مقالات مختارة

الأمير محمد بن سلمان في واشنطن.. الأرباح والخسائر

محمد صالح المسفر
1300x600
1300x600

لا جدال بأن الإعلام في المملكة العربية السعودية وكذلك الخارجية السعودية يؤكدان نجاح زيارة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى أمريكا، وأن تلك الزيارة حققت أهدافها المرجوة من وجهة النظر السعودية ورسخت الصداقة بين الأولى وأمريكا التي تمتد جذورها لأكثر من ثمانين عاما كما قال بذلك الأمير محمد في مقابلاته مع الرسميين والإعلام الأمريكي. إن الإشادة بالزيارة وما حققته من إنجازات لصالح الدولة من المنظور السعودي حق لا ينكره إلا جاحد.

(2)

تعالوا نناقش الأرباح والخسائر في زيارة الأمير محمد بن سلمان لأمريكا والعائد على السعودية من منظور مراقب:

في مجال الأرباح، من أهداف الزيارة غير المعلنة: تسويق ولي العهد محمد بن سلمان في السوق الأمريكي بكل مجالاته وخاصة سوق المال والسلاح بصفته الرجل الأقوى اليوم وغدا في الدولة السعودية. يقول الأمير " سأحكم لخمسين سنة قادمة ولن يمنعني من ذلك إلا الموت " وفي هذا المجال حقق نجاحا في مجال التسويق لنفسه. النجاح الثاني صفقات التسلح واقترابه من" لوبي " صناعته"، واقترابه وجها لوجه مع قادة "الأخوات السبع لشركات النفط الأمريكية " الهدف المعلن هو جلب رؤوس أموال استثمارية إلى السعودية، والسؤال إلى أي مدى تحقق هذا الهدف ؟ الأمير لم يستطع جذب استثمارات أمريكية إلى السعودية، بل على النقيض من ذلك.

في مجال الخسائر: لا شك بأن هناك خسائر على كل الصعد أولها: قوله "بأنه لن يحول بينه وبين حكم المملكة السعودية للخمسين سنة القادمة إلا الموت " قد يكون الأمير يريد إرسال رسالة إلى معارضيه من العائلة المالكة وغيرهم في الداخل، لكن عاد ذلك النبأ بالسالب  على الأمير في بيئة ديمقراطية تؤمن بتداول السلطة.

إن ردة الفعل في كثير من وسال الإعلام في الدول الغربية والديمقراطية على ذلك التصريح " غير الموفق " كانت قوية إذ إنهم شبهوا الأمير " بدكتاتور صاعد شرس ". قد يزين بعض المقربين من سمو الأمير محمد بن سلمان ذلك القول، ويشيدون به، ويحجبون عنه ردود الفعل السلبية في العالم الديمقراطي لأقواله، وهذا يسجل في بند الخسائر.

لقد ظهر الأمير في كل تنقلاته في أمريكا بموكب ضخم مكلف ماليا، وحفلات تميزت بالكرم الزائد عن الحدود، لكن الرأي العام وقادته والقيادات السياسية الذين حضروا تلك الحفلات يقولون فيما بينهم، ما هذا البذخ؟ من قبل رجل يحارب الفساد والمفسدين، واعتقل الكثير من أفراد الأسرة الحاكمة وكذلك رجال الأعمال في بلاده بتهمة الفساد، أليس ما يفعل في زيارته هذه وغيرها من نفقات تستقطع من المال العام وميزانية مفتوحة تعتبر نوعا من أنواع الفساد؟! وهذا يسجل في بند الخسائر.

الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وعلى شاشات التلفزة الأمريكية والعربية أجلس الأمير محمد آل سعود إلى جانبه وهو يعرض المشتريات السعودية على لوحة وتكاليفها البالغة 3.051 بليون دولار وقال الرئيس الأمريكي انه عندما زار الرياض وقع عقودا بـ 400 مليار دولار، وأن تلك الصفقات فتحت فرص عمل لأكثر من 40 ألف وظيفة للأمريكيين، وانه ينتظر المزيد من المال السعودي كما قال " هذه المليارات بالنسبة لكم لا تساوي شيئا فلوسكم كثيرة ونحن نحتاج إلى المزيد من أموالكم".

هذا القول يذكرني بقول المصريين مخاطبين السعودية والإمارات " عندهم فلوس زي الرز " وتناول الرئيس ترامب لوحة ثانية لعرض سلع عسكرية أخرى بلغت تكاليفها كما قال بذلك ترامب 19.4 مليار دولار. إذا يكون مجموع ما أنفق في هذه الزيارة الأميرية 25.451 بليون دولار، وإذا أضفنا تكلفة شراء 6600 صاروخ مضاد للدبابات طراز ( تاو) بمبلغ 670 مليون دولار كما قالت بذلك وزارة الخارجية الأمريكية 20 / 3 ( 2018 يكون المجموع الكلي 695.451 مليار دولار.

أعتقد أن الطريقة التي عرض بها الرئيس الأمريكي ترامب لهذه المشتريات مهينة جدا وتشكل خسارة كبيرة للأمير وتحط من مكانته الاجتماعية والسياسية في المجتمع السعودي والعربي على وجه العموم.

سمو الأمير محمد بن سلمان أعلن من أمريكا بأنه سيجتث الإخوان المسلمين من جميع المدارس والجامعات السعودية، وسيحدث ثورة عصرية في مناهج التعليم، قد يرضى الأمريكان بذلك القول، لكنه يسجل في جانب الخسائر على المستوى الداخلي، ولا شك بأن قوله "لن ينتزع الملك منه إلا الموت"، يشكل خسارة فادحة للأمير لأنه ألغى هيئة البيعة المكونة من 34 أميرا من أبناء الملك المؤسس وأحفاده.

 المتابع لوسائل الإعلام الأجنبية وما تقوله تلك الوسائل عن ما ينفقه السعوديون والإماراتيون من أموال يقابله رضا في تلك الساحات مقرونا بالاستهزاء والتندر بقدرة هؤلاء الحكام على هدر المال العام، كما ظهر من الرئيس ترامب للأمير بن سلمان في المقابل على الساحة الداخلية والعربية هناك سخط عارم على ذلك الإنفاق غير المبرر.

(3) 

لا شك بأن الأموال الخليجية التي تنفق في أمريكا من اجل استمالة القوى الفاعلة على الساحة الأمريكية وخاصة في ظل إدارة الرئيس ترامب تشكل خسائر فادحة لدول الخليج العربي، ولن تصل مشتريات السلاح إلينا بمواصفاتها الحقيقية بل ستكون أدنى من ذلك، وسوف يُحرّم استخدامها في مناطق متعددة خارج الحدود دفاعا عن الأوطان.

كنت أتمنى لو أن الأمير ابن سلمان اعتمد على تأييد شعبه له وأسرته بإطلاق سراح سجناء الرأي، والعلماء والمفكرين، وإطلاق حرية التعبير في البلاد، والإنفاق في الداخل لفتح مشاريع والقضاء على البطالة في البلاد.

كنت أتمنى ذهاب الأمير إلى عدن وإعلان إنهاء الحرب في اليمن وتكفل بإعادة بناء ما دمرته الحروب وشكل حكومة انتقالية من كل الأطراف بقيادة الحكومة الشرعية التي حارب لنصرتها، وذهب إلى الأردن بمشروع محمد بن سلمان يشبه مشروع مارشال في أوربا بعد الحرب العالمية الثانية للنهوض بالأردن وجعله رصيدا وطنيا للسعودية والخليج عامة، ومن الأردن إلى الدوحة يعلن إنهاء الحصار عليها وإعادة العلاقة إلى ما كانت عليه قبل الخامس من يونيو / حزيران 2017،حقا سيكون الأمير محمد بطلا عربيا ولن يكون في حاجة إلى تلقي الدعم والتأييد من أي قوة أخرى على الأرض، وفي هذه الحالة سينشد العالم وده، ولن يكون في حاجة إلى تجنيد مرتزقة أو الانصياع لضغوط ابتزاز مالي كما فعل به الرئيس الأمريكي ترامب والإنجليز.

آخر القول: ما زال لدى الأمير قليل من الوقت، لإنهاء الحرب في اليمن لصالح الشرعية، وانتشال الأردن من أزماته الاقتصادية، وإبقاء القدس مسؤولية هاشمية، ورفع الحصار عن قطر، وبذلك يدخل الأمير محمد بن سلمان التاريخ العربي الناصع من أوسع أبوابه، والله الموفق.

الشرق القطرية

0
التعليقات (0)

خبر عاجل