هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
جلس الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى جانب الأمير محمد بن سلمان، ممسكا بلوحة لعرض الأسلحة المتطورة التي ستشتريها السعودية بمبالغ باهظة، ليصل حجم مشتريات السعودية من الأسلحة إلى 54 مليار دولار في أقل من عام. وتجاوز الرئيس ترامب حدود المنطق والعقل عندما أشار إلى أن السعودية دولة ثرية ستدفع لأمريكا جزءا من ثروتها! لم أسمع بحياتي مثل هذا المنطق، الذي يقوله أقوى رجل بالعالم علانية دون لتٍّ وعجن.
هل تبتز الولايات المتحدة السعودية وتلعب على مخاوفها من أجل الحصول
على أكبر قدر ممكن من فائض أموالها؟ وهل يعقل ألا يتفهم صنّاع القرار في
السعودية أن هناك جهدا أمريكيا ممنهجا لاستنزاف الموارد السعودية، فالأسلحة
الجديدة على أهميتها لا تزيد من قوة الجيش السعودي الذي يمتلك ترسانة أسلحة جبارة،
وهي في نهاية الأمر لن تكسر التوازنات القائمة في المنطقة.
لكن هناك من يقول بأن الرياض تفهم ذلك جيدا، غير أنها بتقديم
أموالها بسخاء غير معهود، إنما تسعى لخلق اعتمادية للبيت الأبيض على الأموال
السعودية، وحينها يمكن للسعودية ممارسة الضغط اللازم لتجيير سياسة أمريكا الخارجية
لصالح الرؤية السعودية. لكن هذه المقولة لا تصمد أمام الواقع المتبلور في المنطقة
برمتها، وعلى سبيل المثال لم تفلح قمة الرياض، التي احتفت فيها السعودية بالرئيس
ترامب وفريقه، في ثني إدارة الرئيس عن اتخاذ قراره بالاعتراف بالقدس عاصمة
لإسرائيل، بل تنوي الولايات المتحدة إعلان نقل السفارة في ذكرى إقامة دولة إسرائيل
في منتصف أيار/مايو القادم.
لا ينكر أحد دور الولايات المتحدة في حماية أمن الخليج بشكل عام، لكن في الوقت نفسه يعرف القاصي والداني أن الأصل أن يكون هناك اعتمادية أمريكية على قطاع
الطاقة الخليجي، وعليه يمكن لمنطقة الخليج بشكل عام – لو كان لدى دولها مقاربة
واحدة متفق عليها – أن تمارس الضغط المطلوب على الإدارات الأمريكية المتعاقبة، غير
أن شيئا من هذا النوع لا يحدث.
وحتى نكون مباشرين، أقول إن الأصل أن إيران تشكل تهديدا على مصالح أمريكا وإسرائيل، وليس فقط على مصالح السعودية، وبناء على ذلك ما كان ينبغي أن
تندلق الرياض في محاولة بائسة لتقديم الغالي والنفيس لقاء ترسيخ تحالف مع واشنطن
وحتى إسرائيل. فالجانب الآخر، أي أمريكا وإسرائيل لا يخطب ود العرب في محاولة
لتأسيس محور أو تحالف ضد إيران! بمعنى أنه لا يدفع لقاء إقناع الجانب العربي
بضرورة التصدي لإيران. فإذا كان العرب من يملكون الثروة والعمق الاستراتيجي
والموقع الجيوسياسي، لماذا لا يستغلون مركزيتهم في أي جهد دولي لتحقيق الاستقرار في
المنطقة؟! فالجانب الآخر لا يملك الكثير، فلا أرض لأمريكا هنا ولا جوار، وكذلك
إسرائيل بعيدة عن منطقة الحدث الرئيسية في اليمن وفي العراق، وحتى سوريا لا تؤدي فيها إسرائيل الدور الذي يتناسب مع إحساسها بالتهديد. وعليه، يعجب المرء لماذا يحج
بعض القادة العرب إلى واشنطن ويفتحون خزائنهم في وقت لا يملكون قوة التأثير على
قرار السياسية الخارجية الأمريكية، فإسرائيل لا تقدم لأمريكا الكثير، لكنها في
الوقت ذاته تحصد من أمريكا على ما تريد.
بكلمة، لا أعرف إن كانت ابتسامة محمد بن سلمان والرئيس ترامب يستعرض
مهاراته في ابتزاز السعودية هي ابتسامة فرح أم حزن، كالابتسامة التي على
شفتي الموناليزا التي اشتراها الأمير بمبلغ 450 مليون يورو، التي حيّر فيها
الرسام ليوناردو دافنيشي العالم حتى هذا اللحظة. ومع ذلك لا يمكن تبرير إنفاق هذه المبالغ الطائلة.
الشرق القطرية