).
يعد السلطان العثماني محمد الفاتح 1451م من أكثر سلاطين أل عثمان رعاية للعلوم التجريبية؛ بفضل رعايته للعلماء، ومجالسته لهم، وولعه بعقد المناظرات العلمية بينهم في ديوانه، سواء بعلم الرياضيات والطب، وبعده قلت رعاية السلاطين للعلم عامة، وللعلوم التجريبية خاصة واستكانوا للركود والجمود،
ظهر في عصر الفاتح يوسف سنان باشا بن خضربك القاضي الأول لإسطنبول
واحد من علماء الرياضيات، الذي كان يميل إلى الفلسفة الشكية، الذي غضب عليه الفاتح
881 ه فثار العلماء لهذا وأبلغوا الفاتح إن لم يطلق سراح سنان باشا فإنهم سيحرقون
كتبهم ويخرجون من مملكته، فأطلق سراحه وأرسله إلى" سيفري حصار" مدرساً
ليطفئ غضب العلماء (ص 67).
ومع تزايد الضغوط السياسية والعسكرية على الدولة العثمانية نهاية
القرن الخامس عشر وبداية القرن السادس عشر، التي أثرت على عدم الاستقرار السياسي
والاقتصادي والاجتماعي بفعل تزايد الحروب التي أنهكت الدولة العثمانية، الأمر الذي
انعكس على الحالة الثقافية والتعليمية، لم يظهر خلال هذه الفترة اهتمام محمود
بالعلم والعلماء لدى الأتراك العثمانيين، فلم يظهر في علم الطب طبيب كبير، غير
طبيب يدعى آخي جليي، كبير أطباء مستشفى أدرنة، الذي ترجم إلى التركية الموجز في
الطب لابن النفيس، وله رسالة عن حصوات المثانة والكلى، ونال آخي حظوة كبيرة عند
السلطان العثماني بايزيد الثاني فعهد إليه بالإشراف على طعامه وعين رئيساً للأطباء
(ص 95).
مع ندرة العلوم التجريبية بداية القرن السادس عشر يقول الكاتب:
"حين نطالع كتب التاريخ العثماني، وأمهات الكتب، لا نجد في ذلك العصر علماء
كبار، ولا مؤلفات مهمة في العلوم التجريبية.. ذلك يقتضى أن نتأمل الأحداث السياسية
وشخصية السلاطين واهتماماتهم، فلا ريب أن الدولة العثمانية كانت رقعتها في أوج
اتساعها، فبلغت وسط ايران في الشرق، والسودان في الجنوب، وأبواب فيينا في الشمال،
وفارس في الغرب، وكأن حمى الاستيلاء بسطت رقعة الدولة إلى تلك الحدود، وقبضت
علماءها، وكأين من علماء وشعراء كانوا يتبعون الجيوش في معية السلاطين إلى حدود
تلك الدول المترامية"، فالفترة ما بين السلم والسكون بعد الحروب، اقتضت إما
إصلاح المؤسسات العسكرية والمدنية، أو الاستعداد لحرب جديدة قاب قوسين أو أدنى، ثم
أن السبب في اهمال العلوم التجريبية يكمن في الأهواء الشخصية للسلاطين أصحاب الحكم
المطلق الذين لم يكفوا عن التأثير في جهود طبقة العلماء، والنفوذ المفروض على
تفكير العلماء (ص 103).
ومع ذلك حدثت انطلاقة مهمة للجغرافيا البحرية في الدولة العثمانية،
فقد بلغ الأسطول العثماني، والقراصنة
العثمانيون المحيط الأطلسي من جهة، والمياه
الهندية من جهة أخرى، وكان من نتيجة ذلك أن ظهر لدينا إثنان من أمراء البحار، ولهم
مؤلفات في الجغرافية البحرية أحدهما" بيري رئيس له كتاب البحرية في الجغرافية
البحرية والثاني سيدي على رئيس قائداً الأسطول العثماني عام 1553، وكتابه مرآة
الممالك الذي قدم للسلطان سليمان القانوني وكتاب المحيط عن رحلته في المحيط الهندي
والبحر الأحمر وخليج عدن، صاحب أهم خريطة للعالم، المكتشفة في خزائن قصر طوب قابي،
التي قيل عنها أنها نسخة من الخريطة المفقودة التي رسمها كريستوفر كولمبس 1489
قدمها بيري رئيس للسلطان سليم الأول في مصر (ص 108).
ومن ثم لخصت الدراسة حالة تركيا بالقول: "إن تركيا العثمانية لم
تكن تدري شيئاً عن الحركة العلمية فالتشريح، هو التشريح والفسيولوجيا عند ابن
سيناء وابن النفيس والطب، كان هو الطب عند جالينوس وابن اسينا، أما اكتشاف كوبر
بنيك الذي هدم النظام كله فلم تكن تركيا العثمانية على علم به، إذا كان تقي الدين
في مرصده المسمى بالمرصد الجديد، ومازال يطبق نظام بطليموس.. لقد أقامت تركيا في
مجال العلوم التجريبية، سداً منيعاً ضد الغرب، واعتادت قطع أي اتصال به" (ص 185).
خلال القرن السابع عشر والثامن عشر يقول أديوار: "ظهر التراخي
في طلب العلم، وقد زاد ذلك وضوحاً في منتصف القرن السابع عشر، والحقيقة أننا لم
نرى في مؤلفات تلك الفترة، أية إشارة لمنهج التفكير العلمي الحديث، الذي ظهر في
أوروبا حينئذ، ولا الحركة الفكرية الكبيرة التي زلزلت قواعد العلم اليونانيـ فما
كان هناك، غير كتب التراجم التي تغص بأسماء المشاهير في مجال الإدارة والقضاء" (ص 187).
أما العلوم العقلية والتجريبية، فقد راحت تتوارى تدريجياً في المدراس
وانحصرت دروس المدراس في مجال الفقه إلى حد كبير، وظهر في هذا القرن مصطفى بن عبد
الله الملقب كاتب جلبي الذي مثل مرحلة مهمة في النصف الأول في القرن السابع عشر،
في تاريخ العلم عند الأتراك، وبرغم شهرته عند الأوروبيين بموسوعة كشف الظنون التي
جعلت الكثير يعتبرونه عالم فهرسة كبير، يأخذ من كل العلوم بطرف، الذي كان له دوره
في الحياة العلمية التركية، فله أكثر من عشرين كتاباً، منها كتاب "جهاننما"
الخاص في علم الجغرافيا والكوزمجرافيا، وصف فيه البلاد التابعة لتركيا حتى الحدود
الشرقية من قارة أسيار، موسوعته الشهيرة سليم الوصول إلى طبقات الفحول، وميزان
الحق (ص 205).
وأخيراً: هذا الكتاب جدير بالاقتناء لتمكن مؤلفه من لغات عدة مكنته
من الإطلاع على المراجع المختلفة في زمانه، ومن ثم استطاع توثيق حالة العلم خلال
هذه الفترة المهمة من التاريخ الدولية العثمانية.