«يد» إسرائيل، كانت دائما طويلة وحرّة في سوريا. قامت بمئة غارة ضدّ «حزب الله» في الأراضي السورية ولم يمنعها أو يردعها أحد. لذلك لا يمكن لإسرائيل اليوم أن تقول إنها لم تكن على علم أو دراية بالوجود الإيراني ومدى تمدّده في الأراضي السورية، وصولا إلى «النسيج الاجتماعي والاقتصادي» وفي قلب البنية العسكرية السورية، وأنّها وعت كل ذلك فجأة بعد أن ساهمت بقوة سواء مباشرة أو بطريقة غير مباشرة في بقاء الأسد، ولو بثمن استثنائي دفعه الشعب السوري أولا وأخيرا.
الآن، سارع بنيامين نتنياهو يرافقه يوسي كوهين رئيس جهاز الموساد ومئير بن شبات رئيس مجلس الأمن القومي، إلى قطع إجازة فلاديمير بوتين في سوتشي، ليقول له: «كم هو قلق وحتى خائف من نفوذ إيران العسكري والسياسي الواسع والشامل في سوريا، الذي يهدّد أمن إسرائيل والشرق الأوسط والعالم». نتنياهو يريد من بوتين الذي باعتراف أوساطه «يملك مفتاح سوريا» أن يساعده على فتح «باب» سوريا؛ لإخراج إيران منها ومنع «انزلاق النار» إلى داخل إسرائيل.
لم ينسَ نتنياهو في معرض «استجداء القيصر» التلويح «بالعصا النووية»، إذ قال له بوضوح ومباشرة، «إنّ إسرائيل ستدافع عن نفسها بكل وسيلة ممكنة».
طبعا، هذا الكلام لا يخيف بوتين، لأنّه ليس إلاّ «بضاعة» للمقايضة. نتنياهو يعرف ومَن يرافقانه يعرفان أكثر، أنّ إيران لا تريد الحرب ولا حتى المواجهة مع إسرائيل، ولو كان ذلك واردا لكان «حزب الله» ثأر على الأقل لمن اغتالتهم من قادته ومن أفضل جنرالات إيران. وما ذلك سوى لأنّ ضمان مستقبل الأسد ونظامه أهم بكثير لإيران من ذلك، وإسرائيل تؤكد يوميا أنّه لا يوجد أفضل من نظام الأسد الأب والابن في ضمان الهدوء إلى درجة السكون في الجولان وكامل حدودها، رغم الحروب والاشتباكات منذ العام 1973 حتى اليوم.
لكن هذا السكون المتمدّد، لا يحول دون وضع إسرائيل لاحتمالات قائمة ومستقبلية «تشرّع» خوفها الذي تشتري به الدعم الأمريكي – الروسي لوجودها وأمنها. أربعون كلم كشريط حدودي هادئ ومضمون، لم يعد يكف إسرائيل بعدما حصلت عليه باتفاق مع موسكو، التي لا بدّ أنّها تفاهمت عليه مع إيران ومن ثمّ مع «حزب الله».
إسرائيل التي تعتبر نفسها قوة شرق أوسطية يجب أن تكون حاضرة بدون منافسة، تجد نفسها لأول مرة بأن «لا موقع واضحا لها في مستقبل سوريا»، وهي تريد أن تعرف من «مالك مفتاح سوريا»، «موقعه وحجمه»، الملاحظ أنّ الكلام الإسرائيلي المنقول عن نتنياهو مع بوتين أنّ البحث الذي تُطالب به (وهو الجديد)، هو «هيئة فيدرالية ستحكم سوريا».
باختصار، إسرائيل بعد أن «دعمت نظام الأسد طوال سنوات الحرب لم تعد تريد حكما مركزيا في دمشق»، لا بل ستمنع نشوءه؛ وما ذلك سوى لأنّ سوريا ذات الحكم المركزي ستكون «موجّهة من إيران». باختصار أكثر تصل المبالغة الإسرائيلية إلى حدِّ القول «إنّ سوريا ستصبح دولة تحت الوصاية الإيرانية»، ما يؤشّر إلى ذلك الاتفاقات السورية – الإيرانية لمدة 25 سنة وتطال كل القطاعات النفطية والنووية والزراعية.. إلخ. نتنياهو يريد أن يعلم بوتين أنّ وجوده في سوريا لن يكون أكثر من وجود عسكري مع بعض النفوذ.
مجرّد وجود هذا الاحتمال يؤهل لتبلور سيناريو حربي خطير، وهو حصول «كماشة» عسكرية مشكّلة من الجبهتين السورية واللبنانية في حال حصول أي حرب مفاجئة أو قادمة مع «حزب الله». وأن يكون اكتفاء هذه الجبهة من السلاح المصنّع في معامل إيرانية مشيدة في الأراضي السورية، بدلا من استيراده من إيران تحت سماء مكشوفة ومحكومة من الطيران الإسرائيلي.
ما يغضب إسرائيل، أنّ إيران التي تنشر في سوريا حسب تقديرات خبرائها حوالي 20 ألفا من المليشيات الشيعية العراقية والأفغانية والباكستانية وغيرهم، إلى جانب قوات «حزب الله» وحوالي ألف من «الحرس الثوري» الإيراني، وهي بذلك شريك عسكري أساسي في الحرب، «أصبحت مقبولة من الساحة الدولية طرفا شرعيا بين القوى المؤثرة في سوريا». ولذلك فإنّ أي حل سيتم إقراره، ستكون إيران في صلبه.
كل ذلك فيه شيء من الواقعية، ولكن يبقى السؤال الأساسي إذا كان لا أحد يريد الصدام المباشر، فلماذا «تضخّم إسرائيل أمام بوتين وقبلا مع جاريد كوشنير صهر الرئيس دونالد ترامب الخطر الإيراني عليها؟».
كوشنير صهر ترامب رمى «قشرة الموز» المنتجة لمصالحة عربية – إسرائيلية عمليا. هذه المصالحة لا تكتمل ولا تكون حاسمة لإقامة سلام دائم سوى بعد انضمام إيران إليها. إسرائيل تريد أن تضمن دعم فلاديمير بوتين هذا المسعى، وأن يفتح لها «الباب» في سوريا وعبرها نحو «مسار» نهائي لعقد مؤتمر سلام، تكون إيران طرفا حاضرا فيه، وطبعا تركيا التي لها علاقات قديمة ومتجددة مع إسرائيل.
مهما بدا الوضع العربي متردّيا، ومهما كانت ثلاث عواصم منه ممزّقة، فإنّ مثل هذا الحل يتطلب أكثر من حرب، ويكون كل ما جرى حتى الآن ليس سوى تجارب ميدانية بالنار.