أثارت 3 ظواهر حدثت في
مصر بصورة متزامنة، الكثير من التساؤلات عما يجري في مصر، في ظل الظروف الأمنية والاقتصادية والسياسية، التي يعاني منها المصريون، ومخاوف من وجود "أياد" تحرك الساحة، لتضارب مصالحها مع نظام عبد الفتاح
السيسي، من أجل التخلص منه.
"على طريقة عهد مرسي"
الظاهرة الأولى، كشفت
عنها مقاطع مصورة انتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي لشاحنات وسيارات نقل
"تريلا" محملة بالبطاطس والبصل، التي وصلت أسعارها إلى مستويات قياسية، يتم إلقاؤها على الأرض.
وتعيد هذه الممارسات تذكير المصريين بما حدث مما أطلق عليه "
الدولة العميقة" في عهد الرئيس الراحل محمد مرسي، من إلقاء للبنزين والسولار وغيرها من السلع الأساسية في
الصحراء.
ويثير إلقاء حمولة
الشاحنات المحملة بالبصل والبطاطس، السلع التي تواجه نقصا حادا في
الأسواق المحلية وارتفاعا قياسيا بأسعارها، التساؤلات حول وجود أطراف وراء الأمر،
وتوجهات لتعطيش السوق ورغبة في تفاقم الأزمات وإثارة الشعب الغاضب.
"سرقة منظمة.. وثورة جياع"
الظاهرة الثانية، بدت
لافتة كذلك عبر مقاطع مصورة انتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي لمصريين يقومون بالسطو
على سيارات محملة بالبصل والبطاطس في طريقها إلى مدينة العبور شرق القاهرة، علنا
في الشارع، وبشكل منظم.
تلك المقاطع اعتبرها
بعض المتابعين مقدمة لثورة جياع في مصر، واصفين الحالة التي وصل لها المصريون بـ"الشدة السيساوية"، محذرين من خطورتها وامتدادها لباقي أرجاء
البلاد، خاصة أنها تأتي في الوقت الذي تتزايد فيه معاناة المصريين وشكواهم من
الجوع والفقر والغلاء.
"صرخة نسائية.. تتحدى البطش"
أما الظاهرة الثالثة، فكشفت عنها مقاطع مصورة انتشرت، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وهي لنساء
مصريات غاضبات وباكيات يشتكين الفقر والحاجة، ومؤكدات أنهن لا يجدن الطعام،
مطالبات نظام السيسي بقتلهن بدلا من ممارسة القتل البطيء بحقهن.
المثير، أن بعض تلك
المقاطع لفتيات يبدو من حديثهن وملابسهن أنهن من طبقات غير فقيرة في المجتمع، ما
يشير لوصول الأزمة حتى للطبقات الأغنى في مصر، ما يدعو للتساؤل حول أسباب خروج
النساء الغاضبات متحديات البطش الأمني والاعتقال الذي طال مئات النساء على مدار 10 سنوات.
وتتزامن تلك المقاطع
وتلك الظواهر مع وصول معدل التضخم السنوي في مصر إلى 39.7 بالمئة في آب/ أغسطس
الماضي، في مستوى قياسي لم تصل له البلاد خلال نحو 4 عقود، فيما ارتفعت معدلات
تضخم المواد الغذائية بنسبة 71.9 بالمئة، وفق جهاز التعبئة والإحصاء.
كما أنها تأتي قبل أيام من
الإعلان عن جدول إجراء الانتخابات الرئاسية التي يعول عليها السيسي، في الوصول
للحكم لفترة رئاسية ثالثة حتى 2030، بينما تتزايد لهجة الرفض لدى المعارضة ولدى
الكثير من المصريين، بحسب استطلاع رأي لم يتم الإعلان عن نتيجته النهائية قام به
مركز "تكامل مصر"، واطلعت "عربي21"، على بعض مؤشراته.
"ليست مصادفة"
وحول دلالات اجتماع
تلك الظواهر الآن، ودلالات تشابهها مع ما كان يحدث بعهد الرئيس مرسي، قال الخبير في الشؤون السياسية والاستراتيجية الدكتور ممدوح
المنير: "مؤكد مع اقتراب انتخابات الرئاسة هناك في أجنحة السلطة من لا يريد
السيسي، ويسعى للتخلص منه".
وفي حديثه
لـ"عربي21"، أضاف: "ليس بالضرورة أن يكون ذلك على أرضية مصلحة
الوطن؛ ولكن ضمن إطار تضارب المصالح، أو تعبيرا عن مصالح خارجية أصبح السيسي يمثل عبئا
عليها، كبعض دول الخليج".
المنير، أوضح أنه
"لذلك تظهر هذه المحاولات، في محاولة لرفع حالة السخط العام على السيسي، أو
تحفيز الناس على الخروج ضده".
ويرى أنه "حتى
نجمع أجزاء الصورة الكبيرة بشكل أفضل فإنه يمكن أن نضع هذه المشاهدات إلى جوار تسريبات
السجون (من سجن بدر) وتسريب صور من القصور الرئاسية، مع ملفات الفساد وحتى إلى
طائرة الذهب في زامبيا".
وتابع: "انتهاء بتصريحات إعلامية ضد السيسي، من
شخصيات محسوبة عليه؛ لندرك أن هناك من يدير هذا كله، وليس من قبيل المصادفة، خصوصا
أن كل هذه الأحداث في أوقات متقاربة ومتزامنة"، بحسب رؤية المنير.
"طرف غاضب حانق"
ولفت إلى أن
"هناك تشابك مصالح داخل الدولة العميقة وخارجها، جعل بعضها غاضبا وحانقا على
السيسي، يحاول تحريك مشهد مضاد له".
واستدرك قائلا:
"لكن يبدو أنه لا يملك أوراقا ضاغطة كبيرة حتى الآن، خصوصا أن السيسي، يتحكم
جيدا بمفاصل الجيش والأجهزة الأمنية، ويضع طبقات مختلفة من الحماية عليه".
وتوقع الباحث المصري،
أنه "لذلك فهذا الجناح يحاول في المساحات المتاحة له، مثل تسريبات، ومنصات
إعلامية، ويعتبر الانتخابات الرئاسية القادمة نقطة مهمة في معركته ضد السيسي".
ويعتقد أنه "لذلك
ستستمر هذه المشاهدات، وتعلو وتيرتها الفترة القادمة، وندخل معركة صراع الأجنحة
هذه مرة أخرى حتى انتهاء الانتخابات التي لا توجد مؤشرات حتى الآن على أننا سنرى
نتيجة مختلفة عن سابقتها، وإن كنّا نتمنى ذلك".
"وليدة الصدفة أم مدبرة؟"
وفي تقديره لدلالات
اجتماع تلك الظواهر الآن في مصر، قال رئيس المركز المصري لدراسات الإعلام والرأي
العام " تكامل مصر"، الباحث مصطفى خضري: "تلك الظواهر ربما كانت
وليدة الصدفة وربما كانت مدبرة، فليس هناك دليل يرجح أيا منهما".
وفي قراءته للمشهد
أضاف لـ"عربي21": "لكن حالة الاقتصاد المصري المنهارة؛ ربما تنسب
تلك الظواهر لردة الفعل، حيث إن أكثر من ثلاثة أرباع المجتمع تحت خط الفقر -أقل من 70 دولارا للفرد شهريا- وليس هناك أفق لحل قريب، مع انتشار حالة من اليأس بين
قطاعات المجتمع وعلى رأسها فئة الشباب".
الخبير المصري في قياس
الرأي العام والتحليل المعلوماتي، يرى أنه "برغم ذلك فلا يمكن الجزم بعدم
استغلال أجهزة الدولة العميقة -التي تعادي السيسي- لتلك الظواهر عن طريق دعمها
بالتغطية الإعلامية المكثفة".
وعن مدى تشابهها مع ما
كان يحدث من الدولة العميقة في عهد الرئيس مرسي، قال إن "هناك فرقا كبيرا، ففي
عهد الدكتور مرسي، كانت جميع أجهزة الدولة العميقة تقف ضده، وبشكل فج وواضح وعنيف".
وأوضح أن الأمر وصل
"إلى درجة فتح المجال أمام بعض المظاهرات المصطنعة والمدعومة من تلك الأجهزة
لاقتحام قصر الرئاسة، ولم يتوقف الأمر عند تلك الأجهزة، بل كان تحالفا بين الدولة
العميقة ودول إقليمية وغربية هدف إلى الإطاحة بأول تجربة ديمقراطية مصرية في العصر
الحديث".
"صراع مصالح.. وتيار معارض"
خضري، يعتقد أن "ما يحدث الآن من صراع
بين السيسي، وبعض الأفرع داخل الأجهزة السياسية؛ ما هو إلا صراع مصالح تغيب عنه أي
قيمة للمواطن المصري الذي يحكمونه".
وقال: "لا
نستطيع التعميم، فهناك بعض القوى السيادية التي ترى في السيسي، عميلا لدولة عدوة،
وبالتالي فهو عدو للدولة المصرية، وتحاول تلك القوى دعم التيارات المعارضة للسيسي
من خلال التسريبات الخاصة التي تفضح السيسي وأبناءه وحاشيته".
ويعتقد أنه "لو
حدث تحالف بين تلك القوى السيادية المضادة للسيسي، وبين التيارات المعارضة التي
تملك قوة حقيقية في الشارع وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين؛ فلربما لن يستطيع
السيسي، أن يصمد أمامهم".
ولكن الباحث المصري،
أكد أن "ذلك يصطدم بحالة من عدم الثقة بين الطرفين وهي التي تسيطر على
المشهد، ورغم ذلك فإنهم يمكن أن يتخطوا هذه الحالة قريبا بضمانة إقليمية ذات مصداقية
عند الطرفين".