هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
القضية الأكثر إثارة خلال الساعات الماضية هي خبر قيام شركة مصرية باستيراد الغاز من "إسرائيل" في صفقة ضخمة قدرت بحوالي خمسة عشر مليار دولار، وزاد الأمر إثارة الاحتفالات الكبيرة التي نشرها الإعلام الإسرائيلي، ورئيس الوزراء شخصيا، بنيامين نتانياهو، الذي اعتبرها نصرا كبيرا له، وقال إنها ستساهم في دعم مجالات الصحة والتعليم ورفاهية المجتمع الإسرائيلي، وهو ما أوجع الناس هنا؛ لأن هذه المجالات هي تحديدا أهم ما يعاني من فقدها المصريون، وقد قوبل الخبر الصاعق بصمت كامل من قبل المسؤولين في مصر، قبل أن تبدأ بعض الكلمات تتسلل على خجل عبر الإعلام الرسمي أو الموالي لتوضح أمورا لم تقنع أحدا حتى الآن.
في تلك
الواقعة، كما في غيرها، يتضخم الحدث بسبب تردد المسئولين في الدولة عن الظهور
والحديث للرأي العام وإطلاعه على الحقيقة، على الأقل من وجهة نظرهم، وعندما يغيب
رأي الدولة وصوتها تتسع دائرة الشكوك والإشاعات والافتراضات، وهذا ما حدث، وهو ما
كنا نحذر منه دائما، غياب الشفافية والمعلومات الكاملة في وقتها وعلى وجه السرعة
يصنع الفراغ الذي تعاني منه الحكومة نفسها بعد ذلك.
التساؤل
الأساس كان عن سبب استيراد هذه الكميات الضخمة من الغاز "الإسرائيلي"
الذي يتردد أنها سطت فيه على حقوق لبنان والفلسطينيين في غاز البحر المتوسط، في
الوقت الذي افتتح فيه رئيس الجمهورية قبل أسابيع قليلة حقل غاز ضخم في المتوسط
"حقل ضهر" وقال أنه سيحدث نقلة كبيرة، وطرحت الأرقام المذهلة لإنتاجه،
فلماذا نوقع عقودا لمدة عشر سنوات تقريبا لاستيراد الغاز من "إسرائيل"
أو غير "إسرائيل"، وإن كان استيراده من "الكيان" تحديدا أشد
إيلاما لعبء التاريخ والدم، كما أن مصر كانت حتى سنوات قليلة مضت تصدر هي الغاز
إلى "إسرائيل" وتلك قضية حسين سالم الأساسية، فما الذي حدث خلال ست
سنوات لكي تنقلب الآية.
الرواية
الرسمية خرجت -بعد زمن- لكي تقول إن المستورد ليس الحكومة، والحكومة ليس لها
صلة بالاتفاق، وإنما المستورد شركة خاصة، كما أن الغاز ليس مستوردا لمصر، وإنما
لإجراء عملية تسييل له، حيث تملك مصر بنية أساسية كبيرة في هذا المجال، ثم يعاد
تصديره إلى أوربا، وهذا الكلام يبدو أنه لم يقنع الناس كثيرا، لأنه لا تجرؤ شركة
مصرية خاصة مهما عظم شأنها على إبرام مثل هذه الاتفاقية الضخمة، وفي مجال الغاز
تحديدا، ومع إسرائيل بشكل خاص، دون ترتيبات "حكومية" صارمة وتصريحات
معقدة، كما أن الشركة الخاصة لا تملك مصانع تسييل الغاز، وإنما تملكها
الحكومة، فعلى أي أساس قامت الشركة بإبرام العقد إلا إذا كانت هناك ترتيبات
مسبقة مع الحكومة، ثم إذا كانت الصفقة ضخمة بهذا الحجم وغير مألوفة في الاقتصاد
المصري على الإطلاق للقطاع الخاص، فلماذا لم تدخلها الحكومة نفسها طالما أنها
مربحة وأنها هي التي تملك قدرات التسييل وإمكانياته.
المعلومات
الفنية متناقضة جدا، بين بيانات مصادر مسئولة تنشر في الإعلام الرسمي، وبين
توضيحات شخصيات علمية أو تقنية تنشر في الإعلام الدولي أو المستقل، والحقيقة
ضائعة، وتردد المسئول يزيد الهوة ويزيد الجدل، والناس تسأل -بحق- إذا كان رئيس
وزراء "إسرائيل" يخرج بنفسه ويتحدث عن الصفقة ويزف خبرها لشعبه، فلماذا
لا يخرج رئيس الوزراء المصري ليحدث الناس عنها، أو على الأقل وزير البترول؟ ولماذا
لا يعقد مؤتمرا صحفيا؟ هل الأمر لا يستحق إلى هذه الدرجة، أو أن الرأي العام ليس
مهما إلى هذا الحد؟!
المصريون المصرية