هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
في الصليبيات كلنا يعلم أن الصليبيين لم يستطيعوا البقاء قرنين في الإقليم إلا بسبب تحالف بعض الأنظمة التي تدعي الإسلام معهم وجلهم سواء في عصر الدولة الفاطمية أو حتى بعد أن انفصمت عراها فصارت مسيطرة على الهلال.
الجماعة يحصل فيها توافق أو إجماع (يعني موقف الأغلبية سواء كانت ناطقة أو صامتة) على تبني التشريع الديني فتكون مشرعة لذاتها ليس بوضع التشريع الوضعي مثل العلماني بل بتبني التشريع الديني لأن واضعه محايد في رؤيتهم وهو الأعدل والأعلم.
ربما يكون الدرس الأبلغ في انتخابات تركيا المحلية أن يحصل الوعي المبكر لدى الكاريزما القيادية بأن فريضة الوقت هو توريث العمل، لا البحث عن نخب ولاء جديدة، تؤسس لشرعية أخرى للزعيم، الذي سيستقبل لا محالة هزائم أخرى إن أصر مرة أخرى على خوض التجربة من موقع المسؤولية..
الكثير من نخب الغرب وشبابه المنددين بالاستعمار أعدهم أقرب إلى قيم الإسلام من جل من يدعون النقد الديني بدعوى التحديث وهم في خدمة عملاء الاستعمار وحكامنا الذين نصبهم ومن يدعون الدفاع عن الإسلام بدعوى التأصيل وهم في خدمة عملاء الاستعمار والنوع الثاني من حكامنا وعلمائهم في دار الإسلام..
على الإسلاميين ـ أصحاب المشاريع التغييرية الجذرية ـ أن يضعوا تمييزا، على مستوى الفكر، بين ما هو استراتيجي، قد يتحقّق كلّه، أو جزؤه، أو قد يُطوى جميعه فيغدوا فقط ضمن الأرشيف الذي يؤرّخ لتطور الفكر السياسي والاجتماعي الإسلامي، وبين تدبير المراحل المختلفة أثناء ممارساتهم السياسية والمجتمعية.
أمر الآن إلى النوع الأخير من حمق نقد الإسلام. إنه أكبر علامات الحمق أي الأرخنة النافية لذاتها. فمحاولة تحريف سرديات المسلمين التي تحدد دلالات أحداث تاريخهم أعني تاريخ الإمبراطورية الإسلامية هي التي يفشلها الرد ليس بالدحض بل ببيان سرديات تاريخه الأعداء الذين يوظفون هذا التحريف بالاعتماد على القوتين المتغولتين.
وصلنا الآن إلى غاية النقد الموجه إلى الإسلام بصورة جذرية، وهو التشكيك الرابع المترتب على كل ما تقدم، وهو يراوح بين اتهام الرسول الخاتم بكونه ناطقا باسم الشيطان، قدحا في أخلاقه إن سلمنا بوجوده، وبين نفي وجوده قدحا في قدرته على تحقيق ما حقق ونسبته إلى غيره: والحصيلة هي الذهاب إلى حد نفي وجود الرسول فيكون شخصية خرافية.
لنشرع الآن في فحص التشكيك الثالث أي "نفي تاريخ نزول القرآن عند أهله والقبول بوجوده مع وصفه بالانتحال أو على الأقل بالتناص ولكن بتاريخ متأخر يذهب البعض إلى جعله مثل الحديث قد كتب في عهد الدولة العباسية فيكون تاريخ النزول غير الذي يؤمن به أصحابه. وقد لا يكتفي أصحاب هذه الدعوى فيضاعفوا تغيير التاريخ بتغيير المكان فيجعمون أنه نشأ في سوريا أو في اليمن.
القرآن لم يكتف بذلك بل هو حدد طبيعة الآيات التي يريها الله للإنسان في الآفاق وفي الأنفس دون أن يقدمها له جاهزة لأن طلبها بالبحث العلمي هو ما سيريه حقيقة القرآن ولن يجدها في القرآن بل في الآفاق وفي الأنفس ما يجعل القرآن موجها إلى البحث فيها في محلها وليس في آيات الرسالة
صنفت أصحاب الحمق الأكبر فميزت فيهم في الفصل السابق خمسة أصناف بمقتضى ما ينكرونه على القرآن فيجعلونه نقدا جذريا. وسأبدأ بأول صنف: "النوع الأول يتعلق بنفي أصله أي الوحي: وهو نوعان نفيه عن الإسلام وليس بصورة مطلقة ونفيه بصورة مطلقة عن كل الأديان".