في الثامن من أيار/ مايو، وقبل الموعد المحدد لإعلان الولايات المتحدة الأمريكية موقفها من
الاتفاق النووي الغربي مع
إيران، وفي مشهد أضفت عليه الصحافة والإعلام الغربيان هالة من الإثارة على طريقة الأفلام السينمائية، شارك في تصاعد وتيرة الإثارة فيه تصريحات المسؤولين الغربيين بشكل أرادوا فيه تصوير المشهد على أنه أمر غير مفاجئ، ليزيد المشهد تشويقا، خرج الرئيس الأمريكي بما هو متوقع، وأعلن انسحاب بلاده من الاتفاق النووي الإيراني.
وفي أول رد فعل للسعودية، الذي جاء بعد ساعات من الإعلان الأمريكي، كان طبيعيا ترحيبها بالقرار الأمريكي. فقد أعلنت المملكة العربية
السعودية رسميا، من خلال وزير خارجيتها عادل الجبير، أنها ترحب بهذا الإعلان، ووصفته بأنه حيوي في ضوء العيوب المتأصلة في الاتفاق، وفي ضوء استغلال إيران له لتطوير برنامج الصواريخ الباليستية ودعم المنظمات الإرهابية في الشرق الأوسط. كما أعرب الإعلان السعودي عن أمله في أن يتخذ المجتمع الدولي موقفا حازما مماثلا إزاء إيران.
فلقد كان موقف المملكة العربية السعودية من أول يوم صارما تجاه هذا الاتفاق. ولقد حاولت مع حلفائها الغربيين ثنيهم عن المضي قدما في توقيع هذا الاتفاق، لكن النظرة الغربية، وعلى رأسها الإدارة الأمريكية وقتها، كانت ترى أنه من الممكن أن تعاد صياغة العلاقة مع إيران وإدخالها في حظيرة المجتمع الدولي، لكن إيران المارقة استفادت كثيرا من هذا الاتفاق، وفي المقابل عانت المملكة العربية السعودية بشكل كبير من تبعات هذا الاتفاق، رغم سعيها للحد من انتشار أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط الذي تعد إيران أحد مسبباته. وسمح الاتفاق لإيران بالاستفادة اقتصاديا بعد رفع العقوبات، بحسب الاتفاق، بمواصلة نشاطها لزعزعة استقرار المنطقة، لا سيما من خلال تطوير الصواريخ الباليستية ودعم المنظمات الإرهابية في المنطقة، بما في ذلك حزب الله في لبنان، ومليشيات الحوثي في اليمن التي تستخدم القدرات التي توفرها إيران لإلحاق الأذى بالمملكة وتهديد الممرات البحرية الدولية. وعلى هذه الخلفية دعت السعودية المجتمع الدولي لاتخاذ موقف حازم تجاه إيران.
إلا أنه فيما يبدو، لا يرى النظام
المصري نفسه ضمن المجتمع الدولي الذي تحدثت عنه المملكة، وغير معني بخطاب الحليف الاستراتيجي والداعم الأول له سياسيا وماليا، فرد فعل النظام المصري جاء باهتا رماديا لا يرقى لمستوى المساعدات التي يتلقاها من الحليف السعودي. فبيان وزارة الخارجية في النظام المصري دعا إلى مشاركة العرب في أي حوار مستقبلي بشأن القضايا الإقليمية، خاصة ما يتعلق بإمكانية تعديل الصفقة النووية مع إيران، وكأن النظام يبحث لنفسه عن دور في مشكلات المنطقة تستفيد منه بحسب الموقف، بعيدا عن خيارات الأمن القومي العربي أو التحالفات الاستراتيجية مع الدول الشقيقة، التي لم تتوان يوما عن دعمه منذ اليوم الأول لاغتصابه السلطة.
موقف النظام المصري جاء متماهيا مع السياسة التي ينتهجها مع حلفائه الخليجيين، وفي القلب منهم السعودية. فبرغم الدعم اللامتناهي الذي تقدمه السعودية للنظام من خلال دفع السياحة للسفر إلى مصر لدعم الاقتصاد، الذي وصل حتى 2017 نسبة 9 في المئة من إجمالي السياح الواصلين، ليحتل مواطنوها المركز الثاني في ترتيب الجنسيات الزائرة لمصر، وهو المركز الذي تشغله للمرة الأولى بسبب انحسار السياحة الأوروبية، فإن الدعم المباشر وصل إلى 6.6 مليار دولار، ثم مساعدات غير مباشرة على شكل ودائع بلغت 6.8 مليار دولار، بخلاف القروض، ولا يزال الدعم مستمرا والصفقات مستمرة؛ التي جاءت على شكل بيع أراض مصرية وقبض الثمن، أو وعود في مشروع نيوم الكبير الذي تعتزم السعودية تدشينه.
ومع ذلك، فمواقف النظام المصري كانت، وعلى طول الخط، خاذلة للمملكة، فلم يستجب النظام المصري لمطالب المملكة في دعمها عسكريا بإرسال جنود لليمن، رغم أن الصفقة كانت مغرية إلا أنها لم تحلُ للنظام وأراد المزيد، ولا يزال يفاصل لجني أرباح أكثر. وحتى الدور الذي كلفت به بحرية النظام المصري (في حراسة البحر الأحمر ومنع تهريب الأسلحة للحوثيين)؛ لم تؤده بشكل مرض، وتسربت أسلحة متطورة للحوثي عانت منها المدن السعودية، والآن، واستمرارا لنهج النظام المصري في خذلان حلفائه، لم يخرج موقف النظام متوافقا ومساندا للموقف السعودي باتجاه عدو واضح يتخذ خطوات متصاعدة للإضرار بالمملكة وشعبها.
وفي ظل الحديث عن فكرة نشأة تحالف بين مصر وإيران وروسيا وسوريا مع ما يستدعيه التاريخ من علاقات طيبة بين إيران وروسيا من جهة ومصر وروسيا من جهة أخرى، حيث سعى عمالقة الشرق الأوسط إلى التقرب من موسكو لخلق توازن في ظل توتر العلاقات مع الكيان الصهيوني والغرب، وهو ما إن حدث (التقارب بين النظام المصري وإيران)، فإن ذلك يمكن أن ينتج سيناريوهات تعطي حياة جديدة للمواجهة الجيوسياسية بين الرياض وطهران، وهو ما يسعى إليه النظام المصري للاستفادة من القرار الأمريكي، من أجل الاستمرار بابتزاز المملكة وجني مزيد من الأرباح، في ظل سياسة ترى في العلاقات الاستراتيجية وضمانات الأمن القومي صفقة يجب الربح منها، وهو ما سيؤثر بشكل كبير على علاقة مصر المستقبلية بأشقائها وشركاء الأمن القومي، ويصب بالنتيجة في مصلحة أعداء الأمة الفعليين.