هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشر موقع "فورين أفيرز" مقالا للباحث البارز في مركز ستون لعدم المساواة الاجتماعية الاقتصادية، والبروفيسور في مدرسة لندن للاقتصاد، برانكو ميلانوفيتش، يقول فيه إن الوباء الحقيقي هو الانهيار الاجتماعي.
ويقول ميلانوفيتش في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إنه "حتى آذار/ مارس 2020 فإن العالم تأثر بالشر الذي لم يعد قادرا على التعامل معه بطريقة فعالة، ولا أحد يعلم مدى استمراره، ويجب عدم النظر إلى التداعيات الاقتصادية لفيروس كورونا المستجد على أنها مشكلة عادية يمكن للاقتصاديات المصغرة حلها أو التخفيف منها، فالعالم سيشهد تحولا في طبيعة الاقتصاد العالمي".
ويشير الباحث إلى أن "الأزمة الحقيقية والمباشرة تتعلق بالإمداد والطلب، فالإمداد يفشل لأن الشركات تغلق أبوابها أو تخفض من قدراتها لحماية الموظفين من الإصابة بكوفيد-19، وهو المرض الذي يتسبب به فيروس كورونا المستجد".
ويبين ميلانوفيتش أنه "لا يمكن لأسعار الفائدة المنخفضة التعويض عن النقص في العمال الذين سيتوقفون عن العمل، كما هو الحال عندما يتم قصف وتفجير المصنع في أثناء الحرب، بالإضافة إلى أن سعر فائدة منخفضا لن يعوض الإمدادات التي تمت خسارتها في اليوم أو الأسبوع أو الشهر التالي".
ويجد الكاتب أن "ما يزيد من صدمة الإمداد هو تراجع الطلب بسبب منع الناس من الخروج من بيوتهم، وعدم توفر البضائع والخدمات التي تعودوا على استهلاكها، فلو أغلقت بلدا بالكامل، وأوقفت الملاحة الجوية فلن يسافر الناس مهما كانت إدارتك للأسعار فاعلة، فإن خاف الناس أو منعوا من الذهاب إلى المطاعم أو الأماكن العامة خشية إصابتهم، فإن إدارة الطلب قد يكون لها أثر خفيف، وليس الهدف المرغوب فيه من وجهة نظر الصحة العامة".
ويلفت ميلانوفيتش إلى أن "العالم يواجه احتمال تحول عميق: العودة إلى الاقتصاد الطبيعي، أي الاعتماد على النفس، وهذا التحول هو المضاد للعولمة، ففي الوقت الذي تتطلب فيه العولمة، من بين أشياء أخرى، توزيع التخصصات بين الاقتصاديات المتباينة، فإن العودة الى الاقتصاد الطبيعي تعني تحرك الدول نحو اقتصاد الاعتماد على الذات، مع أن هذا التحرك ليس محتوما، فلو استطاعت الحكومات الوطنية السيطرة على الأزمة الحالية أو تجاوزها خلال الأشهر الستة المقبلة أو في عام، فإن هناك إمكانية لعودة العالم إلى طريق العولمة حتى لو تم تعديل بعض سلاسل الإنتاج".
ويفيد الباحث بأنه "في حال استمرار الأزمة فإن العولمة قد تنهار، فكلما طال أمد الأزمة ظهرت المعوقات أمام حركة الناس والبضائع ورأس المال، وتحول الوضع إلى حالة عادية، فالمصالح الخاصة التي ستظهر ستحاول الحفاظ عليه، بالإضافة إلى أن المخاوف من ظهور وباء جديد قد تفتح الباب أمام دعوات للاكتفاء الذاتي على الصعيد الوطني، وبهذا المعنى فإن المصالح الاقتصادية والمخاوف الصحية المشروعة تصبح مترابطة، فحتى المطالب الصغيرة لدخول البلد، من حاجة كل شخص أن يكون لديه جواز سفر وتأشيرة وشهادة صحية، ستكون معوقا للعودة إلى العولمة، في ظل الأعداد الكبيرة للناس الذين يسافرون".
ويقول ميلانوفيتش إن "طريقة انهيار العولمة ستكون بالطريقة ذاتها التي انهارت فيها الحضارة العالمية بعد تفكك الدولة الرومانية الغربية، وتحولها إلى دويلات مكتفية بذاتها في الفترة ما بين القرنين الرابع والسادس، وكان الاقتصاد الناجم عن هذا التحول هو ذلك القائم على تبادل البضائع الفائضة بالمنتج الفائض لدى الإمارة أو الدويلة بدلا من إنتاج البضاعة لتباع لمشتر غير معروف، وكما قال أف دبليو وولبانك في كتابه (انحطاط الإمبراطورية الرومانية في الغرب)، فإنه (في مجمل التفكك للإمبراطورية كان هناك ارتكاس نحو منتجات على قاعدة صغيرة تقوم على صناعات يومية وتنتج للسوق المحلية، أو بناء على طلبات خاصة لمن يعيشون في المحيط)".
ويرى الكاتب أنه "في ظل الأزمة الحالية يتمتع الأشخاص الذين لم يصبحوا متخصصين بالكامل بميزة، فلو كنت قادرا على إنتاج غذائك ولا تعتمد على الكهرباء أو المياه التي تزودها إليك شركة عامة، فأنت لست بمأمن من التعرض للإرباك الذي يظهر من خلال سلاسل إمداد الطعام وتوفير الكهرباء والماء، بل إنك في مأمن من الإصابة لأنك لا تعتمد على الطعام الذي يحضره شخص آخر، ربما كان مصابا، وأنت لست بحاجة لمن يصلحون أي شيء في بيتك ممن قد يكونون من المصابين، فكلما قلت حاجتك للناس شعرت بالأمان، فأي شيء كان ميزة في اقتصاد متخصص أصبح الآن مضرا والعكس صحيح".
ويعتقد ميلانوفيتش أن "التحول إلى الاقتصاد الطبيعي لن يكون مدفوعا بالضغوط الاقتصادية العادية، لكن بمظاهر قلق أساسية، أي مرض وبائي والخوف من الموت، ولهذا السبب فقد تكون الإجراءات الاقتصادية القياسية مسكنة من الناحية الطبيعية: فهي تستطيع ويجب أن توفر الحماية للناس الذين يخسرون وظائفهم، وليس لديهم ما يستندون عليه، أو ممن لا تأمين صحيا لديهم، وبهذا المعنى أصبح الناس غير قادرين على دفع فواتيرهم، وسيخلق هذا صدمات متتالية من الطرد من البيوت إلى أزمات المصارف".
ويؤكد الباحث أن "الخسائر البشرية من المرض ستكون هي أهم ثمن، الذي قد يقود إلى تفكك اجتماعي، وسيرتد الذين تركهم المرض عاجزين ودون وظائف أو رصيد ضد من يملكون ومن هم في وضع أفضل، وهناك نسبة 30% من الأمريكيين ممن لديهم ثروة صفرية أو ثروة سلبية، وإذا خرج الناس من الأزمة الحالية دون مال أو وظائف ولا طريق للحصول على العناية الصحية، وإذا أصبح هؤلاء يائسين وغاضبين فإن المشاهد الأخيرة للمساجين الهاربين من السجن في إيطاليا، أو مشاهد النهب التي تبعت إعصار كاترينا في نيو أورليانز عام 2005، ستصبح عادية، وعندما ستلجأ الحكومات إلى المليشيات المسلحة لقمع أعمال الشغب أو الهجمات على الممتلكات مثلا فعندها ستبدأ المجتمعات بالتفكك".
ويختم ميلانوفيتش مقاله بالقول إنه "لهذا كله فإنه يجب أن يكون هدف أي سياسة اقتصادية اليوم هو منع التفكك الاجتماعي، وعلى المجتمعات المتقدمة عدم السماح للاقتصاديات، خاصة ثروات الأسواق المالية، بأن تعميها عن دور السياسة الاقتصادية في الحفاظ على قوة الروابط الاجتماعية في ظل هذا الضغط غير العادي".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)