هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
كانت الدهشة تسحقني تماما وأنا أقرأ البيان الذي أصدرته وزارة الخارجية المصرية صباح الأمس الأحد على لسان المتحدث باسمها السفير أحمد أبو زيد، والخاص بما أعلن عن ترشيح اليونسكو للمصور الصحفي المصري محمود أبو زيد، الشهير بشوكان، والمحبوس احتياطيا لمدة تجاوزت أربع سنوات الآن، لجائزة حرية الصحافة، ولم تكن الدهشة من لغة البيان المتوترة والغاضبة التي لا تنم عن صدورها عن جهة تنتمي إلى السلك "الديبلوماسي" بأي وجه، وإنما أيضا لكم المغالطات التي حواها البيان.
الخارجية
اعتبرت أن "شوكان" مجرم إرهابي ضالع في الإرهاب وجزء من مؤامرة الإخوان المسلمين، ومتورط في أعمال قتل وشروع في قتل لضباط وجنود، وهي كمية من الاتهامات تكفي لكي تتصور
أن "شوكان" هو النائب الثاني لخليفة داعش أبو بكر البغدادي، أو أنه أحد قيادات
ولاية سيناء مثلا، وليس مجرد مصور صحفي مشهور ومعروف في مختلف الأوساط الصحفية، والكل
ـ في مجال مهنته ـ مجمع على أنه مصور محترف لا صلة له بأي جماعات ولا تنظيمات ولا صلة
له بأي عنف، مجرد صحفي يؤدي رسالته الصحفية كما قالت نقابة الصحفيين نفسها في أحد بياناتها
عنه، فمن أين أتت الخارجية بكل هذه اللائحة المروعة من الجرائم لكي تنسبها له، فضلا
عن أن تدينه بها، حتى لو كانت وردت في تحقيقات أولية، إلا أن القضاء ما زال ينظر في
هذه الاتهامات حتى الآن، وصحتها من عدمها، ولم يصدر ضده أي حكم قضائي يدينه باي جريمة،
أي إنه حتى هذه الساعة "بريء" وفق أي منطق للعدالة، وحتى لو صدر ضده حكم
في محاكمته الحالية، فمن حقه اللجوء لمحكمة النقض ـ الأعلى ـ لإلغاء هذا الحكم، وسبق
لمحكمة النقض أن ألغت مئات الأحكام في ملفات مشابهة لما يحاكم به محمود شوكان.
الخارجية
المصرية في بيانها الذي صدر صباح الأمس الأحد، أعربت عن (أسفها الشديد لتورط منظمة في
مكانة ووضعية اليونسكو، في تكريم شخص متهم بارتكاب أعمال إرهابية وجرائم جنائية، منها
جرائم القتل العمد والشروع في القتل والتعدي على رجال الشرطة والمواطنين وإحراق وإتلاف
الممتلكات العامة والخاصة)، وأضاف البيان : (أن وزارة الخارجية كلفت مندوب مصر الدائم
لدى اليونسكو في باريس بتسليم سكرتارية المنظمة ملفا كاملا حول مجمل الاتهامات المنسوبة
إلى المذكور، وهي تهم ذات طابع جنائي بحت، ليست لها أي دافع سياسي بعكس ما يدعي البعض،
ولا تمت بصلة بممارسته لمهنة الصحافة أو حرية التعبير، بل هي أبعد ما تكون عما يجب
أن يتحلى به أي صحفي حر وشريف يحترم مهنته).
والحقيقة
أنه حتى لو كان كل هذا الكلام الذي تقوله الخارجية وتنسبه إلى "شوكان" صحيحا،
فإنه لا يجيز لها التشهير به، لأن منطق العدالة في صميمه، أنه بريء حتى الآن، وكل ما
نسب إليه مجرد شبهات يحقق فيها القضاء حاليا ليقول كلمته، وطالما أنه بريء فلا وجه
لاعتراض الخارجية على ترشيحه لجائزة اليونسكو.
بل إن
المغالطة تتبدى في سفورها الكامل عندما تقول الخارجية في بيانها إن منح اليونسكو جائزة
حرية الصحافة لشوكان: (يمثل استخفافا بدولة القانون وما يتم اتخاذه من إجراءات
قضائية ضد متهم بجرائم جنائية محضة)، والحقيقة أن الاستخفاف بدولة القانون هو أن تدين
صحفيا قبل أن يدينه القضاء، وأنا لا أتصور موقف الخارجية المصرية أخلاقيا وديبلوماسيا
إذا أصدر القضاء بعد ذلك حكما بتبرئة "شوكان" مما نسب إليه، كيف سيكون وضعكم
وصورتكم وسمعتكم، كما أن البديهي أن المؤسسات الثقافية والإنسانية الدولية مثل اليونسكو
تتعاطف مع الصحفيين والفنانين والمثقفين تلقائيا في أي مكان، سواء مصر أو غيرها، وتتضامن
معهم، كما يتضامن معهم زملاؤهم في مصر وغيرها، فلا الأمر مؤامرة، ولا المسألة تستحق
كل هذا العنف والصخب والبيانات المهينة.
ودون
شك، فإن بيان الخارجية العنيف والعصبي يحرج القضاء المصري نفسه، لأنه يظهر مسألة
"شوكان" باعتبارها موقفا سياسيا عنيفا من "الدولة" ضد مصور صحفي،
وليست مسألة شبهات منظورة أمام العدالة، ومتروكة لضمير القاضي وما يتبين له من أدلة
وقرائن وشهادات، فما قامت به الخارجية يمثل افتئاتا على القضاء وتدخلا غير لائق في
قضية منظورة أمامه، وسيكون هذا البيان إحراجا كبيرا للعدالة في مصر بكل تأكيد، أيا
ما كان الحكم النهائي الذي سيصدر على شوكان.
المصريون المصرية