قال الناطق الرسمي باسم
الاتحاد الأوروبي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لويس ميغيل بوينو إن الإصلاحات الاقتصادية في
تونس مؤلمة، معربا عن استعداد الاتحاد لدعم البلد الأفريقي.
جاء ذلك خلال مقابلة مع "
عربي21"، حيث شدد بوينو على استعداد الاتحاد الأوروبي لمساعدة تونس في تنفيذ الإصلاحات التي طالب بها
صندوق النقد الدولي من أجل تمكينها من قرض.
وتسعى تونس إلى الحصول على قرض من صندوق النقد الدولي بقيمة 1.9 مليار دولار على مدى 4 سنوات، لتجاوز أزمتها الاقتصادية.
وفي وقت سابق، أجّل صندوق النقد اجتماع مجلس إدارته بشأن برنامج القرض التونسي، الذي كان مقررا في 19 كانون الأول/ ديسمبر الماضي بحسب وكالة رويترز، بعد إعلان اتفاق بينهما في وقت سابق.
وجاء هذا القرار من أجل منح السلطات التونسية مزيدا من الوقت للانتهاء من إصلاحاتها، حيث تعتزم تونس إعادة تقديم ملف برنامج الإصلاح مرة أخرى عند استئناف اجتماعات صندوق النقد في آذار/ مارس 2023.
ويعوّل قانون الموازنة العامة على القرض الذي تسعى الحكومة التونسية إلى الحصول عليه من قبل صندوق النقد الدولي، رغم تعثر المفاوضات بسبب برنامج الإصلاحات الاقتصادية.
واعتبر لويس ميغيل بوينو أن تونس تمر بمرحلة انتقالية مليئة بالتحديات على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي، مشيرا إلى أن البلاد تأثرت بتداعيات أزمة كورونا بشكل كبير، ثم وقع الغزو الروسي لأوكرانيا والذي انعكس بشكل سلبي على الأمن الغذائي والطاقة في المنطقة عموما، ما زاد من وقع الأزمة الاقتصادية في تونس.
وأضاف أن السلطات التونسية توصلت إلى اتفاق على الصعيد التقني مع صندوق النقد الدولي لإجراء مجموعة من الإجراءات الهيكلية الضرورية التي قدمتها السلطات التونسية نفسها للخروج من الأزمة.
وشدد على أنه من العاجل الآن التوقيع على الاتفاقية مع صندوق النقد الدولي والبدء في تنفيذ تلك الإجراءات، مؤكدا أن الاتحاد الأوروبي، وبصفته كشريك ثابت لتونس، رافق السلطات التونسية والشعب التونسي منذ سنوات في مسار ترسيخ الديمقراطية.
وقال: "نحن مستعدون لمساعدة تونس في تنفيذ الإصلاحات الملحة".
البرلمان الأوروبي
وجاءت تصريحات لويس ميغيل بوينو بعد أسبوع من تبني البرلمان الأوروبي لقرار ضد تونس، في خطوة نادرة، بشأن "الاعتداءات الأخيرة على حرية التعبير وتكوين الجمعيات والاعتداءات على النقابات العمالية"، بالأغلبية الساحقة.
وحصد القرار 496 صوتا من أصل 537، في خطوة تكشف مخاوف الاتحاد الأوروبي بشأن انتهاكات الحقوق والحريات التي انعكست في الاعتقالات الأخيرة في تونس.
وحدد نص القرار سلسلة من الأحداث والحقائق التي عرفتها تونس خلال الفترة الأخيرة، والتي اعتبرها البرلمان الأوروبي أنها ترسم صورة دامغة للانحراف المتصاعد للحريات للنظام التونسي، الذي يميل نحو الاستبداد.
وفي تعليق، أشار المسؤول الأوروبي إلى أنه "من بين اختصاصات برلمان الاتحاد الأوروبي مناقشة العلاقات بين الاتحاد وشركائه وإصدار توصيات بهذا الشأن تجاه المفوضية الأوروبية ومجلس الاتحاد الأوروبي".
اظهار أخبار متعلقة
واعتبر أن هذه التوصيات غير ملزمة بحسب القانون الأوروبي ولكن يتعين على المفوضية أن تشارك في جلسات البرلمان لشرح سياساتها تجاه الدول الشريكة.
وقال إن الوضع في تونس من ضمن القضايا التي وُضعت على جدول أعمال البرلمان وكذلك على أجندة مجلس الشؤون الخارجية للاتحاد، بهدف البحث عن كيفية مساعدة تونس، التي تعد شريكا مهما للاتحاد، للمضي قدما في هذه المرحلة الانتقالية التي تمر بها. الزيارة الأخيرة لمسؤولين من المفوضية الأوروبية لتونس أفضل دليل على حسن نية التكتل في هذا الصدد.
وأشار إلى أن الاتحاد الأوروبي قدم أكثر من 3 مليارات يورو من المساعدات لتونس خلال العقد الماضي وذلك لدعم تونس على مجموعة من المستويات؛ من الصحة العامة للإنتاج الزراعي المحلي وصولا لتمكين القطاع الخاص وتوظيف الشباب.
وأضاف: "نحن مستعدون لمواصلة هذا الدعم بالشراكة مع المؤسسات الدولية طالما أن تونس تنفذ الإصلاحات التي وعدت بها. ندرك أن هذه الإصلاحات مؤلمة، لذا أريد أن أكرر بأننا مستعدون لمرافقة تونس في هذا المسار في إطار اتفاقية الشراكة التي تجمعنا والمبنية على مبادىء وقيم مشتركة".
تصريحات بوريل
كما أعرب مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل عن قلقه إزاء تدهور الوضع السياسي والاقتصادي في تونس، فيما اعتبرت الخارجية التونسية أن هذه التصريحات "مبالغ فيها".
وقال بوريل إن "الوضع في تونس خطير للغاية"، مضيفا أنه "إذا انهارت تونس، فإن ذلك يهدد بتدفق مهاجرين نحو الاتحاد الأوروبي، والتسبب في عدم استقرار في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. نريد تجنب هذا الوضع".
وتابع بالقول إن "الاتحاد الأوروبي لا يمكنه مساعدة دولة غير قادرة على توقيع اتفاق مع صندوق النقد الدولي"، مشددا على أن "الرئيس قيس سعيّد يجب أن يوقع اتفاقا مع صندوق النقد الدولي وينفّذه، وإلا فإن الوضع سيكون خطيرا للغاية بالنسبة لتونس".
اظهار أخبار متعلقة
وفي رد، اعتبرت وزارة الخارجية التونسية أن تصريحات مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي في خصوص مخاوف من "انهيار" الوضع في تونس "مبالغ فيها".
وأكدت الوزارة في بيان أن "التصريحات مبالغ فيها، سواء في ضوء الصمود الراسخ للشعب التونسي عبر تاريخه، وفيما يتعلق بتهديد الهجرة إلى أوروبا من الجنوب".
وفي تعليق على تصريحات بوريل، قال لويس ميغيل بوينو إن "الموقف الأوروبي بشأن تونس واضح، حيث عبرنا عن قلقنا إزاء آخر التطورات في تونس لأننا لدينا شراكة متميزة مع هذا البلد".
وأوضح أن "السيد بوريل نقل نتائج المباحثات التي صارت في مجلس الاتحاد حول الوضع في تونس. الأولوية الآن هي العمل مع السلطات التونسية من أجل مساعدة تونس في هذه المرحلة. للاتحاد الأوروبي دور مهم كشريك لتونس في قطاعات مختلفة. بدأنا بالفعل هذا العمل مع الحكومة التونسية من خلال آخر زيارة لمسؤولين من المفوضية الأوروبية قبل أيام".
ملف الهجرة
وعن ملف الهجرة، اعتبر بوينو أن هذه النقطة "لا تزال موضوعا مهما جدا للاتحاد الأوروبي، وأيضا لشركائنا في جنوب المتوسط"، مضيفا: "للأسف أصبح هذا الملف مرادفا للمعاناة ورحلات الموت بسبب المنظمات الإجرامية التي تستغل الناس. لذا يجب معالجة هذا الأمر معًا".
وبيّن قائلا: "لنكن واضحين، الهجرة ليست جريمة. نحن نريد أيدي عاملة في قطاعات مختلفة في الاتحاد الأوروبي مثل الصحة والصناعة. لكن يتعين علينا أن ندير هذه الظاهرة بشكل جيد".
واعتبر أن أغلبية الوافدين للاتحاد ليسوا لاجئين، بل هم يبحثون عن طرق لتحسين حياتهم، قائلا: "لذا، نحن نعمل على فتح طرق إضافية للهجرة النظامية، في حين نكافح المافيات والمجرمين المسؤولين عن معاناة الناس".
اظهار أخبار متعلقة
وكشف المسؤول الأوروبي أن الاتحاد يجري حاليا مناقشات مع السلطات التونسية التي عبرت عن اهتمامها لزيادة التعاون في مجال الهجرة غير النظامية.
وتشير أحدث بيانات وزارة الداخلية الإيطالية إلى أن تونس تحولت إلى بلد العبور الأول في المنطقة نحو إيطاليا، حيث قدّرت الإحصائيات عدد المهاجرين الذين انطلقوا من السواحل التونسية بـ12 ألفا و83 شخصا منذ بداية العام إلى غاية يوم 13 آذار/ مارس الجاري مقارنة بـ1360 وافدا في نفس الفترة من العام المنقضي، ما يعادل أكثر من ثلث إجمالي 32101 عملية هجرة انطلقت من السواحل التونسية خلال عام 2022 بأكمله.
وفي صورة استمرار وصول قوارب الهجرة القادمة من السواحل التونسية، يمكن أن يصل أكثر من 60 ألف شخص من تونس وحدها، دون اعتبار مهاجري دول أفريقيا جنوب الصحراء الذين يتخذون من تونس أرض عبور إلى أوروبا، دون احتساب الزيادة الطبيعية المتوقعة في الصيف بفضل تحسن ظروف البحر.