حالة من التكلس والجمود
تريدها وتديرها السلطة، في ملف العلاقة مع الاحتلال، والتمسك باتفاقيات أوسلو.
تحاول السلطة في هذا الملف الخطير الذي يرتهن
القضية
الفلسطينية ويبقي عليها في ثلاجة الموتى؛ إمساك العصا من المنتصف، فهي لا
تريد التنازل عن مشروعها الذي وصل إلى طريق مسدود، وهو يقوم منذ تأسيس السلطة على
الاعتراف بدولة الاحتلال ونبذ "العنف" وهو المقاومة، وملاحقة المقاومين
بتهمة الإرهاب.
وهي لا تريد أن تظهر بمظهر المتفرج، فترى
قيادات في السلطة تقوم بإصدار تصريحات إعلامية نارية جوفاء من أجل الاستهلاك
المحلي، وتقوم قيادات أخرى بتطمين الاحتلال بأنهم مستمرون في أداء دورهم الأمني
على أكمل وجه، وفِي منع اندلاع انتفاضة جديدة، وفِي منع تطوير وإصلاح "م ت ف".
كم مرة هدد الرئيس عباس بحلّ السلطة؟ وكم مرة
توعد بوقف التنسيق الأمني؟ وكم من المرات تعهد بالخروج من الاتفاقيات؟ بل كم قرار
صدر عن اللجنة التنفيذية (م ت ف) وعن المجلس المركزي فيها، وعن اللجنة المركزية
لحركة فتح؟ ولا يرى الشعب الدخان الأبيض، حتى صار لا أحد يصدق هذه الأسطوانة
المشروخة.
السلطة تقوم بدور مُهين، لا هي تقاوم ولا تسمح
لمن يقاوم.
إنها ترفض خطوات العدو بصوت عالي جهوري (ظاهرة
صوتية فقط)! وتتمسك بوجودها ومكتسباتها (الشخصية)، لكنها تحرص على ألا تغضب
الاحتلال ولا الولايات المتحدة ولا الاتحاد الأوروبي، لسببين؛ الأول الخوف من
إنهاء دورها ووجودها، والثاني تخشى من قطع المعونات والأموال التي تشتري بها
الذمم، وتربط قطاعا واسعا من شعبها بالراتب الشهري والمكتسبات الآنية.
أعلن عباس أن السلطة والمنظمة في حل من جميع
الاتفاقيات الموقعة على ضوء نية الاحتلال ضم مناطق واسعة من الضفة الغربية، لكنه
أعلن عن ذلك وكفى، فلا خطة ولا استراتيجية ولا رؤية ولا برنامج واضحا، بل على
العكس من ذلك، فأجهزته تقوم بمنع وإحباط أي تحرك شعبي للتعبير عن رفض مشروع الضم،
وفِي نفس الوقت تقوم هذه الأجهزة بملاحقة المقاومين والنشطاء السياسيين؛ بالاعتقال
والاستدعاء والملاحقة. ويقوم هو وفريقه بتعطيل كل مسار لإنهاء الانقسام والعودة
إلى المصالحة، بل يعطل عقد أي اجتماع للإطار القيادي لمنظمة التحرير للاتفاق على
استراتيجية وطنية لمواجهة
صفقة القرن ومشروع الضم ومشاريع التهويد.
كسَّرت السلطة كل أسلحتها الداخلية والخارجية
ولم يعد بيدها من أوراق القوة ما تضغط به على الاحتلال، وتراها تحرص على طمأنة
الاحتلال، وتحرص باستمرار على حماية أمنه.
انظر في آخر تصريحات حسين الشيخ لصحيفة
نيوزويك "سنعتقل في مناطق السلطة كل من يتورط في التخطيط للقيام بأعمال عنف،
وإذا كان قد وصل عندهم سوف نخبرهم عن طريق وسيط".. نعم، ما دامت مصالح
الاحتلال آمنة ولا تُمس؛ فيستمر في مصادرة الأرض وتوسيع الاستيطان، ويمرر مزيدا من
القوانين العنصرية للسيطرة على الأَرْضِ والشعب والموارد، إذن لماذا يتنازل؟
ولماذا لا يمضي في مخططاته الاستيطانية والتهويدية؟
ما دامت السلطة متمسكة بوجودها، متمسكة بمصالح
المجموعة المتنفذة، وفي نفس الوقت ضامنة للأمن والهدوء، فَلْتصرُخ كما تشاء،
ولْتُصدِر من التصريحات النارية ما تحب، المهم ألا يُمس أمن المستوطنين ومصالح
الاحتلال، يعني "أَوْسَعتُهم شتما وذهبوا بالإبل"، ولو ذهبوا بالأرض
ومسحوا الحقوق والهوية، على طريقة الزعماء العرب بعد نكسة 1967، المهم بقاء الزعيم
في الحكم، "مش مهم" الأَرْض ولا الحقوق.
"صحيح لا تُفلُق، ومفلوق لا توكل".