في تحول مفاجئ
للأحداث، وجّه
الاقتصاد التركي ضربة قوية لنظيره
الإسرائيلي، مما أدى إلى إرسال
موجات صادمة عبر المنطقة والأسواق العالمية. إن التوترات المتصاعدة بين الجانبين
التي تغذيها النزاعات السياسية والدبلوماسية قد تجلت الآن في المجال الاقتصادي مع
عواقب بعيدة المدى.
الانتقام
الاقتصادي
ردا على التوترات
المستمرة، اتخذت
تركيا سلسلة من التدابير الاقتصادية التي تهدف إلى معاقبة إسرائيل.
في كانون الثاني/ يناير الماضي، استبعدت تركيا إسرائيل من قائمة وجهات التصدير
المستهدفة بينما رفعت الدعم عن الشركات المصدرة إلى إسرائيل. وجاءت أقوى القرارات
في نيسان/ أبريل عندما فرضت تركيا قيودا على تصدير 54 سلعة إلى إسرائيل، وطالبت
بالوقف الفوري لعدوانها على قطاع
غزة لرفع القيود. شمل الحظر تصدير وقود الطائرات
وحديد البناء والصلب المسطح والرخام والسيراميك وما إلى ذلك. وتهدف هذه الإجراءات
إلى ممارسة الضغط الاقتصادي على إسرائيل وإجبارها على تغيير سياساتها.
تعكس هذه الأرقام الصعوبة التي واجهتها تركيا في اتخاذ هذا القرار، حيث ستتضرر العديد من الشركات التركية التي كانت لديها عقود تصدير وأنتجت تلك الطلبيات. وقد عبر المسؤولون الأتراك عن ذلك بالتأكيد على أن بعض الخسائر الاقتصادية هي ثمن ضئيل للمكاسب الإنسانية
وفقا لأرقام
الميزان التجاري بين البلدين، صدرت تركيا منتجات إلى إسرائيل بقيمة تزيد على 5.4
مليار دولار، حيث احتلت إسرائيل المرتبة 13 في قائمة الدول الأكثر استيرادا
للمنتجات التركية في عام 2023، وشكلت 2.1 في المائة من إجمالي الصادرات التركية.
وكانت أهم صادرات أنقرة إلى إسرائيل هي الصلب والسيارات والبلاستيك والأجهزة
الكهربائية والآلات، بينما هيمن الوقود على الواردات بتكلفة بلغت 634 مليون دولار
العام الماضي.
وتعكس هذه
الأرقام الصعوبة التي واجهتها تركيا في اتخاذ هذا القرار، حيث ستتضرر العديد من
الشركات التركية التي كانت لديها عقود تصدير وأنتجت تلك الطلبيات. وقد عبر
المسؤولون الأتراك عن ذلك بالتأكيد على أن بعض الخسائر الاقتصادية هي ثمن ضئيل
للمكاسب الإنسانية، كما أكد أردوغان أن تركيا مستعدة لدفع ثمن هذا القرار على
المستوى العالمي.
لكن من المؤكد أن
الحالة الحرجة للاقتصاد التركي هي أحد الأسباب الرئيسية التي أخّرت اتخاذ هذا
القرار في وقت سابق، خاصة في ظل تفاقم أزمة التضخم التي وصلت تقريبا إلى 70 في
المائة في نهاية نيسان/ أبريل الماضي، واستمرار تراجع سعر صرف الليرة، التي يتوقع
البنك المركزي التركي أن تنخفض إلى 40 ليرة للدولار بنهاية العام الجاري، مقارنة
بـ32.5 ليرة حاليا.
وكانت الإدارة
التركية تعول بشكل كبير على زيادة الصادرات لسداد جزء من الالتزامات الخارجية التي
تسببت في تراجع الليرة خلال السنوات الثلاث الماضية، ولكن مع قرار تعليق
التجارة
مع إسرائيل، ووفقا لجمعية المصدرين الأتراك، سيتعين على الحكومة خفض أهداف التصدير
لنهاية العام إلى 260 مليار دولار بدلا من 267 مليار دولار، ما لم يتم استئناف
التجارة مع إسرائيل في غضون شهرين.
وعلى الرغم من أن
خسائر الاقتصاد التركي قد تمتد أيضا إلى تعويضات قانونية تضطر الشركات إلى دفعها
إذا لجأت الشركات الإسرائيلية إلى المحاكم الدولية، إلا أنه من المؤكد أن خسائر
إسرائيل ستكون كبيرة نتيجة القرار التركي، خاصة وأن قطاعات إسرائيلية مهمة تعتمد
على الواردات التجارية بنسب كبيرة جدا. في المقدمة يأتي قطاع البناء، الذي يستورد
ما يقرب من 70 في المئة من احتياجاته من الصلب والأسمنت من تركيا، وهو القطاع الذي
يعاني أكثر من غيره بعد الحرب غير المشروعة على قطاع غزة.
من المؤكد أن خسائر إسرائيل ستكون كبيرة نتيجة القرار التركي، خاصة وأن قطاعات إسرائيلية مهمة تعتمد على الواردات التجارية بنسب كبيرة جدا. في المقدمة يأتي قطاع البناء،
كما ستسبب
القرارات التركية مزيدا من المعاناة للاقتصاد الإسرائيلي برمته، نظرا لصعوبة تعويض
هذه الواردات على المدى القصير. وفي حال تم الاتفاق مع شركات جديدة من دول أخرى،
فإن تكاليف الاستيراد سترتفع بالتأكيد مقارنة بالمنتج التركي الذي يتمتع بتكلفة
شحن أقل نتيجة قربه الجغرافي، بالإضافة إلى مزاياه التنافسية العالمية.
أيضا، من بين
الخسائر الإسرائيلية، وفقا لصحيفة نيويورك تايمز، حقيقة أن تعليق تركيا المعلن
لجميع أشكال التجارة مع إسرائيل قد يكون الأحدث في سلسلة تجعل عزلة إسرائيل أكبر
مما كانت عليه خلال الأشهر القليلة الماضية، كما أشارت إلى أن هذا القرار قد يشجع
الدول الأخرى على اتخاذ خطوات مماثلة. وهذا ما أكده أردوغان بقوله إنه يعتقد أن
هذا سيكون مثالا للدول الأخرى غير الراضية عن الوضع الحالي.
ضغوط دبلوماسية
بالإضافة إلى
التدابير الاقتصادية، تمارس تركيا أيضا ضغوطا دبلوماسية على إسرائيل. وكانت
الحكومة التركية تضغط بنشاط على دول أخرى للانضمام إلى مقاطعتها لإسرائيل، ونجحت
في إقناع العديد من الدول، بما في ذلك ماليزيا وإندونيسيا، بفرض عقوباتها الخاصة
على البضائع الإسرائيلية. كما امتد الضغط الدبلوماسي إلى الساحة الدولية، حيث
استخدمت تركيا نفوذها في منظمات مثل منظمة التعاون الإسلامي والأمم المتحدة لإدانة
الأعمال الإسرائيلية وحشد الدعم للقضية الفلسطينية.
التأثير على
الاقتصاد الإسرائيلي
كان التأثير
المشترك للتعريفات الجمركية وسحب الاستثمارات والضغط الدبلوماسي مدمرا للاقتصاد
الإسرائيلي، وتباطأ معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي للبلاد بشكل ملحوظ مع توقع
العديد من الاقتصاديين حدوث ركود في الأشهر المقبلة.
كما ارتفع معدل
البطالة بشكل حاد، حيث فقد العديد من الإسرائيليين وظائفهم في قطاعات الزراعة
والسياحة والتصنيع. وقد اضطرت الحكومة إلى تخصيص موارد كبيرة لدعم الشركات والعمال
المتضررين مما يزيد من الضغط على ميزانية البلاد.
إن القرار التركي
بتعليق التجارة مع إسرائيل، على الرغم من الخسائر الاقتصادية المحتملة لاقتصادها،
يدل على الأهمية التي توليها تركيا للقضية الفلسطينية. ومن خلال الاستفادة من
نفوذها الاقتصادي، بعثت تركيا برسالة قوية إلى إسرائيل والمجتمع الدولي مفادها
أنها لن تتسامح مع استمرار الاحتلال والقمع للشعب الفلسطيني.