هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
في اجتماعه الثامن والثلاثين بالكويت العام الفارط، بذل أمير دولة الكويت جهوداً كبيرة كي تنعقد القمة الخليجية الـ 38 من أجل تثبيت مسيرة مجلس التعاون الخليجي، بعد الشكوك الكثيرة التي أحاطت بالقمة بسبب الأزمة التي افتعلتها ثلاث دول أعضاء بمعية نظام الانقلاب الحاكم في مصر لمحاصرة قطر منتصف 2017، وخلقت أزمة تتعقد يوماً بعد آخر.
ورغم جهود أمير الكويت، التي لم تُظهر الدول الثلاث حماسة للقمة، باعتبار تدني مستوى التمثيل لها في القمة، لم يحضر من الرؤساء سوى أمير قطر بالإضافة إلى أمير الكويت، وتم اختصار مدة انعقاد القمة من يومين إلى يوم واحد، في سابقة لم تشهدها قمم المجلس طوال تاريخه.
يحل موعد انعقاد القمة الـ 39 بعد أقل من أسبوعين من الآن، والمنطقة تواجه أزمات خانقة ذات أبعاد دولية، بدءاً بكارثة حرب اليمن ثم أزمة حصار قطر المفتعلة من بعض أعضاء المجلس، وأخيراً وربما ليس آخراً، أزمة اغتيال الكاتب الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده بإسطنبول.
الأنظار ستترقب القمة الـ 39 وفي الأذهان المستوى الباهت للقمة الفائتة، وفي الأذهان كذلك أن القمة القادمة لن تكون أفضل من سابقتها، إذ للمرة الأولى يتم القيام بإجراء جديد في آلية انعقاد القمة، بحسب ما ذكره يوسف بن علوي، الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية العمانية، أن القمة القادمة ستكون للسلطنة ولكنها ستعقد في الرياض وسوف يرأس جلسات القمة الملك سلمان، وفقاً لآلية اجتماعات القمة الخليجية الـ 37 التي عقدت بالبحرين والإجراءات الإضافية، حيث يجوز أن تعقد القمة حسب تسلسلها في دولة المقر وأن تكون رئاسة إدارة اجتماع القمة لدولة المقر أيضاً وهي أول مرة يطبق فيه هذا الإجراء.
قد يكون التصرف العماني ذكاء سياسيا استدعته ظروف المنطقة، فربما لا تريد مسقط أن يتكرر ما حدث بقمة الكويت من حيث تدني مستوى التمثيل، إضافة إلى اختصار مدة القمة والخروج بنتائج غير ذي جدوى – وإن كانت الكثير من القمم السابقة لا تختلف في مسألة النتائج – فكان الإجراء العماني بمثابة استثمار ذكي لآلية موجودة، من أجل التخلص من حرج سياسي لا تريد أن تقع فيه، فتكون القمة القادمة وفقاً لذلك بمقر المجلس وهي الرياض، التي تنتظر أي تجمعات سياسية لتحسين صورتها الدولية.
الدوحة من جانبها لم تعلن بعد عن المشاركة بالقمة، فضلاً عن تحديد مستوى المشاركة، على الرغم مما جاء عن نائب وزير الخارجية الكويتي، خالد الجار الله، إن القمة المقبلة، التي من المقرر عقدها يوم 9 ديسمبر «ستعقد بحضور جميع الدول الأعضاء في مجلس التعاون»، وأن هذا الأمر يمثل «بادرة تبعث على التفاؤل».
التصور القطري لتفعيل المجلس
سمو الأمير، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، منذ أول خطاب له في يوليو 2017 في حديثه للشعب القطري عن الأزمة، أعلنها بكل وضوح وصفاء نية أن « أي حل للأزمة يجب أن يقوم على مبدأين؛ أولاً: أن يكون الحل في إطار احترام سيادة كل دولة وإرادتها. وثانياً: ألا يوضع في صيغة إملاءات من طرف على طرف، بل كتعهدات متبادلة والتزامات مشتركة ملزمة للجميع، ونحن جاهزون للحوار والتوصل إلى تسويات في القضايا الخلافية كافة في هذا الإطار».
لكن تعنت دول الحصار الخليجية الثلاث، أطالت من عمر الأزمة وتعقيداتها، وكانت إحدى نتائجه هو ذاك المستوى الضعيف لقمة الكويت الماضية، ولا شيء يمنع تكرار الأمر مع القمة القادمة، لأنه لم تتغير المواقف بعد، ولم يقم المجلس بدوره في حل الأزمة كما ينبغي، وهو ما عبّر عنه سمو الأمير تميم في آخر خطاب له في افتتاح دور الانعقاد العادي الـ 47 لمجلس الشورى، كرسالة واضحة مختصرة « أن استمرار الأزمة الخليجية كشف إخفاق مجلس التعاون الخليجي في تحقيق أهدافه وتلبية طموحات شعوبنا الخليجية «. وهو ما يؤكد قناعة قطرية ترسخت بعد الحصار مفادها، سلبية هذا الكيان في حل مشاكله الداخلية، فكيف بمشاكل ذات أبعاد دولية؟ وهو ما يدعو إلى إعادة تشكيل المجلس وفق نظام جديد وآليات تدفعه لأن يكون فاعلاً مؤثراً، وهو الأمر المشكوك في إمكانية حدوثه بعد قرابة أربعة عقود مضت من عمر المجلس.
لو جئنا إلى عاصمة المقر، الرياض التي يتفاءل بعض الخليجيين بعقد القمة لديها، فسنجدها اليوم أنها جزء رئيسي من مشاكل المنطقة الثلاث الكبيرة، من حرب اليمن ومروراً بحصار قطر وانتهاء بمشكلة دولية هي مقتل خاشقجي.. وتعيش في مواجهة وتخبط مع الشرق والغرب في تلك المشاكل، وإن عاصمة تخلق أو تنخرط في صناعة مشكلات إقليمية ودولية، هي بأمس الحاجة لمن يخرجها من وحل تلك المشكلات، لا أن ينتظرها العالم تصنع حلولاً للآخرين، وفاقد الشيء لا يعطه.
مستقبل غامض للمجلس أو ربما لا مستقبل
إن مستقبل مجلس التعاون وقبل أن يبلغ الأربعين، وهو سن الرشد والحكمة، نجده غامضاً مبهماً لا يُعرف له قرار.. نجده ينتكس من عام إلى آخر. إنه لم يصل إلى درجة المأمول منذ قيامه في بداية ثمانينات القرن الفائت.. بل ظل يراوح مكانه وتعصف به الخلافات والمشكلات، وإن كانت مستترة خفية، حتى جاءت كارثة حصار قطر، وكشفت عن هذا الكيان، فإذا هو هزيل أعجف لا يسر الناظرين من شعوب الخليج الحائرين.
آخر الكلام:
في هذا المقام، أن قمة الرياض المقبلة، صارت حاجة سعودية أكثر منها خليجية. الرياض تأمل الخروجمنها ببعض الدعم والمساندة في حمل وعلاج بعض أخطائها الإستراتيجية، وتحسين صورتها الدولية المشوهة بفعل مراهقات سياسية وأفعال غير ناضجة.
فكيف ستكون أحداثها ومشاهدها؟ وهل ستكون نسخة مكررة من قمة الكويت الباهتة الفائتة أم سيختلف الأمر هذه المرة؟ لا أجد إجابة مقنعة ولكن يمكن القول إننا إلى التاسع من ديسمبر لمنتظرون.
عن جريدة الشرق القطرية