لم يكن السيسي مبالغا قط حين أخبرنا أو كشف لنا بالأحرى منذ بضع سنين بأن الله خلقه طبيبا، وأن فلاسفة العالم الكبار (الذين لم يسمهم بالمناسبة) شهدوا له بذلك، فالشاهد أن ذلك التصريح لم يكن خدعة أو حيلة لتمرير قرارٍ أو سياسةٍ ما، وإنما كان بوحا ومصارحة بمكنان قلبه ووجدانه، فهو من دون شك يرى في نفسه
لم يكن هذا السؤال يُلح عليّ، والحقيقة أنني لا أزعم أنني أملك إجابة جاهزة أو يقينا لكنني في المقابل أزعم، بل أكاد أجزم أنك لو طرحت هذا السؤال على السيسي نفسه، فإنه لن يجيب مباشرة، إنه سيتلعثم ويرتبك وقد يتعرق كما حدث في مقابلة قناة CBS الإخبارية. قد يندفع مؤكدا حقه في الحديث متى وأنَّى شاء، وأنه شاع
بضع كلمات لا توحي بشيء أو تدل عليه. كلماتٌ باهتة، وربما تبدو محايدة؛ لكنها في حقيقة الأمر تضمر عدوانا شرسا وتستبطن انحيازا وعداء راسخا وحربا حتى النهاية، لا مجال فيها للرحمة أو الأوهام. كلماتٌ بسيطةٌ برطانة القانون، التي لا يفهمها جل الناس، تختزل صراعا وثورة محبطة مسروقة، فثورة مضادة وتصم
رحل الدكتور محمد مرسي عن عالمنا. رحل أول رئيس جمهورية مدني منتخب في مصر، حبيسا في سجون نظام الثورة المضادة. رحل محروما من أبسط حقوقه كإنسان في تلقي الرعاية الطبية والمعاملة الكريمة، في العدالة. رحل مظلوما، يحاكمه انقلابيون لفقوا له تهما باطلة، ثم تعمدوا إهانته وإذلاله.
في مشهدٍ ملحميٍ مهيب بقدر ما هو مدهش ومزلزل، وصل ما سُمي بقطار الحرية من مدينة عطبرة، مهد الثورة، إلى الخرطوم، محملاً بآلاف الثوار الذين إذ لم يسعفهم الاكتظاظ داخله، والتشبث مندسين عبر نوافذه اعتلوه، ليستقبله ثوار الخرطوم في محطة بحري الرئيسية للقطارات.
في بداية خدمتي العسكرية الإلزامية، ولم يكن قد مضى أكثر من أسبوع ربما على التحاقي بوحدتي، رجعت من إجازة لأجد كل الجنود والضباط مهمومين متكدرين. لم أكن بحاجة للسؤال، فقد بادرني الجميع بالخبر الكئيب: نحن محبوسون.
في إبريل/نيسان 2016، أي منذ قرابة العامين، بثت فضائية NTV الروسية عرضاً خاصاً مدته أربعون دقيقة ملأته بسخاءٍ بمشاهد حميمة وعباراتٍ جنسيةٍ خارجة من فيديو سُجل خلسةً لرئيس الوزراء الروسي الأسبق، مع مساعدته التي تصغره بزهاء العشرين عاماً أثناء لقاءٍ جنسي.
ليس هناك أفصح وأبلغ من ذلك، فالرئيس الأمريكي الشعبوي المنتخب على موجة من انعدام الثقة والسخط والشك العميق في المؤسسات، يقول بصورة غير مباشرة بأن رأس المال الأمريكي في صراعه مع الصين لا يملك رفاهية التشبث بحقوق الإنسان والحريات إلخ.
للأسف الشديد، أكتبها بألم، وفقا للسردية المغايرة، فإن مئات الألوف من الجنود التي حاربت في 73 خاضت حربا دامية ضد مصالحها، حاربت لتنتج ظروفاً تساعد على استكمال تخلق تلك الطبقة من المنتفعين التي تعيش وتقتات على حساب تضحياتها، لكي “تشيد قصورها على المزارع” كما قال أحمد فؤاد نجم.
التوحش في بلادنا ليس مجرد نتيجة هزيمة الثورات في إحداث طفرةٍ تعبر بالمجتمع وانغلاق الطرق، بحيث لا يتبقى للناس سوى النهش في بعضهم بعضا، وإنما ينتج أيضاً عن سلوك النظام وسياساته الذي يمارس خلق التوحش عن طريق القمع وإهدار كل القيم والمعاني الإنسانية بمنهجيةٍ والتزامٍ صارمين.
لدى قراءتي للصحف المصرية استوقفني ما أوردته إحداها من تصريح رئيس البعثة المصرية في الأمم المتحدة، رداً على المفوضة السامية لحقوق الإنسان ميشيل باشليه، في أعمال الدورة التاسعة والثلاثين للمجلس الدولي لحقوق الإنسان، في شأن الأحكام الصادرة عن محكمة جنايات القاهرة في قضية “فض رابعة”.