قال
الباحث في العلاقات المدنية العسكرية بالمعهد
المصري للدراسات السياسية
والاستراتيجية، محمود جمال، إن الاحتجاجات المتواصلة التي تشهدها مصر ستفضي إلى
تغيير خلال الفترة المقبلة، وذلك حال استمرار واتساع هذا الحراك الشعبي، وحال تيقن
المؤسسة العسكرية أن استمرار رئيس الانقلاب عبد الفتاح
السيسي في الحكم سيلحق ضررا
بالغا بها بشكل خاص، وبالمجتمع والدولة بشكل عام.
وأضاف،
في مقابلة مع "عربي21"، أن "القوات المسلحة المصرية قد تفعل بالسيسي
كما فعلت المؤسسة العسكرية في الأرجنتين بالديكتاتور خورخي فيديلا، وكذلك على غرار
وقوف الجيش مع التغيير في تشيلي بعدما ساهم في الإطاحة بأوغستو بينوشيه، بعدما تم
وضع ضمانات للمؤسسة العسكرية قبيل الاستفتاء الشهير على بقاء بينوشيه في الحكم.
وأيضا،
كما فعلت المؤسسة العسكرية المصرية بالرئيس المخلوع حسني مبارك في العام 2011
استغلالا لمظاهرات 25 كانون الثاني/ يناير 2011 بعد إداركها أن استمرار مبارك في
الحكم أصبح عبئا على الجيش، بالإضافة إلى رفضها لملف التوريث جملة وتفصيلا.
ورهن
الباحث في العلاقات المدنية العسكرية، نجاح فرص التغيير في مصر بعدم توقف الحراك
الاحتجاجي لأسابيع أو ربما لشهور قليلة مقبلة، مع ضرورة اتساع رقعته الجغرافية.
"ورقة
محروقة"
وتابع:
"إذا حدثت تلك المعطيات فبالتأكيد ستضطر المؤسسة العسكرية للإطاحة بالسيسي بأي
صورة من الصور أو ربما تجبره على الأقل على الاستجابة لمطلب إجراء انتخابات رئاسية
مبكرة، تنفيذا للوعد الذي قطعه على نفسه، حال عدم رضا الناس عن أدائه وطريقته في
الحكم"، مشدّدا على أن "نهاية السيسي ستكون حتمية ومأساوية حينما يصبح
ورقة محروقة لدى مؤيديه وداعميه في الداخل والخارج".
ونهاية
الشهر الماضي، قال السيسي إنه يمكن إجراء استفتاء شعبي على استمرار بقائه في الحكم
في حال عدم رضا الشعب المصري عن الإجراءات التي يتخذها، مؤكدا أنه لو أراد المصريون
رحيله عن السلطة فلن تكون لديه مشكلة، على حد قوله، ومهددا بتدخل الجيش المصري.
وأشار
جمال إلى أن "مصر شهدت خلال الأيام الماضية حراكا شعبيا مستمرا إلى الآن في
العديد من المحافظات، بسبب الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتردية التي يعاني
منها الكثير من أفراد الشعب المصري، الناتجة عن السياسات الفاشلة التي يتبعها نظام
عبد الفتاح السيسي"، مضيفا: "رغم محدودية الحراك، إلا أنه كان رائعا ومهيبا
في دلالاته ومؤشراته، وسيكون عظيما في آثاره وتداعياته".
وتابع
الباحث في العلاقات المدنية العسكرية: "بناء على الوضع الحالي، فإن المصلحة
العامة تقضي باستثمار تلك الحالة والتشجيع على استمرارها، حيث أن هذا يمكن أن يكون
مدخلا لإصلاحات أو تغيير حقيقي في المدى المنظور إذا أُحسن الاستفادة منها".
"كسر
حاجز الصمت والخوف"
وشدّد
على أن "ما يتم الآن هو فقط البداية؛ فالناس بدأت تستيقظ وتكسر حاجز الصمت والخوف،
والثورات لا تتم بين يوم وليلة"، مضيفا: "لتحقيق انتصار في معركة الحرية
والتخلص من الاستبداد يجب اتباع سياسة النفس الطويل؛ والتجارب الناجحة في التحول
الديمقراطي في كلٍ من (إيران- الأرجنتين - إسبانيا- إندونيسيا- البرازيل.. وغيرهم)
دليل على ذلك، حيث استمر العمل الشعبي لشهور وأحيانا لسنوات دون انقطاع حتى أتى
بثماره".
وقال
إنه "من خلال قراءة تجارب التحول الديمقراطي في كلٍ من الأرجنتين وتشيلي
وإندونيسيا وغيرها من البلدان يتضح أن أهم العوامل التي أدت إلى سقوط الانقلابات
العسكرية في تلك البلدان أربعة أمور تمثلت في تراجع الدعم الدولي للنظم العسكرية،
وتدهور الأوضاع الاقتصادية بشكل كبير داخل تلك البلدان على يد تلك النظم العسكرية.
وتيقن
جزء من داخل المؤسسة العسكرية بأن الضرر سيلحق بالمؤسسة ككل في حال استمرار النظام
العسكري واتخاذ القرار بالوقوف مع التغيير، بالإضافة إلى الملف الحقوقي
والانتهاكات التي مارستها تلك النظم العسكرية في حق الشعوب".
وأردف:
"تلك العوامل بعضها متواجد بشكل كبير الآن في الحالة المصرية بدرجات مختلفة،
ويمكن للعوامل الأخرى أن تدخل على الساحة باستمرار الفعل الشعبي"، مشيرا إلى
أهمية "الدعوة إلى استمرار الحراك بكافة الأشكال والوسائل يوميا دون توقف؛
فما فعله المصريون خلال الأيام الماضية مهم واستمراره أهم".
"استراتيجية
الحراك"
كما
لفت إلى أهمية "الدعوة إلى نزول التظاهرات في أماكن جديدة، وفي مناطق وقرى
أخرى كثيرة، حتى يتم إجهاد وإنهاك قوات الشرطة وإرباكها، لفك القبضة الأمنية عن
القرى التي يتم محاصرتها".
وشدّد
على ضرورة "عدم توجيه الدعوة للاحتشاد في الميادين الرئيسية، كالتحرير ورمسيس،
وغيرهما، خلال تلك الفترة، نظرا للاستنفار الأمني الحالي في مناطق العاصمة الكبرى (القاهرة
والجيزة والقليوبية)؛ فحراك مدن وقرى الأطراف المستمر والمتزايد هو الذي سيشجع على
تحرك المتظاهرين في مناطق القلب".
واستطرد
الباحث في العلاقات المدنية العسكرية، قائلا: "يمكن مع الوقت تشجيع
المتظاهرين في المناطق الشعبية والشوارع الداخلية في المدن الكبرى على القيام
بحراك يتماثل مع ما يحدث في القرى لتشابه الظروف".
ودعا
إلى "توجيه الدعوات لنزول أهالي القرية أو المنطقة الواحدة، ليومين في
الأسبوع حتى يخف الضغط على المتظاهرين ولا يملّوا، وبحيث يكون يوم الجمعة - أو أي
يوم آخر - تتم الدعوة فيه لحشد كبير كيوم ثابت للنزول، واختيار كل قرية يوما آخر
على حسب ظروفها، وهذا يجعل الحراك مستمرا على مستوى الجمهورية على الدوام دون إنهاك
للقرى الفعالة".
وطالب
جمال بـ "تسمية يوم الجمعة من كل أسبوع باسم ثوري مختلف، وعدم الاقتصار فقط على
تسمية (جمعة الغضب الأولى والثانية إلى ذلك)، ومثال على ذلك: (جمعة الصمود)، و(جمعة
الإصرار).. إلخ".
ورأى
أن الحراك ينبغي أن تكون له "مطالب محددة وواضحة ومختصرة، حتى تكون سلسلة
محفوظة لدى الجميع، وفي مقدمتها إقامة انتخابات رئاسية مبكرة، ومحاكمة عبد الفتاح
السيسي، وتعليق جميع القرارات التي اتخذها السيسي، وفي مقدمتها قانون التصالح في
مخالفات البناء، وتعليق جميع قرارات زيادات أسعار السلع الإستراتيجية، ووسائل
المواصلات، والإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين".
"خداع
إستراتيجي"
واستدرك
بقوله: "أما في حالة سيناريو تراجع الحراك بناء على ما يقوم به السيسي من
تراجع خلال الأيام الماضية، وتحديدا في قانون التصالح، أو لنقص الهمة في الاستمرار
عند المتظاهرين، فهذا سيؤكد أن الحراك الشعبي يأتي بنتيجة، وأن السيسي ونظامه يمكن
أن يتراجعوا تحت الضغط الشعبي، وهو ما سيشجع الشعب ويجعله يتجرأ ويتظاهر ويضغط أكثر
على النظام بشكل مستمر لتعظيم المكاسب".
وأوضح
أن "السيسي يحاول الالتفاف على الحراك الشعبي، وأن تراجعه هذا ما هو إلا
عملية خداع إستراتيجي، وأنه بعد هدوء موجة الحراك الغاضب، سيعود لنفس سياساته
الاقتصادية التي تُلقي بالعبء على الجميع، وسيقوم بالتنكيل والقمع بشكل أشد، خاصة
أن السيسي اتبع نفس الأسلوب في مواجهته لحراك أيلول/ سبتمبر 2019، وبالتالي فالضامن
الوحيد لعدم حدوث هذا الأمر هو الاستمرار في الحراك وتصعيده".
ورغم حملات الاعتقال والاستنفار الأمني الكبير في
الميادين الرئيسية، شهدت محافظات ومدن وقرى مصرية عديدة تظاهرات احتجاجية مستمرة
منذ يوم 20 أيلول/ سبتمبر الجاري، لا سيما في الجيزة، والمنيا، والقاهرة، والبحيرة،
والإسكندرية، وأسوان، والقليوبية، ، وأسيوط، وبني سويف، وسوهاج، والفيوم، ودمياط،
والدقهلية، وقنا.
وانطلقت تظاهرات احتجاجية "واسعة"، عقب
صلاة الجمعة، ضمن فعاليات ما يُعرف بـ"جمعة الغضب" التي دعا لها ناشطون ومعارضون،
أبرزهم الفنان والمقاول
محمد علي.
وشهدت
بعض المناطق تظاهرات جديدة تُنظم لأول مرة منذ اندلاع تظاهرات 20 أيلول/ سبتمبر
المستمرة لليوم الثامن على التوالي.
وفي مشهد لافت، قام
متظاهرون مصريون، الجمعة، بتمزيق صور السيسي ودهسها بالأقدام، خلال تظاهراتهم
الاحتجاجية التي عُرفت باسم "جمعة الغضب"، فيما قام آخرون بإضرام
النيران في صورة للسيسي جنوبي البلاد.
وتُعد تلك الاحتجاجات نادرة ولأول مرة تشهدها البلاد
منذ عام. وهي امتداد للتظاهرات النادرة التي خرجت في 20 أيلول/ سبتمبر 2019.
وكما
هي العادة، شنت وسائل الإعلام الموالية للنظام هجوما حادا على دعوات التظاهر،
واعتبرتها جزءا من مؤامرة خارجية تستهدف إسقاط الدولة، حسب زعمها.