هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
عبثا تحاول السعودية إعادة إنتاج تحالفها مع الأردن وفقا لشروط الرؤى السعودية، فلم تنجح الرياض بإقناع عمان بوجهة نظرها حول الأحداث الأخيرة؛ إذ انتهى لقاء الملك عبد الله الثاني مع الملك سلمان بن عبد العزيز بإصرار الملك عبد الله الثاني علي رفض قرار ترامب، ورفض الطلب السعودي تخفيض التمثيل الأردني في قمة اسطنبول؛ إذ طار الملك عبد الله من الرياض مباشرة إلى اسطنبول في تعبير واضح للاستياء الأردني من المقاربة السعودية برمتها.
لم يكن لقاء عاديا، فبينما يتمتع الملك عبد الله الثاني بتأييد شعبي أردني عريض ودعم تركي واضح بالإضافة لدعم دول الاتحاد الأوروبي، فإن الشارع العربي حمّل الجانب السعودي الفشل في ثني إدارة ترامب عن القرار الكارثي، رغم مئات المليارات التي قدمتها السعودية لترامب خلال زيارة الأخير في شهر مايو الماضي.
والحال أن تحركات الأردن على المستويين الداخلي والخارجي سببت صداعا قويا لولي العهد السعودي، الذي اعتقد في لحظة بأنه لا خيار أمام الأردن سوى الانصياع والإذعان لمنطق تيار الحزم، فالمظاهرات التي اندلعت في الأردن استهدفت السعودية على وجه التحديد، الأمر الذي أثار السفير السعودي في عمان والذي بدأ بإطلاق تصريحات من عمان لا تليق به كسفير.
وعلى ما يقوله السفير السعودي في الأردن، فإن قافلة الأردن ماضية انتصارا لمصالح الأردنيين والفلسطينيين على السواء، فحضور الملك عبد الله الثاني قمة اسطنبول الاستثنائية، المخصصة لبحث قرار ترامب قضية القدس وتدني مستوى التمثيل السعودي، يعكس بشكل جليا عزلة الرياض التي باتت ولأول مرة منذ فترة طويلة في موقف دفاعي. فالهجوم السياسي الذي يقوده الملك عبد الله يأتي في سياق تبدلت فيه الانطباعات الشعبية في العالم العربي والإسلامي، ويأتي في خضم تبلور رأي عام عربي يرفض فكرة التحالف السعودي الإسرائيلي.
والواقع يشير إلى أن السعودية تعيش في خضم تبلور مشاعر وطنية سعودية محيرة لكثير من المراقبين، وأي متابعة لوسائل التواصل الاجتماعي تكشف عن تبلور هذه المشاعر الوطنية التي تتمحور حول فكرة المعادة لإيران وليس لإسرائيل. أحسب أن قرار ترامب فضح الطابق وسيفضي إلى تأخير في التقارب السعودي الإسرائيلي، لكن في حال تبلور هذا التحالف فإن أمام الأردن ثلاثة خيارات هي: أولا، الانضمام لهذا التحالف وما سيترتب عليه من تنازلات للجانب الإسرائيلي. فقد يفكر البعض بأن الانضمام لهذا التحالف سيسمح للأردن بالتأثير، غير أن هذا الكلام قاصر عن فهم كيف تفكر إسرائيل المنتشية بقرار أمريكي غير مسبوق. ثانيا، أن يأخذ الأردن موقف الحياد وبالتالي سيخسر لأنه لن يؤثر في أجندات هذا التحالف، ناهيك عن أن الدولتين لن تأخذا مصالح الأردن بعين الاعتبار. وثالثا، يمكن للأردن البحث عن بديل وهنا ربما تبرز تركيا وقطر، وهي دول صديقة للولايات المتحدة إذ لا يمكن لأحد اتهام الأردن في هذه الحالة بأنه ينضم إلى محور متشدد.
يقف الأردن اليوم على مفترق طرق، فهو من ناحية لا يريد أن يخرج من محور دول الاعتدال، لكن لا يقبل بموقف الجانبين المصري والسعودي المتساهل مع ترامب ونتنياهو. لكن من ناحية أخرى، لا يمتلك الأردن الكثير من الخيارات إذ إن المحور الآخر الذي تتزعمه إيران يستهدف الأردن أيضا، وعليه فإن إعادة رسم التحالف سيتم فقط في إطار محور الاعتدال نفسه، فالأردن بهذا المعنى يمكن له استثمار التأييد الشعبي والأوروبي والتركي لرفع الكلفة على تيار الحزم المتحالف مع السيسي ومحمد بن زايد، وطبعا جارد كوشنر.
الشرق القطرية