قالت صحيفة "الغارديان" البريطانية، إن الشباب الأمريكي أصبح يقبل على قراءة
القرآن الكريم، من أجل فهم صمود
الفلسطينيين في
غزة أمام العدوان الهمجي الإسرائيلي منذ أكثر من 45 يوما.
وأضافت الصحيفة في
تقرير للكاتبة ألينا ديموبولوس، أن هذه الحرب أثارت فضول كثيرين، خصوصا اليافعين، لمعرفة ما جاء في القرآن الكريم، ويمد الفلسطينيين بهذا الكم من الصمود.
ويجد القراء مواضيع تنسجم تماما مع قيمهم بينما يسعون لتنمية
التعاطف مع دين لطالما تعرض للشيطنة في الغرب.
وبادرت ميغان بي رايس، التي لديها شغف بالقراءة، باستخدام منصاتها على التواصل الاجتماعي للحديث عن الأزمة الإنسانية في غزة.
وقالت ميغان رايس: "أردت أن أتحدث عن إيمان الشعب الفلسطيني، وكيف أنه قوي جداً، وما زال يجد مجالاً لشكر الله، حتى عندما يؤخذ منه كل شيء".
ميغان بي رايس لديها شغف بالقراءة، فبادرت بإنشاء ناد
لقراءة الروايات الغرامية عبر منصة التراسل الفوري التي تسمى "ديسكورد".
إضافة إلى ذلك تقوم بنشر ملخصات الكتب على منصة تيك توك.
اظهار أخبار متعلقة
اقترح عليها بعض متابعيها من المسلمين بأنها قد تجد
ضالتها في قراءة القرآن، الذي يعتبر النص الديني المركزي في الإسلام، وذلك حتى
تدرك السياق الأشمل لهذه العقيدة. فما كان من ميغان رايس إلا أن نظمت "نادي
الكتاب الديني العالمي" على منصة ديسكورد، حيث يتمكن الناس من كل الخلفيات من
دراسة القرآن إلى جانبها.
وكلما تعمقت ميغان رايس في القراءة أدركت مدى
انسجام محتوى النص التي تقرأه مع منظومة الاعتقاد الأساسية التي كانت لديها أصلاً؛ فقد وجدت أن القرآن ضد النزعة الاستهلاكية، وضد القهر والظلم، كما وجدته في نفس
الوقت مناصراً لحقوق المرأة.
لم يمر عليها أكثر من شهر حتى نطقت بالشهادة، وهي
العبارة التي يدخل بها الإسلام رسمياً في العقيدة الإسلامية، واشترت زياً إسلامياً
مناسباً لترتديه، وأصبحت امرأة مسلمة.
ليست ميغان رايس الوحيدة التي أعربت عن رغبتها في التعرف
على القرآن، فعبر منصة تيك توك تشاهد فتياناً وفتيات وهم يقرأون النص من أجل فهم
أفضل لدين طالما شيطنته وسائل الإعلام الغربية، وكذلك من أجل التعبير عن تضامنهم
مع المسلمين الكثيرين في غزة.
وتحت وسم "نادي كتاب القرآن"، الذي حقق
ما يقرب من 2 مليون مشاهدة عبر التطبيق، يُشاهد المستخدمون وهم يحملون نسخاً من
القرآن اشتروها مؤخراً، ويقرأون الآيات منها للمرة الأولى.
وهناك منهم من يتوصلون
إلى نسخ مجانية عبر الإنترنت، أو يستمعون في أثناء قيادة السيارة وهم متوجهون إلى
أعمالهم إلى شخص وهو يتلو آيات الكتاب.
ليس جميع من يقرأون القرآن عبر تطبيق تيك
توك هم من النساء، ولكن الاهتمام يتداخل مع حيز وسم الكتاب توك، وهي عبارة عن مجموعة
فرعية معظم مستخدميها في العادة هم من الإناث اللواتي يجتمعن للتحاور حول الكتب.
تقول زارينا غريوال، الأستاذ المساعد في جامعة ييل، التي تشتغل على كتاب حول القرآن والتسامح الديني في الثقافة الأمريكية، إن هذا
الاهتمام الذي يشهده تطبيق تيك توك ليس جديداً تماماً، بل له سوابق.
فبعد هجمات 11 أيلول/ سبتمبر، أصبح القرآن من أكثر
الكتب مبيعا، هذا مع أن كثيرا من الأمريكيين كانوا حينذاك يشترون الكتاب من أجل
تأكيد ما يحملونه في نفوسهم من تحيزات ضد الإسلام، بما في ذلك الانطباع المتشكل
لديهم بأنه دين مجبول على العنف.
وعن ذلك تقول غريوال: "الفرق هذه المرة يكمن
في أن الناس لا يتوجهون نحو القرآن من أجل فهم ما جرى في السابع من أكتوبر من هجوم
لحركة حماس، وإنما يتوجهون إلى القرآن من أجل فهم تلك القدرة المذهلة على التحمل،
والإيمان، والقوة المعنوية، والخصال التي يرون الفلسطينيين المسلمين يتحلون بها".
وهذا ما حفز نفريتاري مون، التي تبلغ من العمر "35 عاما" وتنحدر من تامبا في فلوريدا، على التقاط نسخة القرآن التي لدى
زوجها.
كانت نفريتاري مون تعتبر نفسها روحانية، ولكن غير متدينة، وتصف زوجها بأنه
مسلم غير ملتزم. وعن تجربتها تقول: "أردت أن أرى ما هو ذلك الذي يجعل الناس
يتوجهون إلى الله عندما يجدون أنفسهم وجهاً لوجه أمام الموت. وبعد القراءة، السورة
تلو السورة، وجدت الكلام منسجماً تماماً مع المنطق. لم أمكث بعيداً حتى ارتبطت
عاطفياً بالكتاب".
اظهار أخبار متعلقة
ولهذا السبب، قررت نفريتاري مون كذلك النطق بالشهادة،
وأصبحت مسلمة عائدة (وهو المصطلح الذي يفضل بعض المسلمين استخدامه لوصف من يعتنقون
الدين).
وقالت أيضا: "لا يمكنني تفسير ذلك، ولكن ثمة إحساس
بالطمأنينة مع كل قراءة لآيات القرآن. أشعر بالتحليق، وكأنني أعود أدراجي إلى شيء
كان باستمرار موجوداً هناك وينتظر مني العودة إليه".
ميشا يوسف كاتبة أمريكية من أصول باكستانية، تدير برنامج
بودكاست، ولديها اهتمام بدراسة التفسيرات التقدمية للقرآن، ولديها منذ عام 2020
سلسلة إنستغرام خاصة بها بعنوان نادي كتاب القرآن.
تقول ميشا يوسف إن بعض المواضيع
التي يثيرها النص القرآني تنسجم مع قيم الأمريكيين الشباب من أصحاب التوجهات
اليسارية.
وتضيف: "القرآن مليء بالاستعارات من الطبيعة، ويشجع
المرء على الاهتمام بالبيئة. كما أن القرآن بطبيعته مناهض للنزعة الاستهلاكية، ويؤسس
في المرء قيمة أننا جميعنا شركاء في إدارة شؤون الأرض، ولا يجوز لنا أن نقيم
علاقات نستغل من خلالها العالم أو نستغل شركاءنا في الإنسانية".
ينص القرآن على أن الرجال والنساء متساوون في أعين الله،
ولذلك تقول رايس وغيرها ممن اعتنقوا الإسلام ويشاركون في حوارات التيك توك، إن
تفسيراتهم للنص القرآني تدعم مواقفهم الأنثوية وما يعتنقونه من مبادئ. كما أن النص
القرآني يشتمل على تفسير علمي لأصل الخليقة، وثمة آيات في القرآن تعالج نظرية
الانفجار الكبير وغيرها من النظريات.
تقول رايس: "في العادة، نحو معتادون على فكرة أن
المجتمع المتدين يحارب العلوم، لكني أرى هنا الدين يعانق العلوم ويستخدم نصه
المقدس في إسنادها."
كانت سيلفيا تشان مالك طالبة جامعية بعد أحداث الحادي
عشر من سبتمبر في خضم جرائم الكراهية ضد المسلمين واللغة المعادية للأجانب التي تستخدمها
وسائل الإعلام.
وعن ذلك تقول: "كنت مهتمة جداً بما يجري من أحداث في ذلك
الوقت، وأقارن ما يقع بتجربة الأمريكيين من أصول يابانية بعد حادثة الهجوم على
بيرل هاربر. بدأت أبحث في الأمر بمبادرة شخصية، ورحت أقابل المسلمين، وأسقط في يدي
بعد أن قمت ببحثي عن الإسلام".
خلال مسيرتها تلك، تحولت سيلفيا إلى الإسلام، وتعمل الآن
أستاذا مساعدا في جامعة روتجرز، حيث تركز في بحثها على تاريخ الإسلام
والإسلاموفوبيا في
الولايات المتحدة. وعن ذلك تقول: "مررت بتجربة مماثلة لما
نشهده الآن عبر التيك توك. كنت آنذاك أتساءل لماذا من كنت أقابلهم من المسلمين
كانوا مختلفين عما نسمع في الأخبار عنهم. لم أخض يوماً تجربة كتلك كان فيها البون
شاسعاً بين الانطباعات الشعبية والحقيقة".
تعتقد زارينا غريوال، الأستاذة في جامعة ييل، بأن الناس
كثيرا ما يبدأون بقراءة النصوص أملاً في إيجاد ما يثبت نظرتهم للعالم كما هي
متشكلة لديهم.
وتقول: "تماما كما أن العنصريين من الناس يبحثون في الآيات
عما يثبت تحيزاتهم العنصرية فإن اليساريين من الناس يبحثون في هذا الكتاب عما فيه
رسائل تقدمية تثبت صدق توجهاتهم. ما من كتاب مقدس إلا وتكتنفه درجة من التعقيد،
وهذه بدورها تسمح بقراءات وتفسيرات متعددة، ومن يجتمعون عبر التيك توك لدراسة
القرآن إنما يبحثون في النص عما يرجون العثور عليه".
تقول رايس إنها خلال سنوات نشأتها ما بعد أحداث الحادي
عشر من سبتمبر رفضت الإسلاموفوبيا والتمييز، وكل ما من شأنه أن يستهدف الأمريكيين
المسلمين.
وتقول رايس عن تجربتها: "كامرأة سوداء، كنت معتادة على قيام الحكومة بالترويج
للقوالب التي تفضي إلى المفاهيم المغلوطة التي تتشكل عني لدى الناس الذين هم من
خارج مجتمعي. ولم أصدق بتاتاً تلك القوالب التي كان يتم الترويج لها حول المجتمع
المسلم في فترة ما بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، لكني لم أدرك حتى بدأت في
قراءة القرآن أنني نفسي كنت استبطن تلك المفاهيم المغلوطة، لأنني كنت أعتقد أن
الإسلام دين شديد القسوة والصرامة".
بالنسبة لرايس، بدأت قراءة القرآن لديها كسبيل لإظهار
التعاطف مع الفلسطينيين المحشورين داخل قطاع غزة. أما الآن، فقد غدت قراءة القرآن
ركناً أساسياً في حياتها. ليس من المحتم أن يكون ذلك بنفس درجة الإلهام لكل الناس.
وعن ذلك تقول رايس: "بإمكاني القول إنه ليس مهماً بهذا الخصوص ما هي خلفيتك
الدينية، لأن بإمكانك أن تشعر بالتعاطف مع شخص ما من خلال التعرف على أهم الأمور
المتعلقة بحياته، بما في ذلك العقيدة التي يعتقنها".