يجد المتتبع لحالة عدم الاستقرار العالمية من النواحي الاقتصادية والمالية والعسكرية والسياسية أن الولايات المتحدة موجودة في مختلف تفاصيل هذه الحالة، وهي لا تتوقف عن التدخل المباشر وغير المباشر في شؤون الدول وفي العلاقات بين الدول، وبين الحكومات والشعوب التي تحكمها. والملاحظ بوضوح أن الولايات المتحدة لا تتدخل لحل مشاكل أو جمع الأطراف على طاولة الود والمحبة والوئام، وإنما تجمعهم على طاولة الكراهية والبغضاء وتأجيج الخصام، وصب الزيوت على النار.
في مراجعة سريعة للفتن التي تشعلها الولايات المتحدة أو تزيدها اشتعالا نجد الحالات التالية:
1 ـ تشن أمريكا حربا تجارية على الصين وهي تسبب حالة عدم استقرار اقتصادي على المستوى العالمي، وتحاول إعادة الصين إلى الوراء، إلى أيام الفقر والجوع والعجز. يصعب عليها تحقيق هدفها، لكنها لا تكترث بالأضرار التي تسببها هذه الحرب. وهي تتدخل في هونغ كونغ، وتعمل على تأجيج المواقف نكاية بالصين.
2 ـ تشن أمريكا حربا على الفلسطينيين والعرب عموما. نقلت سفارتها إلى القدس، وقطعت أموالا عن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، وعاقبت منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية، واعتبرت الاستيطان غير مخالف للقوانين الدولية. واعترفت بأحقية الصهاينة بضم مرتفعات الجولان السورية.
3 ـ لا تتوقف أمريكا عن التدخل العسكري في سوريا، ونهب الثروات السورية بخاصة النفطية منها. وهي تعمل دائما على إطالة أمد الحرب في سوريا حتى لا تتمكن سوريا من إعادة بناء نفسها.
حروب أمريكا في المنطقة العربية الإسلامية وفي أمريكا اللاتينية لا تنفصل عن رؤية أمريكا في تقوية الكيان الصهيوني الغاصب الإرهابي،
4 ـ أمريكا هي التي قدمت كل أنواع الدعم للإرهاب على المستوى العالمي بمساعدة الكيان الصهيوني وبعض البلدان العربية مثل السعودية والإمارات. وما زال هذا الدعم يتدفق على الإرهابيين الذين يتم استخدامهم في تدمير دول وشعوب.
5 ـ أمريكا خرجت من اتفاقية المناخ، ومن الاتفاق النووي مع إيران، ومن اتفاقية الحد من انتشار الصواريخ متوسطة المدى، وهي تعمل دائما على استفزاز روسيا بنشر صواريخها في الشرق الأوروبي مهددة بذلك الأمن الروسي وأمن العالم بصورة عامة.
6 ـ تقدم أمريكا كل أنواع الدعم للكيان الصهيوني الذي لم يسمح وجوده بهدوء المنطقة منذ عام 1948. إنه كيان عدواني مغتصب يثير
الحروب والقلاقل، وهو يتمشى مع الروح العدوانية الإرهابية الأمريكية.
7 ـ أمريكا تضغط على الاتحاد الأوروبي لتمنعه من التعاون مع إيران في تنفيذ الاتفاق النووي، وهي تدفع بذلك نحو مزيد من التوتر في المنطقة العربية الإسلامية والذي قد ينتهي إلى حرب مدمرة على الجميع.
8 ـ تفرض أمريكا عقوبات اقتصادية على روسيا وهي الدولة العظمى التي تستطيع الدفاع عن نفسها في مواجهة كل العالم.
9 ـ تفرض أمريكا عقوبات على عدد من دول العالم وعلى رأسها إيران. إنها تعمل على إفقار الشعب الإيراني وإعادته سنوات عديدة إلى الوراء. وتفرض عقوبات على سوريا وكوبا وتركيا والسودان واليمن وفنزويلا وغيرها. إنها متمكنة عسكريا واقتصاديا وبإمكانها إلحاق الأضرار بكل من يعارضها ويقف بوجهها حتى لو كان على المستوى الشخصي.
10 ـ أمريكا دمرت العراق وهي تتدخل في كل صغيرة وكبيرة في سوريا وتسرق النفط السوري.
11 ـ أمريكا تدعم التحالف العربي ضد اليمن، وتزوده بالسلاح والمعلومات، ولا تكترث بآلام وأحزان أهل اليمن ولا بدمار البلاد.
12 ـ لا تتوقف أمريكا عن إثارة البلبلة والانقلابات في أمريكا اللاتينية، وتم تسجيل ما يلي حول سياساتها:
أ ـ أرادت بناء جدار بينها وبين المكسيك وطلبت من المكسيك بكل وقاحة تمويل الجدار. صمدت المكسيك ولم تستجب لطلب الأمريكيين.
ب ـ أثارت القلاقل في فنزويلا وتدخلت بشؤونها الداخلية بصورة سافرة، وأثرت سلبا على الأوضاع الاقتصادية في فنزويلا وعلى معيشة الناس. عطلت عجلة الإنتاج إلى حد ما، وتآمرت من أجل إبقاء فنزويلا بدون كهرباء.
ت ـ لم تتأخر في بث الفتنة في بوليفيا، ودعمت الانقلاب العسكري، وغيرت النظام السياسي القائم بالقوة. وهيؤ تتعامل مع أمريكا اللاتينية على أنها مزرعة لها.
ث ـ تآمرت على البرازيل، واستعملت الانتخابات وسيلة للتغيير السياسي، وعملت على كبح جماح منظمة البريكس التي تعتبر البرازيل إحدى أركانها. تخوفت من مستقبل دول البريكس، فلم تتركها وشأنها.
ج ـ أمريكا تدخلت في ليبيا، وقدمت الدعم من أجل استمرار الحرب الداخلية الليبية وتعطيل عجلة الحياة والمعيشة. وتدخلت في السودان، وهي تتدخل في الجزائر.
ح ـ وأمريكا تتدخل في مظاهرات العراق ولبنان، وجل هدفها هو التأثير على محور المقاومة وإلهائه بمشاكل داخلية من أجل الكيان الصهيوني.
خ ـ وأمريكا ما زالت تفرض عقوبات على كوبا على الرغم من فشلها الصارخ في التأثير على إرادة الكوبيين الصلبة.
د ـ حروب أمريكا في المنطقة العربية الإسلامية وفي أمريكا اللاتينية لا تنفصل عن رؤية أمريكا في تقوية الكيان الصهيوني الغاصب الإرهابي، وكل المشاكل التي تصنعها أمريكا في المنطقة من أجل أن يبقى الصهاينة سادة الموقف. وعلينا ألا نتوقع انكماش أمريكا إلى الداخل الأمريكي ما دامت مصلحة الصهاينة تتطلب المزيد من الفتن والحروب الداخلية العربية. وعلينا أن نتوقع أن أمريكا تفتح أبواب فتن جديدة كلما فشلت في فتنها الهادفة إلى كسر ظهر المقاومة بخاصة في لبنان.
باختصار، يشعر الأمريكيون أن بقاءهم على قمة العالم كقطب واحد مهيمن مهدد من قبل قوى كبرى مثل الصين وروسيا وإيران والهند والبرازيل، وهم يسابقون الزمن في شن الحروب وصناعة الفتن ليكسروا قوة من ينافسونهم، وهذا لن يتأتى لهم. لقد انطلق العالم نحو قطبية متعددة، ولا أعتقد أن بإمكان أمريكا وقف عجلة التحرر العالمي.