هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
انفجرت مواقع التواصل الاجتماعي أمس بعد أن نشر اللاعب الدولي المصري
محمد صلاح تغريدة قصيرة عبر فيها عن حزنه الشديد من المعاملة غير اللائقة التي
تلقاها من جهات رسمية مصرية لم يسمها، وصفها بالإهانة الشديدة، وأنه كان يتمنى أن
يكون التعامل أرقى من ذلك، لم يوضح صلاح اسم الجهة التي يقصدها، كما لم يشرح ما هي
الإهانة التي تلقاها، والخلاف الأساس كان بينه -أو بين وكيله- وبين اتحاد الكرة،
فهل كان يقصد الاتحاد أم جهة أعلى منه، كما أن استهتار اتحاد الكرة في رده على
خطاب وكيل صلاح مؤسف بالفعل لكنه لا يرقى ليكون إهانة شديدة موجهة لصلاح، فهل هناك
أمر آخر لم نطلع عليه ولم يحب صلاح أن يكشفه، هل هناك من اتصل به وأسمعه كلاما غير
لائق مثلا، هل هناك من لوح له بتهديد أو بشيء مهين؟
المشكلة
في أساسها خطأ استهبالي من اتحاد الكرة المصري، عندما وضع صورة محمد صلاح منفصلة
وبحجم كبير على الطائرة المخصصة لنقل الفريق المصري لكأس العالم، ووضع بجوارها
الشعار الخاص "اللوجو" بشركة اتصالات حديثة يتردد أنها مملوكة لجهة
رفيعة في الدولة، كما أن شركة الإعلانات التي تولت نشر هذا الإعلان هي الأخرى
مملوكة لجهات رفيعة في الدولة، ووجه الأزمة أن محمد صلاح متعاقد مع شركة منافسة
للشركة التي وضعوا شعارها "اللوجو" بجوار صورة محمد صلاح على الطائرة
وفي الشوارع، والعقد بموجبه ترعى تلك الشركة محمد صلاح وتمتلك وحدها تسويق صوره
واسمه بمقابل مالي كبير، وهناك في العقد بينهما شرط جزائي أنه لو منح شيء من تلك
الحقوق لأي شركة منافسة أن يدفع محمد صلاح غرامة مقداها مائة مليون جنيه مصري.
محمد
صلاح طلب -بالذوق والهدوء- من اتحاد الكرة أن يرفع صورته من الطائرة أو يرفع
شعار الشركة المنافسة للشركة المتعاقد معها لأن ذلك يسبب له ضررا فادحا، اتحاد
الكرة كأنه لم يسمع شيئا، أذن من طين والأخرى من عجين، كما يقول العامة، وظل الأمر
يراوح قرابة شهرين، حتى أرسل وكيل أعمال محمد صلاح رسالة إلى اتحاد الكرة يطالبه
بحماية حقوق وكيله وإلغاء الخطأ الذي حدث، اتحاد الكرة رد على الوكيل ردا صاخبا،
بأنه يعرف القانون جيدا، وأن اللوائح تسمح له بما فعل، وأن محمد صلاح ابن مصر
وتحيا مصر، وهلم جرا، فكان أن نشر محمد صلاح تغريدته التي طارت في الدنيا كلها،
وشغلت الإعلام التليفزيوني والمسموع والمقروء وهيجت الدنيا على عبثية الأوضاع في
مصر.
قطاع
من الإعلاميين الرياضيين انضم للدفاع عن اتحاد الكرة ويهاجم محمد صلاح أو وكيله،
فاكتشفنا أن هؤلاء الإعلاميين يعملون في شركة الإعلانات التي سرقت حقوق محمد صلاح،
ثم تبين أن بعض أعضاء اتحاد الكرة أنفسهم يعملون موظفين غير متفرغين في شركة
الإعلانات ذاتها، وهو ما كشف أن هذا الموقف لم يكن لوجه الله والوطن، وأن تحيا مصر
وابن مصر، كان مجرد متاجرة رخيصة بالشعارات الوطنية للتغطية على اغتصاب حقوق
الآخرين، وكله في حب مصر !!.
بعض
الجهات حركت لجانها الإلكترونية على مواقع التواصل الاجتماعي، فبدأ يظهر هجوم على
محمد صلاح، وأنه يقبض بالجنيه الإسترليني ويبخل على مؤسسات بلده ببضعة جنيهات، رغم
أن صلاح ينفق بالفعل عشرات الملايين من الجنيهات على مؤسسات خيرية وفقراء داخل
مصر، ثم تطورت الحملة إلى استحضار فيديو قديم قال فيه مروجوه أنه يثبت أن محمد
صلاح إخواني، أي أنه يمكن بسهولة تصنيفه إرهابيا مثل محمد أبو تريكة، وبدأت كرة
الثلج تكبر، وانتشر الغضب بين ملايين المصريين، وانتقل إلى ملايين العرب الذين
عبروا عن استغرابهم مما يجري مع جوهرة مثل محمد صلاح في بلده، بعض الأشقاء العرب
سخر من الموقف كله وقال : اتركوا لنا محمد صلاح نعطيه الجنسية ونعطيكم المبالغ
المطلوبة، ووضح أن المعركة التي اختلقها اتحاد الكرة وصلت إلى نقاط حساسة بالنسبة
للنظام كله، ومثلت أخطر فضيحة للدولة وأنها بصدد التصاعد بعد انتقالها إلى الإعلام
الخارجي الذي سيتحدث -بطبيعة الحال- بصراحة ووضوح عن أطراف المشكلة بأسماء
الأشخاص وأسماء الأجهزة أيضا، وليس بالإشارة كما نفعل نحن هنا، حتى ظهر وزير الرياضة
في وقت متأخر من الليل على تويتر بتغريدة قال فيها أنه ستتم الاستجابة لكل طلبات
محمد صلاح، وكان واضحا من لغته وحسمه أن القرار وصله عاجلا من أعلى سلطة في البلد.
ما
حدث مع محمد صلاح شيء لا يصدقه عقل، وهو يكشف أن كثيرا من أعمال الدولة الآن تدار
بأسلوب "الفهلوة" وليس بالقانون أو الحقوق، وأن هناك من يستخدم اسم مصر
والوطن والوطنية وتحيا مصر كستار للصوصية واغتصاب حقوق الخلق بالباطل، وإذا كان
هذا الهوان والاستباحة كلها تحدث مع رمز عالمي بحجم محمد صلاح، أيقونة مصر والعرب
في العالم الآن، فلك أن تتصور ماذا يفعل هؤلاء مع مواطن عادي يبحث عن حقوقه، كما
كشفت الواقعة أن اتهام أحد المغضوب عليهم بالإرهاب في مصر أصبح أسهل من شرب
الينسون، مهما كان الاتهام استعباطيا، ويحييني ويحييك ربك بعد عمر طويل حتى تثبت
أن الاتهام غير صحيح.
المصريون المصرية