جميع
التقارير الدولية بشّرتنا بأن السنة الجديدة التي احتفلنا بدخولها قبل
شهر ستكون أسوأ من تلك التي ودعناها. فالعالم يسير نحو الأسوأ، وما يحدث هنا
وهناك ليس سوى محاولات لتجنب السيناريوهات الكارثية. إذ يكفي الاطلاع على التقرير
السنوي الذي أصدره
المنتدى الاقتصادي العالمي حول المخاطر العالمية
2024، والذي صاغه حوالي 1500 خبير
على مستوى العالم في مجالات عدة، كالجيوسياسية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية
والتكنولوجية. فحسب موقع "أنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية"، أوضح "معظم
الخبراء (84 في المئة) أن العالم سيشهد حالة من عدم الاستقرار خلال العامين المُقبلين،
منهم (30 في المئة) يرفعون تقييمهم من درجة عدم الاستقرار إلى الاضطراب والاضطراب
الشديد"، ووصفوه بمستوى اضطراب "عاصف".
عند التأمل في الخارطة المصاحبة لهذا التقرير يلاحظ بأن من بين مؤشرات الارتفاع
في درجات الخطورة؛ تضخم الرقابة وتراجع حرية التعبير، وأزمة غلاء المعيشة، وزيادة
حدة الاستقطاب المجتمعي السياسي، والاضطرابات المدنية والسياسية العنيفة، وتصعيد
الصراعات المسلحة بين الدول.
عند التأمل في الخارطة المصاحبة لهذا التقرير يلاحظ بأن من بين مؤشرات الارتفاع في درجات الخطورة؛ تضخم الرقابة وتراجع حرية التعبير، وأزمة غلاء المعيشة، وزيادة حدة الاستقطاب المجتمعي السياسي، والاضطرابات المدنية والسياسية العنيفة، وتصعيد الصراعات المسلحة بين الدول
سيكون لدول الجنوب النصيب الوافر من هذه الصراعات أو من تداعياتها؛ جزء من
هذه الصراعات ناتج عن عوامل داخلية وبينية متراكمة منذ سنوات وموروثة عن مراحل
سابقة غابت خلالها الحكمة وبعد النظر، والبعض الآخر وارد على المنطقة من خارج حدودها؛
من ذلك سوء التصرف في ملف الهجرة غير النظامية الذي سيستمر كأحد القضايا الحارقة،
والقابلة للانفجار في كل لحظة. إذ تكفي الإشارة في هذا السياق إلى ما تعيشه معظم
الدول الأوروبية من حالة انزياح شديدة نحو أقصى اليمين، وهو ما تعكسه انتخابات
المجالس المحلية والإقليمية في مختلف الدول. وتذكر التقديرات أن هناك احتمالا بفوز
أحزاب اليمين المتطرف بربع مقاعد البرلمان الأوروبي خلال الانتخابات القادمة التي
ستجري في شهر حزيران/ يونيو المقبل. وما حدث مؤخرا في ألمانيا دليل على درجة
الخطورة التي تمثلها هذه التحولات المتسارعة، وتأثيراتها المحتملة على دول جنوب
المتوسط.
لقد اضطرت الأحزاب الرئيسية الكبرى الى دعوة الألمان الى التظاهر ضد "حزب
البديل" اليميني الذي شارك بعض قادته في لقاء سري حضره ممثلون عن أحزاب
أوروبية شبيهة في توجهاتها واستراتيجيتها السياسية والأيديولوجية. ويدعو حزب
البديل إلى إخراج "ملايين
المهاجرين والألمان من أصول أجنبية نحو دولة نموذجية في شمال أفريقيا". وإذا نجح هذا الحزب
في الانتخابات القادمة فإن أزمة كبيرة ومتعددة الأبعاد ستتضرر منها دول عديدة من
بينها دول المغرب العربي.
في مثل هذه الأجواء الدولية المشحونة بالاحتمالات السيئة ينتعش الاستبداد،
خاصة في الدول الهشة التي تفتقر لمؤسسات قوية، ولم تترسخ لديها التقاليد العميقة
في مجالات التعايش وممارسة الديمقراطية. ويُخشى أن تزيد هذه الأجواء الدولية من
تدهور الأوضاع في العالم العربي، خاصة الدول المأزومة، أو تلك التي تمر بمرحلة
انتقالية سياسية أو اقتصادية صعبة ومعقدة. كما أن الأنظمة القمعية أو ذات النزوع الاستبدادي
تستثمر عادة التوترات الإقليمية والعالمية لتزيد من وضع يدها على الدولة والمجتمع،
فالحنين الى التغول والانفراد بالسلطة لا يزال يسيطر على العقول والأنفس وتقاليد
الحكم.
على الصعيد الفلسطيني فالتحديات أشد خطورة وتعقيدا، فسنة 24 ستكون سنة تكثيف المساعي والمناورات من أجل تصفية القضية الفلسطينية، كما أنها ستكون في المقابل منطلقا لإخراج القضية من جحر الذئاب. فصمود المقاومة يعتبر بكل المقاييس إنجازا تاريخيا غير مسبوق، لكن المعضلة تكمن في المطبات القادمة
كل حدث يمكن الالتفاف عليه وتحويله الى وقود لإرهاب الطامعين في المشاركة
في السلطة، والأزمات الاقليمية والدولية مصدر أساسي لهذا الوقود. لقد سبق أن تم
استغلال جائحة كوفيد بشكل خطير، وتم اللعب بأرواح الناس في سبيل البقاء في الحكم
أو الانفراد به.
أما على الصعيد
الفلسطيني فالتحديات أشد خطورة وتعقيدا، فسنة 24 ستكون سنة تكثيف
المساعي والمناورات من أجل تصفية القضية الفلسطينية، كما أنها ستكون في المقابل
منطلقا لإخراج القضية من جحر الذئاب. فصمود
المقاومة يعتبر بكل المقاييس إنجازا
تاريخيا غير مسبوق، لكن المعضلة تكمن في المطبات القادمة. الحرب لن تنتهي، وإن
توقفت فستعود بشكل من الأشكال. وإذا كانت الأنظمة العربية قد خذلت المقاومة خلال
الشهور الأربعة الماضية، فلا يُتوقع أن تمد لها يد العون والدعم خلال المرحلة
القادمة باستثناء من رحم ربك. الأغلبية الساحقة ستدير ظهرها للقضية، متعللة في ذلك
بضعفها وهوانها وخوفها على مصالحها القريبة والبعيدة. ومن يفكر في رفع صوته بنبرة
أعلى مما هو مسموح به، عليه أن يفكر جيدا في طبيعة الضغوط التي ستسلط عليه
إسرائيليا وأمريكيا وأوروبيا. لهذا المقاومة تعتمد مرة أخرى على نفسها بدرجة أولى،
وعلى حلفائها وفق ما تسمح به أوضاعهم وظروفهم.