هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
الكتاب: الاتحاد السوفيبتي من النشأة إلى السقوط
الكاتب: سيرغي قره- مورزا، ترجمة: د. شوكت يوسف
الناشر: الهيئة السورية العامة للكتاب- وزارة الثقافة، 2019.
511 صفحة من القطع الكبير.
منذ انهيار الاتحاد السوفييتي مطلع تسعينيات القرن الماضي، تقود الولايات المتحدة الأمريكية النظام العالمي الجديد من دون منافس تقريبا، إلا من بقايا قوة روسية ما زالت تدافع عن بقايا نفوذ تقليدية.
ويجمع الدارسون للتاريخ على أن الاتحاد السوفييتي الذي عمر لعقود طويلة، وخاض معارك وجود غير تقليدية مع المعسكر الرأسمالي الغربي، مثل واحدا من أهم عوامل كبح جماح الظلم والاستبداد الرأسمالي في العالم، وكان داعما لحركات التحرر في العالم عامة وفي المنطقة العربية تحديدا، وإن كان دعما لحسابات تبين لاحقا أنها تأتي في سياق صراع دولي على اكتساب مواقع النفوذ ليس إلا.
ومع ذلك فقد خسرت معارك التحرر الوطني في مختلف أنحاء المعمورة الكثير بسبب سقوط الاتحاد السوفييتي، ليس لأنها فقدت نصيرا مهما في مواجهة محاولات الهيمنة الدولية فحسب، وإنما لأن استفراد قوة واحدة بقيادة العالم، قد أفقد النظام العالمي واحدة من أهم شروط التوازن المطلوبة دوليا.
الباحث السياسي التونسي توفيق المديني، يعيد تقليب أوراق الاتحاد السوفييتي نشأة وتطورا وسقوطا وتداعيات، من خلال قراءة خاصة لـ "عربي21" لكتاب صادر مؤخرا عن وزارة الثقافة السورية بعنوان "الاتحاد السوفييتي من النشأة إلى السقوط".
الثورة الديمقراطية البرجوازية
علينا أن نعترف أن الثورة الديمقراطية البرجوازية التي حدثت في الغرب، قدمت أجوبة تاريخية على مسائل الواقع في صورة مجتمع السوق والإنسان ـ الكائن الفرد في مرحلة الإصلاح البروتستانتي. وفي الجانب الآخر كانت روسيا التي تعتبر بلدًا طرفيًا لم تنجز فيه ثورة ديمقراطية برجوازية على الطريقة الغربية، بدأت بالنهوض بعد سقوط القيصرية، وقدمت أيضاً أجوبة على المسائل ذاتها، تمثلت في المشروع السوفييتي.
لقد أثر المشروع السوفييتي على كل المشاريع الحضارية الكبرى: ساعد على تشكل الدولة الاجتماعية في الغرب، أي دولة الرفاهية في أوروبا الغربية بعد الحرب العالمية الثانية، وعلى تفكيك النظام الكولونيالي من خلال الدعم الذي قدمه لحركات التحرر الوطني في البلدان المستعمرة وشبه المستعمرة، وأخمد إلى حين شهية النازية والفاشية التي انتصرت في أوروبا عقب أزمة الرأسمالية الكبرى في سنوات 1929 ـ 1933، وأسهم كثيراً في تدعيم الوعي الذاتي لحضارات آسيا في شكلها الحديث، من خلال الثورات القومية التحررية في بلدان الأطراف (الصين، أندونسيا، الهند، الجزائر، ومصر).
لقد أثر المشروع السوفييتي على كل المشاريع الحضارية الكبرى
انتظر لينين اللحظة التاريخية للقيام بالانقلاب الثوري الكبير وتأسيس مرجعية جديدة للنظام السوفييتي الجديد
أوروبا والتحول الرأسمالي
كانت هذه المفاهيم حيوية وهامة بالنسبة للوعي الذاتي الروسي، لأن المقاربة الحضارية ذاتها مع الغرب، بدأت تعالج وتناقش بشكل حثيث في روسيا تحديداً. فعندما تحولت أوروبا القروسطية إلى الرأسمالية حصل تحرر الإنسان من العلاقات المشاعية التكافلية المقيدة له. فالرأسمالية كانت بحاجة لإنسان قادر على الحركة والانتقال بحرية وعلى الدخول في علاقات شراء ـ بيع في سوق العمل. لذا كانت المشاعية (الفلاحية والحرفية) عدوة المجتمع البرجوازي وثقافته.
أما في روسيا لم تحصل تلك القطيعة بين العلاقات المشاعية وبين الأخوة الدينية، بسبب تأخر تطور الرأسمالية في روسيا، وانتقال ثورتها البرجوازية فورا إلى الثورة الاشتراكية، كما أرادها لينين والبلاشفة، الذين أسسوا قيصرية سوفييتية جديدة استمرت منذ عهد ستالين ولغاية نهاية حقبة ليونيدبريجنيف مع بداية الثمانينيات من القرن العشرين.
شكل رفض الفردانية (أحد خصائص الثورة الديمقراطية البرجوازية في الغرب) أحد أهم الدعامات الثقافية لروسيا كحضارة
شكل غياب الفردانية، والحريات العامة، والفردية، أهم العوامل التاريخية في سقوط النظام السوفييتي.
وفي عام 1896 بلغ متوسط المسافة التي تقطعها الأحمال الضخمة المنقولة عبر الطرق المائية أكثر من 1000 كلم أما عبر السكك الحديدية فبلغت 638 كلم بالنسبة للحبوب و360 كلم بالنسبة للفحم و945 كلم بالنسبة للكيروسين (160، ص: 317). وتختلف ظروف النقل والمسافات وشبكات طرق النقل والكثافة السكانية في الغرب، التي وصفها بالتفصيل ف. بردويل في كتابه (المسافة عدو رقم واحد)، بشكل مدهش عما هي عليه في روسيا" (ص 48-49 من الكتاب).
الشيوعية المشاعية الفلاحية ظاهرة ثقافية كبيرة، بحث عن "مملكة الرب على الأرض"، وهي أضفت على النظام السوفييتي سمات خلاصية. لكن مع سير حركة التصنيع والمدنية ،وتعاقب الأجيال فقدت فلسفة الشيوعية الفلاحية في ستينيات القرن العشرين قوتها واستنفدت قدرتها .تلك هي مآل الطوباوية في السلطة التي جمعت في القرن العشرين ، كل من لينين وستالين .أما في عهد برجنيف، فقداتخذت قيادة الحزب الشيوعي السوفييتي، بعد ترددات فكرية وإدارية قلقة،قرارًا اضطراريًا بـ"تجميد"الأزمة الفكرية بواسطة التخلي عن ما سمي "الخط الستاليني".
إقرأ أيضا: الجذور التاريخية لنشأة المعسكر الاشتراكي.. قراءة معاصرة