هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
خروجه من منصب رئيس جهاز المخابرات الجزائري ليس هو القصة، وإنما مواصلته على رأس عمله بعد الاستقالة "المترددة والمتأخرة" للرئيس عبد العزيز بوتفليقة تحت ضغط الشارع.
فهو ليس فقط قائد جهاز المخابرات، وإنما أيضا مستشار رئيس الجمهورية، والمكلف بالتنسيق بين المصالح الأمنية.
وحين يخرج الرئيس من قصر "المرادية"، فمن الطبيعي أن يلحق به حليفه ومستشاره.
اقرأ أيضا: قرار بإقالة مدير جهاز المخابرات الجزائري من منصبه
اللواء عثمان طرطاق، المعروف باسم "بشير"، أقيل من المنصب الذي يوصفه بأنه "مصطنع" و"فصل على مقاسه"، وبأنه "كان يشكل منفذا للفساد وللتهرب من الرقابة"، فمن يعملون في الجهاز كانوا من العسكريين الذين يخضعون لوزارة الدفاع الوطني، إلا أنهم اعتبروه جهازا تابعا لرئاسة الجمهورية تحت عين القوي سعيد بوتفيلقة شقيق الرئيس المستقيل.
اقرأ أيضا: الموندو: الجنرالات والمواطنون.. هذه سيناريوهات الجزائر
القرار الجديد أعاد جهاز المخابرات إلى طبيعته، كهيئة تابعة لوزارة الدفاع، بعد أن كان تابعا لرئاسة الجمهورية منذ عام 2015.
قبل إزاحة طرطاق، كان الرئيس بوتفليقة يزيح رجلا كان ذات يوم صانعا للرؤساء والحكومات، وأكثر ضباط المؤسسة العسكرية نفوذا في البلاد في العقدين الماضيين، حيث شهد تسلم أربعة رؤساء لقيادة الجزائر، وكذلك 10 رؤساء حكومات، وعشرات الوزراء والشخصيات السياسية والحزبية، هو الفريق محمد مدين "توفيق"، وعين مكانه طرطاق.
طرطاق لم يأت من سياق مختلف، فهو الرجل الثاني بالمخابرات، وكان يشغل منصب مدير الأمن الداخلي بجهاز المخابرات، ويعد أحد أكثر المقربين من الجنرال "توفيق".
حقبة سوداء
كما أنه كان مسؤولا عن وحدات مكافحة "الإرهاب" في الجهاز في فترة التسعينيات، وتنسب إليه ممارسات دموية في تلك الحقبة السوداء الملطخة بالدماء، وكان يدير غرفة عمليات "فرق الموت" ضمن سياسة فرض الحل الأمني واستبعاد خيارات المصالحة.
عنفه ربما كان سببا في استبعاده من جهاز الاستخبارات في عام 2013 من الجنرال "توفيق"، لكن الرئيس بوتفليقة استغل خلافات "توفيق" وطرطاق وأعاد استدعاءه إلى الخدمة، وكلفه بالقيادة والتنسيق بين أجهزة الاستخبارات الثلاث التي استحدثت بعد إعادة هيكلة الجهاز الأمني في عام 2015، بدلا من "توفيق".
طرطاق، المولود في عام 1950 في منطقة قسنطينة، وخريج جامعة قسنطينة تخصص جغرافيا، تلقى تدريبا لدى أجهزة المخابرات السوفييتية، ليتولى مهمة تسيير ولايات عدة في الجزائر، وتعرض لانتقادات العديد من منظمات حقوق الإنسان، بسبب تورط رجاله في مجازر جماعية.
العشرية الحمراء
وتذكر تقارير إعلامية أن طرطاق اشتهر بتبنيه لأساليب قاسية أثناء الاستجوابات، وخلال ما يسمى "العشرية السوداء أو الحمراء" التي ضربت الجزائر في تسعينيات القرن الماضي، حين عين نائب مسؤول ميداني في المديرية المركزية للأمن العسكري في العاصمة الجزائر، وكان من أشد من واجهوا التنظيمات المسلحة التي دخلت في صراع مسلح مع السلطة بعد وقف المسار الانتخابي عام 1992 الذي تصدرت نتائجه "الجبهة الإسلامية للإنقاذ.
وخلفت هذه "العشرية" مقتل ما لا يقل عن مئتي ألف مواطن، إضافة إلى آلاف الأرامل والمفقودين.
اقرأ أيضا: بعد رحيل بوتفليقة.. حشود بجمعة "حماية الحراك من الالتفاف"
ومع بدء عهد جديد بشّر بإنهاء دوامة القتل في الجزائر، وترسيخ مبادئ "الوئام المدني"، أبعد طرطاق عن منصبه، باعتباره من رموز "العشرية الحمراء"، واشتغل في منظمة أفريقية ما بين عامي 1999 و2005 استدعي بعدها للعمل مستشارا للجنرال "توفيق".
وفي عام 2011 قام بوتفليقة باستدعاء طرطاق لشغل منصب رئيس الأمن الداخلي، ورقي في العام التالي إلى رتبة لواء، ثم أحيل على التقاعد في عام 2013، لكنه عاد لاحقا حين عين في عام 2014 مستشارا أمنيا وسياسيا لبوتفليقة، ثم بديلا للجنرال القوي "توفيق".
ويبدو أن طرطاق الذي كان يشرف على الملفات الأمنية كان موضع انتقادات عنيفة، بعد التقارير المسربة من الرئاسة أخيرا بعد انفجار الحراك الشعبي، التي تشير إلى إخفاقه في توقع الحراك الأخير.
وكان قائد الجيش الجزائري الفريق أحمد قايد صالح، انتقد خلال خطابه الأخير الذي أعلن فيه ضرورة استقالة بوتفليقة من منصبه، اجتماعا سريا قد يكون حضره طرطاق مع شقيق الرئيس ورئيس المخابرات السابق "توفيق".
ويعتقد نشطاء، أن حضور طرطاق هذا الاجتماع عجل بتنحيته، إذ إن اللقاء جرى من دون علم القايد صالح وكان هدفه "إبطال تفعيل المادة 102" التي اقترحها صالح للخروج بالجزائر من حالة الانسداد التي يعيشها، وسط الاحتجاجات الشعبية المطالبة بتغيير النظام.
وتحول قايد صالح، مع توالي الأحداث والتغييرات الكبرى بالمناصب العليا في مفاصل الدولة الجزائرية، من مجرد قائد عسكري رفيع إلى واحد من أبرز صناع القرار في البلاد، ورغم تأكيده المستمر على عدم التدخل في الحياة السياسية والالتزام بالمهام الدستورية للجيش، فإنه من الصعب تجاوزه في تحديد مستقبل رئاسة الجزائر.