تعالت أصوات العديد من
الفعاليات بالمغرب مؤخرا محذرة ومنبهة على مخاطر ما يتم من تجييش للشباب
المغربي؛ من خلال استدراجهم بالعشرات إلى جبهات القتال بمناطق التوترات، وخاصة بسوريا منذ أشهر.
واعتبر الكثيرون أن هذه الدعوات لا صلة لها بالجهاد، وأن منطلقها "فكر التشدد والغلو"، خاصة أن ثوار
سوريا لم يطلبوا يوما رجالا بقدر ما طالبوا بالدعم المادي والإنساني.
التحذيرات المتكررة ترجع لما ينجم عن عملية الاستدراج تلك من "تهديد لحياة أولئك الشباب أنفسهم" أو بما يتم من "توظيف لهم من طرف أجهزة دولية ومخابراتية، بالإضافة إلى ما يشكلونه من عبء ثقيل على الثوار السوريين، فضلا عن الأضرار التي يسببها رجوعهم إلى بلادهم"، بحسب ناشطين في إحدى الفعاليات في المغرب.
ومن جهته، نبه رئيس "حركة التوحيد والإصلاح المغربية" محمد الحمداوي على خطورة استدراج المغاربة للقتال في سوريا، محذرا "المتحمسين" من إمكانية تعرضهم للاستدراج والابتزاز، "فعند مغادرة الشخص لوطنه بطرق غير شرعية يصبح في وضعية هشة تجعله لقمة سائغة في يد العديد من الأجندات الإقليمية والدولية، وكذا العديد من أجهزة المخابرات"، على حد قوله.
وأضاف الحمداوي رئيس منتدى الوسطية بأفريقيا لـ"عربي 2"، أن الآثار السلبية لذهاب المقاتلين لسوريا تصيب الفرد نفسه وأيضا بلده، والبلد المستضيف له"، وهي "كلها مفاسد ولا تحقق أي مصلحة؛ بالنظر لواقع الاقتتال والصراع الدائر هناك" بين المقاتلين أنفسهم.
وأشار الحمداوي إلى الأضرار الناجمة عن ذهاب المقاتلين؛ بالإشارة إلى تجارب العديد من الحركات التحررية أو المناهضة للاستبداد من ارتباك الأجندة والأولويات، بفعل دخول المقاتلين الأجانب إليها، ولو من تحت غطاء الدعم والإسناد بالقتال إلى جانبها.
وعن العديد من الأنشطة التي أقامتها "حركة التوحيد والإصلاح" في هذا الصدد من بيانات وحاضرات وملفات إعلامية، أكد الحمداوي أنها "تروم الانتقال من الرصد إلى التدافع الميداني مع فكر الغلو والتشدد، وأن تلك المبادرات تأتي ضمن التوجه العام للحركة القائم على الإسهام في ترشيد التدين وتقوية المرجعية الإسلامية في تدافع الهوية والقيم، وقبلها في إطار مبادرتها للإسهام في ترسيخ منهج الوسطية والاعتدال ومدافعة فكر الغلو والتشدد مهما اختلفت منابعه وخلفياته".
ومن جهته، اعتبر المنسق العام للتنسيقية المغربية لجمعيات دور القرآن حماد القباج أن الذهاب للجهاد في سوريا لا يجوز أن يكون على مستوى الأفراد؛ "بمعنى أن يقوم الفرد أو المواطن من تلقاء نفسه بالذهاب إلى سوريا من أجل
الجهاد؛ لأن الجهاد في مشروعيته يتأسس على قواعد وضوابط، تجعله يحقق هدفه، وتحول دون أن ينقلب إلى نقيض المقصود منه".
وتابع القباج حديثه لـ"عربي 21"، وهو أحد الوجوه السلفية المعروفة: "رأينا كيف وظفت هذه المبادرة قبل اليوم في قضية الشيشان والبوسنة والهرسك وقضية العراق، ورأينا أن بعض الأفراد تحت دافع العاطفة قاموا بمبادرات فردية أودت بهم إلى سراديب السجون والاتهام بالإرهاب والمحاكمات غير العادلة والمصير المجهول، فلا هُمْ للشعوب نصروا، ولا هُمْ لبلدهم خدموا، وعلى كل حال فإن الحياة في سبيل الله أعظم من الموت في سبيله".
وتابع عضو اللجنة الوطنية للحوار حول المجتمع المدني: "لنعلم أن جهاد الإصلاح والبناء والتنمية في بلدنا جهاد عظيم، وهو متاح وممكن، فلا ينبغي ترك الممكن للمتعذر".
ومن جانبه، حذر عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين مولاي عمر بن حماد من ظاهرة التحاق العديد من الشباب المغاربة بجبهات القتال بسوريا، معتبرا ذهاب الشباب من مناطق مختلفة إلى سوريا، أمرا مخالفا لما تقتضيه المصلحة الشرعية.
وأضاف أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة محمد الخامس بالرباط، في ندوة ذات صلة بالموضوع حضرها قرابة ألف مشارك، أن الذين يُستدرجون لمثل هذه المواقع إنما تحركهم العاطفة وينقصهم الفقه، ومن هنا تتعاظم الحاجة الماسة إلى الترشيد -بحسب بن حماد-.
ودعا الداعية بن حماد في الندوة المنظمة بشمال المغرب مؤخرا إلى ضرورة انخراط وسائل الإعلام في حملة توعية من أجل ثني الشباب عن مثل هذه الأفكار "التي تحركها العاطفة، ويستغلها من شاء لتحقيق أهداف وأغراض لا علم للشباب بها".
وفي السياق ذاته، ما لبثت السلطات الأمنية تعلن عن تفكيك عدد من الخلايا الناشطة في مجال استدراج الشباب للقتال بمناطق نزاع وتوتر مختلفة، منها ما أعلنته مصالح الأمن السبت الماضي بالرباط، من توقيف لمواطن من جنسية فرنسية للاشتباه في انتمائه إلى "خلية إرهابية" ينشط أعضاؤها في مجال تجنيد متطوعين للقتال بالعديد من بؤر التوتر في العالم.
وأضاف البلاغ أن "المشتبه فيه كان يشكل موضوع أمر دوليا بإلقاء القبض صادر عن السلطات القضائية الإسبانية"، مشيرا إلى أن عملية توقيفه بالمغرب "جاءت على خلفية الأبحاث المسترسلة التي باشرتها المصالح الأمنية المغربية بتنسيق تام مع مثيلاتها بإسبانيا، بعد تفكيكها منتصف الشهر الجاري لخلية إرهابية، ينشط أعضاؤها في كل من مدينة العروي ومليلية وملقا".
وفي عملية مماثلة، أعلنت وزارة الداخلية المغربية، قبل أسبوعين تقريبا، عن اعتقال خلية "إرهابية"، بتنسيق مع السلطات الأمنية الإسبانية.
وبحسب بيان الداخلية، فإن الخلية تنشط بين البلدين في تجنيد متطوعين للقتال بالعديد من بؤر التوتر، مثل مالي وسوريا وليبيا، إضافة إلى تزوير جوازات السفر، و"يتزعمها مواطن إسباني ذو توجه متطرف".
وخلص البيان أيضا إلى أنه "يتضح جليا من خلال التفكيكات المتوالية "للشبكات الإرهابية" التي تتخذ من بؤر التوتر، خاصة سوريا، واجهة لها من أجل استقطاب متطوعين مغاربة للقتال بها، إصرار تنظيم "
القاعدة" والجماعات الموالية له، على استهداف استقرار المملكة المغربية وحلفائها"، مؤكدا أن "الهدف غير المعلن من وراء هذا الاستقطاب تعبئة هؤلاء المقاتلين من أجل العودة إلى أرض الوطن لتنفيذ عمليات إرهابية".