في شباط/ فبراير 2019، اشترط الرئيس التركي رجب طيب
أردوغان لمقابلة رئيس النظام
المصري عبدالفتاح
السيسي، أو مصافحته إخراج كافة المعتقلين السياسيين من السجون بعفو عام، مؤكدا أنه "طالما لم يخل سبيلهم فلا يمكننا لقاء السيسي".
لكن؛ وبعد 5 سنوات، من تصريح أردوغان، هذا، وفي نفس الشهر الذي أطلق فيه تصريحه، حضر إلى القاهرة، الأربعاء الماضي، والتقى بالسيسي، في قصر الاتحادية بالعاصمة المصرية القاهرة، وسط آمال الكثير من المصريين بأن يكون ملف المعتقلين السياسيين أحد الملفات التي جرى الحديث بشأنها.
"أمل ضائع"
"أم ضياء"، سيدة مصرية معتقل زوجها وابنها، أكدت لـ"عربي21"، أن "أسر المعتقلين تحلم باليوم الذي يعود فيه ذويهم إلى حياتهم الطبيعية"، مبينة أنها وغيرها يتمنون أن أردوغان الذي نصر الرئيس محمد مرسي، سينصر المعتقلين، أيضا".
أحد شباب الصف الثاني من جماعة الإخوان المسلمين، قال: "ضاعت 11 عاما من أعمار أغلب المعتقلين وتوقفت حياتهم نهائيا، وتوفي الكثيرون في الزنازين، ومرض منهم من مرض، وفقد بعضهم الأمل في استعادة حياتهم ما قبل الاعتقال"، داعيا عبر "عربي21"، "كل من يملك كلمة أو فعلا أو موقفا أو دورا أو تأثيرا، أن ينقذهم من الموت".
وتمنى البعض أن يكون ثمن وجود أردوغان في القاهرة ولقاءه السيسي، "الإفراج عن كل المعتقلين والعمل على إسقاط الأحكام عنهم أو العفو عنهم".
ورأى البعض أنه بعد تلك الزيارة لم يتبق غير الإفراج عن المعتقلين وعودة المهجرين لتحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي في مصر.
ودعا البعض أردوغان إلى مطالبة السيسي بالإفراج عن المعتقلين، معتبرا أن "هذا أقل شيء يقوم به وفاء لقيمه ومبادئه التاريخية السابقة، ولمن أيدوه وناصروه ودافعوا عنه، ولدينه ولأصدقائه
وللحق والعدل".
لكنّ، بعض المصريين المعارضين لم يبدوا تفاؤلا بلقاء أردوغان والسيسي، وبينهم الأكاديمي الدكتور عصام عبدالشافي، الذي قال عبر موقع "إكس"، إن أردوغان "لن يحقق أي هدف مما يسعى إليه من هذا النظام من ناحية، ولأن هذه الزيارة تتعارض وكل القيم والمبادئ التي تحدث عنها أردوغان بعد انقلاب 2013".
"بين الإنكار والإصرار"
مع الانقلاب العسكري الذي قاده قائد الجيش عبدالفتاح السيسي، ضد أول رئيس مدني منتخب ديمقراطيا في العصر الحديث محمد مرسي، في 3 تموز/ يوليو 2013؛ أطلق السيسي، حملة أمنية في جميع أنحاء البلاد، واعتقل الآلاف من قيادات وأنصار جماعة الإخوان المسلمين، والمعارضين لنظامه.
وأتبع حملته الأمنية، بمخالفات واسعة لحقوق الإنسان، بينها القتل خارج إطار القانون، والاخفاء القسري، والتعذيب، والمحاكمات أمام القاضي العسكري، وأمام محاكم استثنائية، مع حرمان المعتقلين من كافة حقوقهم التي يكفلها القانون في الدفاع عن أنفسهم، وهو ما كشفت عنها مئات التقارير الحقوقية.
وفي 20 آب/ أغسطس 2018، قالت منظمة العفو الدولية إن "قمع حرية التعبير في عهد الرئيس السيسي، وصل إلى مستويات مروعة، لم يشهد لها مثيل في تاريخ مصر الحديث"، وقد أطلقت حملة تدعو إلى الإفراج فورا، ودون قيد أو شرط، عن المعتقلين.
وأصرت السلطات المصرية لسنوات على نفي وجود معتقلين سياسيين، ففي 23 تشرين الأول/ أكتوبر 2017، نفى السيسي، في حوار مع "فرانس24"، وخلال أول زيارة له إلى فرنسا وجود معتقلين سياسيين في بلاده، مؤكدا أن الموقوفين هم على خلفية أحداث أمنية.
وقال: "لا وجود لمعتقلين سياسيين في مصر"، و"لا يوجد لدينا سجناء سياسيون" مؤكدا أنه في مصر "هنالك إجراءات قضائية حقيقية يتم من خلالها مراعاة كافة الإجراءات القانونية طبقا للقانون المصري".
اظهار أخبار متعلقة
وفي 13 كانون الثاني/ يناير 2022، رد السيسي على سؤال أحد الصحفيين الأجانب حول الانتقادات الموجهة لملف حقوق الإنسان في مصر خاصة التي تتحدث عن الأعداد الكبيرة للمعتقلين السياسيين، قائلا: "أحضروا البيانات والأعداد الكبيرة وقوائم الاختفاء القسري التي تتحدثون عنها، ويتم عمل لجنة للوقوف عليها".
لكن السيسي، وفي 14 حزيران/ يونيو الماضي، اعترف أخيرا بوجود معتقلين في سجونه، التي تصل إلى 91 سجنا رئيسيا في البلاد، بُني منها في عهد السيسي 48 سجنا، وذلك إلى جانب مقرات الاحتجاز في الأقسام والمراكز الشرطية التي تصل إلى 382 مقرا، بخلاف السجون العسكرية والأخرى السرية، مجهولة العدد والأماكن.
وقال السيسي، خلال المؤتمر الوطني للشباب بالإسكندرية، ردا على مطالبة أحد النواب المعارضين بالإفراج عن المعتقلين أن ما قام به كان "إنقاذ وطن"، زاعما أنه لن يحاسبه عليه أحد سوى الله.
حينها، أعلن عن موقفه الرافض للإفراج عن أكثر من 60 ألف معتقل في سجونه، ومر عليهم نحو عقد كامل بلا حقوق وبلا معاملة إنسانية، قائلا: "(أحد الحضور) يقول لي الناس الموجودة (المعتقلين)، ده (هذا) إنقاذ وطن، اللي (الذي) يحاسبني عليه مش (ليس) أنت، اللي يحاسبني عليه ربنا".
وقدرت منظمة العفو الدولية في كانون الثاني/ يناير 2021، عدد المعتقلين في مصر بنحو 114 ألف سجين، فيما أكدت أن مسؤولي السجون بمصر يعرِّضون سجناء الرأي وغيرهم من المحتجزين بدواع سياسية للتعذيب ولظروف احتجاز قاسية وغير إنسانية، ويحرمونهم عمدا من الرعاية الصحية عقابا على معارضتهم.
ورغم الانتقادات التي وجهتها منظمات حقوقية محلية ودولية وانتقادات الاتحاد الأوروبي والرئيس الأمريكي جو بايدن قبل فوزه بالانتخابات الرئاسية الأمريكية يصر نظام السيسي، على غلق الملف الذي يزداد خطورة يوما بعد يوم خاصة مع وفاة الكثيرين بالإهمال الطبي، بينهم الرئيس الراحل محمد مرسي، 17 حزيران/ يونيو 2019.
وهو ما أشار إليه الباحث في "فورين بوليسي" عمرو مجدي، في أيلول/ سبتمبر 2021، بقوله: "بعد وفاة الرئيس السابق محمد مرسي في محبسه المخالف لأبسط القواعد، كتب خبيران من الأمم المتحدة أن ظروف الاحتجاز في مصر (قد تعرّض صحة آلاف السجناء الآخرين وحياتهم لخطر شديد).
ووثق تقرير لـ"منظمة العفو الدولية" روايات احتجاز 67 معتقلا في 16 سجنا، وأكد أن "مسؤولي السجن يبدون استهتارا تاما بحياة السجناء وسلامتهم"، وأن السلطات تتعمد حرمان المعتقلين السياسيين من "الرعاية الصحية والطعام والزيارات العائلية الكافية".
وحول أدق الإحصائيات عن عدد وفيات المعتقلين منذ العام 2013، بالسجون المصرية، أكد رئيس المركز المصري لدراسات الإعلام والرأي العام "تكامل مصر"، الباحث مصطفى خضري، لـ"عربي21"، في 28 أيار/ مايو الماضي، أنهم "نحو 1024 معتقلا منذ العام 2013، وحتى نهاية 2022"، هذا غير وفيات مقرات الاحتجاز والمراكز والأقسام الشرطية.
"ملف حرج ومؤلم"
أحد المصريين المعارضين من المقيمين في
تركيا، أكد لـ"عربي21"، أن "رسالتنا للرئيس أردوغان، بشأن ملف المعتقلين في مصر وصلت منذ زمن، وتم التأكيد عليها أكثر من مرة".
وقال مفضلا عدم ذكر اسمه، إن "حقيقة الأمر حول التطرق لهذا الملف خلال زيارته لمصر، عند الرئيس أردوغان"، مضيفا: "لكن أتصور أنه لم يحدث حوار في هذا الموضوع خلال زيارة القاهرة".
وأعرب عن أمله في أن "يكون هناك جديد ما بعد زيارة أردوغان، وأن يكون هناك بالمستقبل القريب حديث حول هذا الموضوع، والملف الحرج جدا، والمؤلم جدا لكل حر".
"أمنية غير واقعية"
وحول احتمالات أن تكون زيارة أردوغان، بداية لحلحلة أصعب الملفات السياسية والحقوقية وأطولها في مصر، قال الحقوقي المصري خلف بيومي: "لم يقف أحد على كواليس المحادثات التي تمت قبل الزيارة وأثنائها".
وفي حديثه لـ"عربي21"، أعرب مدير مركز "الشهاب لحقوق الإنسان"، عن أمنيته في أن "تكون لقاءات أردوغان والسيسي، تطرقت إلى ملف المعتقلين المصريين".
وأضاف: "ورغم أمنيتي الشديدة لكن لا أظن أن ذلك حدث"، مبينا أن "كليهما يحتاج الآخر في ملفات وقضايا اقتصادية وسياسية وإقليمية، وأهمها بالطبع الوضع الراهن في فلسطين وغزة وما يحدث في رفح".
اظهار أخبار متعلقة
وأشار إلى إصرار نظام السيسي على عدم إغلاق ملف المعتقلين أو مناقشته، قائلا إن "النظام المصري ما زال يصر على استغلال تلك الظروف والملفات لصالحه دون حلحلة لملف الحريات في مصر".
وختم مؤكدا بأن "أرقام المختفين قسريا والمعتقلين في مصر منذ منتصف 2013، تؤكد على استمرار النظام على موقفه وإصراره على عدم غلق الملف"، مبينا أن "الأرقام شبه المؤكدة تؤكد أن عدد المختفين تخطوا الـ18 ألفا، بينما يزيد عدد المعتقلين على الـ60 ألفا".
"حياة أو موت"
من جانبه، يعتقد الحقوقي المصري هيثم أبو خليل، في حديثه لـ"عربي21"، أن "الزيارة ليس لها أي دور في حلحلة ملف المعتقين، وأنها تأتي في إطار المصالح المشتركة بين تركيا ومصر".
وأضاف أن "موضوع بحث ملف المعتقلين والإفراج عنهم كان يمكن منذ سنوات فله أكثر من 11 عاما منذ الانقلاب العسكري في مصر، والآن هناك أولويات أخرى طفت على السطح، وتعاون مشترك بملفات البحر المتوسط، وليبيا، والقضية الفلسطينية، والملف الاقتصادي، والتبادل التجاري والاستثمارات التركية بمصر".
ولفت إلى أن "كل هذا الكلام الذي قاله الرئيس التركي، في 2019، تراجع لأن الزمن للأسف الشديد يعالج بعض الأمور ولا يقف في صف الضعفاء للأسف الشديد، والذين لا يفعلون شيئا لحل أزمتهم".
وأشار إلى أن "تغيرات الأوضاع الإقليمية والدولية والوضع الاقتصادي والسياسي في تركيا لم تجعل من هذا الملف أولوية لدى الدولة التركية".
ويعتقد أن "ملف المعتقلين السياسيين غير مدرج من الأساس في مباحثات أردوغان والسيسي، كون اللقاء يخص السياسة الخارجية، وملف المعتقلين ملف داخلي، وذلك الملف في مصر يحركه الشعب المصري ولا يحركها غيره".
وأكد أن "النظام في مصر يرى أن ملف المعتقلين السياسيين يمثل له بالنسبة له حياته، لأنه يقدم نفسه للعالم بأنه نظام قوي مسيطر قامع، ويروج أن الـ60 ألف معتقل هم مجموعة إرهابيين من تيار الإسلام السياسي".
وختم بالقول: "ولهذا فهذا الملف سيظل مغلقا، ورأينا نتيجة الحوار الوطني وأنه لا يتم الإفراج إلا عن عشرات المعتقلين في ملف يمثل للسيسي حياة أو موتا".
"آمال مع التقارب"
من جانبه، قال السياسي المصري والبرلماني السابق، محمد عماد صابر، لـ"عربي21"، إننا "ولا شك نقدر ونثمن أي جهد يبذله أي طرف لحلحلة قضية المعتقلين في مصر سواء كانت تركيا أو قوة إقليمية أو دولية".
رئيس المنتدى المصري "برلمانيون من أجل الحرية"، أضاف: "وبالتالي نأمل أن يكون التقارب المصري التركي دافعا للنظام المصري للتوجه نحو تحسين ملفه الحقوقي، والتوجه نحو قيم الديمقراطية، وإنهاء ملف الاعتقال السياسي، وفتح المجال العام والحريات العامة".
"ليس ولي الأمر"
من جانبه، لام الكاتب الصحفي جمال سلطان، على بعض المعارضين المصريين، تعاملهم مع الرئيس التركي، "كما لو كان ولي أمره، أو أميره، أو في أحسن التصورات كما لو كان خليفة المسلمين المسؤول عن ولاية مصر وشعبها، وليس رئيسا لدولة أخرى وشعب آخر".