نشرت صحيفة "
التلغراف" تقريرا أشارت فيه، إلى أن الجمعيات الخيرية الطبية تعتقد أن القصف الإسرائيلي المستمر على قطاع
غزة، أدى إلى جرح عدد أكبر من المدنيين الذين خضعوا لعمليات بتر الأطراف، أكثر من أي صراع آخر في الآونة الأخيرة.
وذكر التقرير الذي أعده الصحفي توم باري، وترجمته "عربي21"، أنه مع استمرار القتال داخل القطاع المحاصر، على الرغم من قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بوقف إطلاق النار، يخشى الكثيرون أن كثافة القصف غير المسبوقة على مدى ستة أشهر، تعني أنه سيكون هناك عدد أكبر من مبتوري الأطراف للفرد، مقارنة بما كان عليه الحال في سوريا أو العراق أو أفغانستان.
ولفت التقرير إلى أنه على الرغم من عدم توفر بيانات دقيقة، فإن نسبة كبيرة من 75,000 شخص تقول وزارة الصحة المحلية؛ إنهم أصيبوا منذ تشرين الأول/ أكتوبر من العام الماضي يحتاجون إلى أطراف صناعية.
وأفادت منظمة الإنسانية والشمول (HI)، المعروفة أيضا باسم منظمة الإعاقة الدولية، أن ما بين 70 إلى 80 بالمئة من الأشخاص الذين تم إدخالهم إلى المستشفيات الـ 12 التي لا تزال تعمل جزئيا داخل غزة، قد فقدوا أطرافهم أو عانوا من إصابات في النخاع الشوكي.
وقد اضطر العديد من الأشخاص البالغ عددهم 10,000 شخص الذين قامت اللجنة بتقييمهم إلى الخضوع لعمليات بتر، بما في ذلك مئات الأطفال.
وفي كانون الثاني/ يناير الماضي، قدرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسف"، أن حوالي ألف طفل في غزة فقدوا إحدى ساقيهم أو كلتيهما - أي ما يعادل 10 أطفال يفقدون ساقيهم كل يوم.
ومما لا شك فيه، أن هذا العدد قد ارتفع بشكل كبير مع استمرار الهجوم الإسرائيلي بلا هوادة في المناطق المكتظة بالسكان، مخلفا وراءه العديد من الكوارث الفردية، حسب التقرير.
وشهدت منسقة منظمة أطباء بلا حدود، ماري أوري بيريو ريفيال، مشهدا مؤسفا لعشرات الأطفال الذين بترت أطرافهم في مستشفى الأقصى في الأسبوع الماضي فقط.
وقالت؛ إنه "لأمر مدمر تماما أن نرى رضعا لم يتجاوز عمر الواحد منهم سنة واحدة يتم بتر أطرافهم. هؤلاء هم الأطفال الذين لم يتعلموا المشي أبدا، والآن لن يتمكنوا أبدا من المشي [دون مساعدة]".
وأضافت: "رأيت العديد من المرضى الذين وصلوا إلى المستشفى وقد فقدوا أرجلهم وأذرعهم بالفعل. ثم كان هناك آخرون أصيبوا بجروح خطيرة في الانفجار، وكان لا بد من بتر أطرافهم لأن عدم الحصول على الرعاية الصحية والرعاية اللاحقة للعمليات الجراحية، يعني أن جروحهم ستلتهب لولا ذلك".
وأشار التقرير إلى أنه في ظل "عدم وجود مؤشرات تذكر على أن إسرائيل ستخفف سيطرتها المشددة على نقاط العبور الحدودية لإجراء المزيد من عمليات الإجلاء الطبي، تخشى الوكالات من أن الآلاف من المصابين الذين لم يخضعوا لعمليات جراحية بعد، معرضون لخطر الإصابة بالعدوى".
وفي غزة، حيث تقل أعمار ما يقل قليلا عن نصف السكان عن 18 عاما، فإن نسبة كبيرة من الشباب سوف يكبرون وهم يعانون من إعاقة ناجمة عن الحرب؛ لأن مكان البتر لا يمكن إعداده جراحيا لتركيب الأطراف الاصطناعية.
ونقل التقرير عن أسيل بيضون، مديرة المناصرة والحملات لجمعية العون الطبي للفلسطينيين (MAP)، قولها؛ إن "جيلا من الأطفال مبتوري الأطراف آخذ في الظهور. نحن نعلم أن النظام الطبي المنهار في غزة مرهق للغاية، بحيث لا يتمكن من منح الأطفال الذين يعانون من إصابات طويلة الأمد رعاية المتابعة المعقدة، التي يحتاجون إليها لإنقاذ عظامهم المقطوعة التي لا تزال في طور النمو".
وأضافت: "لقد سمعت من الجراحين العاملين في فرق الطوارئ الطبية التابعة لجمعية العون الطبي للفلسطينيين في غزة، أن المستشفيات مكتظة بالفعل بحيث لا يمكنها علاج سوى المرضى الذين يحتاجون إلى إجراءات منقذة للحياة، مثل إصابات الأعصاب أو إصابات الأوعية الدموية، في حين يتعين على إصابات الأطراف الانتظار".
وتقدر الأرقام الرسمية عدد الأوكرانيين الذين خضعوا لعمليات بتر أطراف منذ الغزو الروسي واسع النطاق قبل عامين بنحو 20 ألف شخص. ويعتقد البعض أن العدد الحقيقي قد يكون أعلى من ذلك بكثير، وقد يصل إلى 50 ألفا.
على مدار الحرب العالمية الأولى، يقدر المؤرخون أن عدد حالات البتر في ألمانيا بلغ 67 ألفا، بينما بلغ في بريطانيا 41 ألفا.
وقد ساهم استخدام الأسلحة الجديدة على نطاق لم يكن من الممكن تصوره من قبل، إلى جانب مشاكل مثل عضة الصقيع والعدوى في الخنادق، في فقدان العديد من الجنود أطرافهم.
تم تنفيذ ما يقرب من 60 ألف عملية بتر في الحرب الأهلية الأمريكية، وهو عدد أكبر من أي صراع آخر شاركت فيه القوات الأمريكية.
على مدار عقدين من الحرب في فيتنام، أصبح ما يقرب من 100 ألف شخص مبتوري الأطراف. ولا يزال كثيرون آخرون يفقدون أطرافهم حتى اليوم بسبب الألغام غير المنفجرة العالقة في الأرض.
وفي عام 2017، ذكرت اليونيسف أن 86 ألف شخص فقدوا أطرافهم بعد سبع سنوات من الحرب في سوريا، على الرغم من عدم جمع أي بيانات رسمية على الإطلاق.
وشدد التقرير على أن ما يميز غزة عن غارات النظام السوري على المناطق السكنية في جارة إسرائيل في الشرق الأوسط، هو استحالة الهروب.
وأضاف أنه على الرغم من أن الرئيس الأسد، بمساعدة الطائرات المقاتلة والمسيرات الروسية، قام بقصف مدن مثل حمص وحلب بشكل عشوائي، إلا أنه كان هناك على الأقل إمكانية الفرار إلى مكان أكثر أمانا. وفي غزة، هذا ليس خيارا.
ونقل التقرير عن غسان أبو ستة، جراح التجميل والترميم المقيم في لندن، الذي عمل في غزة خلال الأشهر الأولى من الانتقام العسكري الإسرائيلي، قوله؛ إن "هذه هي أكبر مجموعة من الأطفال مبتوري الأطراف في التاريخ".
وفي تشرين الثاني/ نوفمبر، أخبر غسان أبو ستة صحيفة "التلغراف" كيف أُجبر على إجراء عمليات بتر لستة أطفال في ليلة واحدة. ووصف كيف كان البتر في كثير من الأحيان هو الخيار الوحيد المتاح، عندما حاصرت القوات الإسرائيلية بنك الدم، ومنعت عمليات نقل الدم.
تؤكد المنظمات الطبية في غزة، بما في ذلك منظمة الإنسانية والشمول ومنظمة أطباء بلا حدود، أن هناك حاجة ماسة إلى الآلاف من الأطراف الاصطناعية والأجهزة المساعدة مثل العكازات والكراسي المتحركة.
وقالت ريهام شاهين، خبيرة إعادة التأهيل في منظمة الإنسانية والشمول HI؛ إن "الأعداد ضخمة. ويرجع ذلك إلى نوع الأسلحة المستخدمة.. في سياق إصابات الحرب الناجمة عن الأسلحة المتفجرة، غالبا ما تكون هناك حاجة إلى عمليات متعددة، بما في ذلك إعادة بناء الأطراف والجراحة التجميلية. هذه الإجراءات غير متوفرة حاليا في غزة، وسيتعين على الناس الانتظار لفترة طويلة للحصول على الطرف الاصطناعي".
وأضافت: "كل شيء نفد من المخزون. إن الإمدادات هي التحدي الرئيسي الذي يواجهنا، إلى جانب المخاوف الأمنية بشأن كيفية التنقل بين المستشفيات والملاجئ دون التعرض للقتل أو الإصابة".
وكما تشير أسيل بيضون، فإن محنة مبتوري الأطراف تتفاقم أكثر؛ بسبب عدم قدرتهم على الفرار عندما تأتي الموجة التالية من الهجمات، وفقا لصحيفة "التلغراف".
وذكر التقرير أن أحد التحديات الأكثر قسوة داخل غزة، هو توفير الرعاية الأساسية لإعادة التأهيل قبل الأطراف الاصطناعية لمبتوري الأطراف، في ظروف مكتظة وغير صحية بشكل مروع، حيث تتراوح فترة الانتظار بعد جراحة البتر للسماح بإعداد مكان البتر للطرف الاصطناعي عادة، من ثلاثة إلى أربعة أشهر.
ومع ذلك، كل ما يمكن فعله في الوقت الحالي، هو الحفاظ على شكل مكان البتر بحيث يمكن تركيب الطرف الاصطناعي في وقت لاحق.
ووفقا لمنظمة الصحة العالمية، لا يزال 30 بالمئة فقط من الأطباء الذين كانوا يعملون قبل النزاع الحالي قادرين على العمل، بسبب عمليات القتل والاحتجاز والنزوح.
ومنذ تشرين الأول/ أكتوبر، قامت ممرضات منظمة HI بتضميد أكثر من 2200 جرح. لقد أصبحوا خبراء في استخدام أساليب مختلفة لإلهاء المرضى، حيث لا تتوفر أدوية التخدير لتخفيف الألم في أثناء الإجراءات المؤلمة.
ولأن الأطفال أضعف من أن يتمكنوا من انتشالهم من تحت أنقاض المباني السكنية التي دمرتها القنابل الإسرائيلية، فإن أطرافهم المصابة لا يمكن في كثير من الأحيان إنقاذها، حتى لو وصلوا إلى المستشفى. الأصغر سنا معرضون بشكل خاص لإصابات قد تغير حياتهم نتيجة للانفجارات.
وذكر التقرير أنه جرى إجلاء نسبة صغيرة في وقت سابق من هذا العام، كجزء من صفقة أبرمتها قطر مع إسرائيل وحماس ومصر من أجل الجرحى
الفلسطينيين الذين يحتاجون إلى رعاية طبية عاجلة. ومن بينهم طفلة تبلغ من العمر أربع سنوات بترت ساقها اليسرى بعد إصابتها بشظية وتحولت إلى غرغرينا. ولم يكن لدى الطبيب الذي عالجها في البداية أي مطهر، لذلك قام بكي النزيف بشفرة سكين المطبخ الساخنة.
وتقول بعثة المراقبة الدائمة لدولة فلسطين لدى مكتب الأمم المتحدة؛ إن إسرائيل أسقطت بالفعل أكثر من 25 ألف طن من المتفجرات على غزة على شكل أكثر من 12 ألف قنبلة.
ونقل التقرير عن ماريا ماريلي، أخصائية العلاج الطبيعي في منظمة HI، التي عادت للتو من مهمة إلى رفح، قولها؛ إن عدم القدرة على الحصول على المعدات والإمدادات يحد بشدة مما يمكن تحقيقه.
وأضافت: "إذا لم نتمكن من إدخال الأجهزة المساعدة مثل الأطراف الصناعية إلى غزة، فلن نتمكن من توفير ما هو مطلوب. إنه أمر مزعج للغاية".
ومن بين الذين عالجتهم منظمة HI في رفح في الأسابيع الأخيرة، علي البالغ من العمر 14 عاما، من شمال غزة، الذي كان مسافرا جنوبا في قافلة مع عائلته عندما تعرضوا للقصف بصاروخ إسرائيلي أطلق من الجو.
استشهدت والدة علي وأبوه وشقيقه. وعلى الرغم من نجاته، إلا أن إصابات ساقه اليسرى كانت شديدة، لدرجة أن الأطباء قاموا ببترها من فوق الركبة، وهو يحتاج إلى مزيد من الجراحة وكرسي متحرك، ولكن لا يتوفر أي منهما في الوقت الحالي.
وفي وصفها للظروف الفوضوية في رفح، التي فر إليها نصف سكان قطاع غزة البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة، تابعت ماريا: "في الوقت الحالي، المدينة مكتظة للغاية لدرجة أن كل رصيف فيها مغطى بالخيام. هناك أناس في كل مكان، كلهم ينتظرون. تم تصميم المأوى الذي زرناه، وهو مدرسة سابقة، لاستيعاب 2,000 شخص، ولكنه يؤوي الآن 28,000 شخص، حيث تتكدس العائلات في الفصول الدراسية والممرات والخيام في ساحة المدرسة. وتتسرب مياه الصرف الصحي على الممرات والأماكن المشتركة، وتنتشر الخيام في كل مكان.
وأضافت أنه "يصل إلى ملاجئ أو مستشفيات مكتظة، مصابون بجروح لم يتم علاجها لعدة أيام، مما يتسبب في مضاعفات والتهابات تهدد حياتهم".
كان هناك أصلا العديد من مبتوري الأطراف في غزة قبل الحرب، نتيجة لجروح أصيبوا بها في صراعات سابقة. وقد قام الكثيرون بالرحلة سيرا على الأقدام عبر الأنقاض والأوساخ، ومن ثم لم تعد أطرافهم الصناعية تعمل بشكل صحيح، حسب التقرير.
وقالت ماريا: "يعاني الناس من أنواع مختلفة من الإصابات الناجمة عن الضربات المباشرة أو انهيار المباني.. رأيت الكثير من الأطفال المصابين بجروح بالغة، يعانون من كسور وحروق. في كثير من الأحيان، هناك عائلات بأكملها أصيبوا فيها جميعا بأذى حقيقي.. إنها قنبلة موقوتة مع سوء ظروف النظافة ونقص الرعاية الصحية".