خطا الجنرال عبد الفتاح
السيسي خطوة للأمام، واعترف بكارثية سد النهضة، وكان من قبل يُنكر، ويمارس تضليل الرأي العام، ويطلب من الناس أن تسكت لأنه وحده الضامن لعدم خطورة السد!
كانت المناسبة تطاوله على ثورة يناير، التي يستخدمها دائما كفزاعة، لتخويف الناس من الثورة عليه، فكل المصائب هي بسبب ثورة يناير، تلك الثورة التي روجت الأساطير عن أن الجيش هو من حماها، لكن السيسي يصفها في أكثر من مرة بأنها مؤامرة، رغم النص عليها في دستوره، ورغم أن الجيش أدى لشهدائها التحية العسكرية. وكان عبد الفتاح السيسي نفسه عضواً في المجلس العسكري، الذي نافق الثورة، ونافق الثوار، حتى نجح في إدخال الغش والتدليس على الناس بأنه من أجبر مبارك على مغادرة الحكم!
وإذ كنت شاهداً على حضور الجيش في ليلة 28 كانون الثاني/ يناير، فقد كنت أعلم مبكراً أنه جاء لتقديم المؤن والذخيرة للشرطة المنسحبة، لكن الشباب عندما تنبه لذلك، وحدث في هذه الليلة المباركة ما جرى في تركيا من تصد لمركبات الجيش، فقد حدث مثله في
مصر، لكن الجميع كان حريصاً على أن يغطي على ما جرى بطرف ثيابه، لتبرير التقرب من المجلس العسكري، وباستدعاء حدثاء الأسنان سفهاء للعسكر لحماية الثورة، فكان الانقلاب العسكري بغطاء ثوري!
شماعة الفشل:
وقد "تمسكن" السيسي حتى تمكن، وهو في تمكنه كُتبت عليه المسكنة، وقد ذهب يعلق كل فشله على شماعة الثورة، إلى أن وصل إلى القول بأنه لولا حركة يناير لما بُني سد على نهر النيل، في إشارة واضحة إلى أن إثيوبيا استغلت الثورة لبناء سد النهضة، وكأن الثورة هي من حكمت، وكأن المجلس العسكري لم يكن هو من يحكم البلاد حينذاك برئاسة زعيمهم المبجل المشير محمد حسين طنطاوي، وفي ظل عضوية السيسي في هذا المجلس بحكم رئاسته للمخابرات الحربية. وإذا لم تكن مواجهة هذا من اختصاصهم باعتبارهم جهة حكم، فكيف لا يكون اختصاصه باعتباره رئيساً لجهاز مخابراتي يرى ما يعرّض الأمن القومي للخطر، فلا يحل ولا يربط؟!
قصة علاقة ثورة يناير ببناء سد النهضة؛ هي واحدة من أكاذيب عبد الفتاح السيسي، فهو المتهم الأول في ما جرى، فقد تواطأ مع سبق الإصرار والترصد، وعامداً متعمداً، لتمرير عملية بناء السد، وقد أعطى للإثيوبيين موافقة مصر كتابة على بناء السد، بدون قيد أو شرط، وبالتفريط في حصة مصر التاريخية من مياه النيل، تمثلت في توقيعه على اتفاق المبادئ!
لقد حذرنا مراراً وتكراراً مما فعله السيسي، وكنا على يقين من أنه عندما فعل لم يقدم على هذه الخطوة مغيباً، وقد صاح ذات مرة وهو يطلب من الأشباح التوقف عن إثارة هذا الموضوع، لأنه يعرف ما لا يعرفه أحد، وأنه لا خطورة على مصر من بناء سد النهضة، وإذ سأل كثيرون من يقصد بهذا؟ فقلت إنه يقصد وزير الري في عهد مبارك الدكتور نصر الدين علام!
التغرير بالسيسي:
لقد كان الرجل لا يتوقف عن الكتابة حول خطورة بناء سد النهضة، وخطورة توقيع السيسي على اتفاق المبادئ، وباعتباره فعل ذلك بحسن نية وسلامة طوية، ويظن أن وزير الري قد ورط السيسي في الإقدام على هذه الخطوة، التي تمثل تنازلا من قبل مصر بإرادتها عن حصتها من مياه النيل. وقد أجمع الخبراء على أن الاتفاق لا يضمن لمصر قطرة مياه واحدة في ماء النيل.
لقد كتبت ألفت نظر وزير الري الأسبق إلى حقيقة الموقف، فالسيسي فعل هذا عامداً متعمداً، وأن الموضوع يتجاوز وزير الري، فإذا كان يعتقد أن السيسي تم التغرير به، فعليه أن يفطن إلى أنه متورط بإرادته، وأن عليه أن يتوقع رد الفعل في أي لحظة!
بيد أن الوزير علام لم يصدّق ما كتبته، وتقدم ببلاغ ضد وزير الري الحالي، وعندما استدعته النيابة، ظن انه استدعاء لسماع أقواله في اتهامه للوزير بتضليل عبد الفتاح السيسي، فوجد نفسه متهماً في قضية فساد ودخل السجن إلى أن برأته محكمة النقض، وخرج من هناك لا يتحدث في هذا الموضوع البتة.. فهل هناك من تفسير؟!
وقد صدق حدسي، فقد أقيل وزير الري وتم تعيين وزير جديد
أعلن فشل المفاوضات، وسلم الملف للحكومة، ربما لأن الوزير الجديد لم يكن يعلم أن السيسي فعل ما فعل بإرادته الحرة، فناورت الحكومة حتى نسي الرأي العام الموضوع، ثم عادت مرة أخرى إلى مفاوضات لا تقدم ولا تؤخر، وتمكن الجانب الأثيوبي من كسب الوقت، حتى الانتهاء من بناء السد.
فلماذا وقع السيسي على اتفاق المبادئ، بما يعنيه من موافقة مصر على بناء سد النهضة، دون أية ضمانات؟
أولاً: ليكسب شرعية في المحيط الأفريقي بعد إعلان الاتحاد الأفريقي عدم الاعتراف بسلطة 3 تموز/ يوليو بحسبانها انقلابا عسكرياً.
ثانياً: حتى يكون وصول
المياه إلينا بعد الانتهاء من بناء السد
مرهونا بوساطة إسرائيلية، بمقابل سماح مصر بوصول مياه النيل إلى إسرائيل، لأنه يرى أن إسرائيل هي الضامن لشرعيته.
شراء الشرعية:
وهكذا، فالأزمة سببها أن من يحكم مصر يفتقد للشرعية، وأنه يشتري شرعيته بمقدرات الوطن، وليست ثورة يناير هي السبب في بناء سد النهضة، ولكن الأزمة في الانقلاب العسكري، وعدم وجود شرعية للسيسي دفعته لأن يذهب بعيداً بحثا عن شرعيته، فلولا الانقلاب العسكري لاستمر رئيس مصر الشرعي، ولما احتاج أن يشتري شرعيته بالتفريط في مياه النيل، لأنه يكتسب شرعيته من إرادة الشعب المصري.
لقد كان أمام مصر طريقة لإلغاء توقيع السيسي على اتفاق المبادئ، بأن يعرض الاتفاق على البرلمان ويرفض، أو يتم الذهاب للتحكيم الدولي، إلا أنه لم يفعل، وقد انهار الاتفاق، وخلق انهياره وضعاً جديداً، لكنه اكتفى بحركة مسرحية عندما طلب من رئيس الحكومة الإثيوبية الجديد بأن يقسم بالله ألا يضر بمصالح مصر من مياه النيل، واستمر يطمئننا إلى أن جاء يعترف الآن بالكارثة، وأن سببها هو ثورة يناير.
وقد اعترف السيسي بكارثية الأمر وبدا عاجزاً عن المواجهة، فلم يعد أمام الشعب المصري من سبيل
سوى إسقاطه.
لا حل إلا برحيل السيسي، الذي يمثل خطراً على مصر يتعذر تداركه إن استمر في السلطة.
ارحل!