هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
حتى يوم الأربعاء الماضي، كانت تركيا من بين الدول القليلة في العالم التي لم تشهد تسجيل حالات إصابة بفيروس كورونا. لكن لكونها بلدا سياحيا بامتياز، ولأنّها تعدّ بمثابة عقدة مواصلات في تقاطع جغرافي يربط آسيا بأوروبا في الجهة المقابلة لشمال إفريقيا تقع في منتصف الطريق بين إيران وإيطاليا أكبر بؤرتين لانتشار فيروس كورونا خارج المنطقة الأم، كان لا بد في نهاية المطاف أن يصل الفيروس إليها بالرغم من الاحتياطات والإجراءات التي تمّ اتّخاذها.
انتشار الفيروس من الشك إلى اليقين
الشكوك كانت تحوم في البداية حول إمكانية أن يكون هناك إصابات لم يتم اكتشافها بعد، سيما وأنّ هناك نقطتي ضعف في هذا المجال، الأولى في شرق البلاد، حيث ينشط الإيرانيون عادة في السياحة والتجارة، والثانية مدينة إسطنبول بوصفها مدينة سياحيّة ضخمة. لكن كان من البديهي القول إنّه من غير الممكن أن يكون الفيروس موجوداً دون أن نشهد حالات انتشار سريعة، إذ يكفي أن يكون هناك حالة إصابة واحدة حتى يبدأ المرض في التوسّع ما لم يتم احتواؤه.
كل ما قيل عن أنّ الفيروس غير خطير تبيّن أنّه غير صحيح في نهاية المطاف لاسيما مع الإعلان عن تحوّله إلى وباء عالمي مؤخراً.
قدرة البلاد على احتواء الفيروس ووضع حد لإمكانية انتشاره تعتمد بشكل أساس على سلسلة من التدابير الوقائية المتناسقة والمتزامنة بين مؤسسات الدولة
من شأن نجاح هذه الإجراءات أن تخفف من وطأة الانعكاسات الاقتصادية لاحقاً وأن تعفي السلطات من اتخاذ إجراءات راديكالية كتلك التي اتّبعتها الصين وإيطاليا وشملت عزلاً كاملا لمدن بملايين البشر مع ما لمثل هذا الأمر من انعكاسات سلبية على القطاعات الاقتصادية وعلى اقتصاد البلاد.
يؤدي الخوف والذعر من انتشار الفيروس كما ظهر في العديد من البلدان إلى صدمة لدى بعض القطاعات التي لا تستطيع تلبية الطلب في فترة الأزمة، لاسيما في كل ما يتعلق بهذه الحالة بمنتجات الأقنعة والتعقيم والتطهير والمأكولات المعلّبة والمعكرونة... إلخ. تلي ذلك مرحلة الحجر الصحي وهي التي عادة ما تؤدي إلى انخفاض حاد في الإنتاج وحتى في الاستهلاك العام، خاصة إذا ما كانت أعداد المصابين كبيرة كما هو الحال في الصين وإيطاليا وإيران وكوريا الجنوبية.
من سوء حظ تركيا أنّ مرحلة انتشار الفيروس تأتي بالتزامن مع التقارير التي كانت تتحدّث عن بدء مرحلة تعافي جزئي في الاقتصاد المحلي. لكن من حسن حظّها أيضاً أنّها لم تتعرض لما تعرّضت له دول أخرى، والتوقيت الحالي لانتشار الفيروس في العالم لا يدخل كذلك في ذروة الموسم السياحي الشتوي أو الصيفي في البلاد. لكن قطاع السياحة والخدمات يساهم بشكل كبير في الناتج المحلي الإجمالي، ولا شك أنّ الإجراءات المتّبعة ستؤثر على أداء هذا القطاع لاحقاً خاصة إذا ما استمر الوضع العالمي على حاله ولم يتم احتواء الفايروس في أماكن أخرى من العالم لاسيما في الجوار الإقليمي (آسيا في الشرق وأوروبا في الغرب).
تركيا ودول الجوار
تدهور وضع الجوار الإقليمي قد يفرض على تركيا أيضاً عزل نفسها عنه، وهو ما سيكون له تكاليف اقتصادية بطبيعة الحال. لكن بغض النظر عن هذه التكاليف، فإنّ ذلك سيظلّ أقل تكلفة من تجاهل اتخاذ تدابير احترازية والوقوع في ما وقعت فيه الدول الأخرى، حيث تصبح تكلفة احتواء الفيروس بعد انتشاره أكبر بكثير من تكلفة احتوائه في مراحله الأولى. من الممكن للانخفاض الحاد في أسعار النفط أن يخفف كذلك من وطأة أي تراجع اقتصادي محتمل أو مرتقب في البلاد حيث تبلغ فاتورة استيراد الطاقة السنوية لدى تركيا حوالي 40 مليار دولار، ولا يبدو أنّ حرب الأسعار والحصص السعودية ـ الروسية التي أدّت الى انخفاض سعر برميل النفط إلى حدود 32 دولارا ـ المرّة الأولى منذ سنوات طويلة ـ ستنتهي قريباً.
كل ما قيل عن أنّ الفيروس غير خطير تبيّن أنّه غير صحيح في نهاية المطاف لاسيما مع الإعلان عن تحوّله إلى وباء عالمي مؤخراً. لذلك، فإنّ مكافحة واحتواء الفيروس تبدأ من خلال الالتزام بأعلى معايير الشفافية والمتابعة الدقيقة للحالات الصحيّة وتجنّب نشر الأخبار المغلوطة أو الموضوعة أو الكاذبة، يلي ذلك تطبيق الوقاية الذاتية، والتحرّك المدروس لكن السريع لأجهزة الدولة يقي من التداعيات السيئة للفيروس.
أمّا عن التكلفة الاقتصادية، فلم تكن هناك دولة بمنأى عن التداعيات، لكن الفارق سيكون بيّناً حتماً بين التكاليف الوقائية وتلك الحمائية التي تتم بالتوازي مع اكتشاف أولى حالات الفيروس، وبين التكاليف التي تأتي نتيجة للرد المتأخر أو التقاعس في اتخاذ القرارات الحاسمة أو حتى إخفاء الحقيقة بشأن الوضع العام كما يحصل في إيران على سبيل المثال.