حقوق وحريات

أزمة "المبادرة المصرية" هل تشير لـ"انتقائية" غربية حقوقيا؟

الشرطة المصرية - أ ف ب
الشرطة المصرية - أ ف ب

تتعرض السلطات المصرية إلى حملة مكثفة من الانتقادات من قبل دول أوروبية وأمريكية من ناحية، والأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان العالمية من ناحية أخرى، تسببت في إرباكها؛ بسبب موقفها من المبادرة المصرية للحقوق الشخصية (منظمة مجتمع مدني غير حكومية).

وشملت قائمة المتضامنين مع "المبادرة المصرية" 50 منظمة حقوقية حول العالم، أصدرت بيانا مشتركا، طالبت فيه بالإفراج الفوري عن أعضاء الفريق المحبوسين، فضلا عن منظمات حقوقية مصرية في الداخل وفي الخارج، حذرت من الإضرار بقدرة المجتمع المدني على مجابهة الحكم الشمولي.

كما أدانت الأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي وفرنسا وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا وكندا وأمريكا، وحتى الأرجنتين، الهجمة الشرسة على "المبادرة المصرية"، التي تتمتع بعلاقات دولية قوية، وتعمل من داخل مصر ضمن مؤسسات قلائل، رغم القبضة الأمنية.

لكن، وفق حقوقيين مصريين تحدثوا لـ"عربي21"، فإن هذا التضامن الدولي الواسع غير المعتاد أظهر "انتقائية" غربية في التعامل مع ملف حقوق الإنسان في مصر، في وقت تكتظ فيه السجون بأكثر من 60 ألف معتقل، وعمليات إعدام وقتل وملاحقات، دون إظهار هذا القدر الضخم من التضامن.

وبشأن تفاصيل ما جرى، تقول المؤسسة على موقعها الإلكتروني: "منذ 15 نوفمبر 2020، تم اعتقال واحتجاز ثلاثة من موظفي المبادرة بشكل تعسفي من قبل الأجهزة الأمنية المصرية، هم؛ كريم عنارة مدير وحدة العدالة الجنائية، ومحمد بشير المدير الإداري، وأخيرا جاسر عبد الرازق المدير التنفيذي".

وضمت نيابة أمن الدولة العليا المسؤولين الثلاثة بالمبادرة للقضية رقم 855 لسنة 2020، ووجهت لهم تهما بالانضمام لجماعة إرهابية، مع العلم بأغراضها، وارتكاب جريمة من جرائم تمويل الإرهاب، واستخدام حساب خاص على شبكة المعلومات الدولية بهدف نشر أخبار كاذبة.

 

 

اقرأ أيضا: بايدن يهاجم ويتوعد السيسي.. "الديكتاتور المفضل لترامب"


تأتي الهجمة الأمنية غير المسبوقة، كما تصفها المبادرة، على خلفية زيارة قام بها سفراء كل من: ألمانيا والدنمارك وإسبانيا وإيطاليا وبلجيكا وسويسرا وفرنسا وفنلندا وهولندا، والقائمين بأعمال سفراء: كندا والسويد والنرويج، ونائب سفير بريطانيا، وممثلين عن المفوضية الأوروبية في القاهرة، مطلع الشهر الجاري لمقر المبادرة؛ لمناقشة سبل دعم أوضاع حقوق الإنسان في مصر وحول العالم.

انتقائية غربية

وأماط رئيس لجنة حقوق الإنسان في مجلس الشورى المصري السابق، عز الكومي، اللثام عن وجود ما أسماها "انتقائية" غربية أمريكية دولية في التعامل مع سجل حقوق الإنسان الأسود في مصر، يقوم على منح الضوء الأخضر للنظام المصري باستهداف الإسلاميين، والكارت الأحمر عند الاقتراب من التيارات المناصرة لمبادئهم وأفكارهم".

ورغم إشادته بأداء منظمات المجتمع المدني والمؤسسات الحقوقية العاملة في مصر، إلا أن الكومي انتقد في حديثه لـ"عربي21" "اختزال سجل نظام السيسي الأسود في حبس ثلاثة أعضاء بالمبادرة المصرية، وترك آلاف المعارضين بالسجون، والقضاء على المجال العام في مصر بشكل تدريجي، دون اتخاذ موقف حقيقي ضد هذه الممارسات التي لم تظهر اليوم أو أمس، إنما منذ عام 2013".

داعيا إلى "توسيع نطاق الاهتمام الحقوقي ليشمل جميع المعارضين بجميع انتماءاتهم، وكذلك منظمات المجتمع المدني والحقوقي، والضغط على النظام لوقف مسلسل الانتهاكات، لكن ما يحدث هو منح السيسي شيكا على بياض مقابل خدمات تعلق بوقف الهجرة، وحماية أمن إسرائيل، وقمع الإسلاميين".

لماذا استهداف المبادرة

ودافع مؤسس المبادرة المصرية، تأسست عام 2002، حسام بهجت، عن شرعية وجودها وعملها، قائلا إن "المبادرة تُعاقب الآن على عملها ونشاطها"، مشيرا إلى أنه "لا مجال للتظاهر بأن المسألة لها علاقة بمخالفة قانون الجمعيات الأهلية".

ووصف بهجت تحريات الأمن الوطني (أمن الدولة سابقا)، في تصريحات صحفية بشأن المحتجزين الثلاثة، بأنها "تقتصر على قائمة الاتهامات المُضحكة المتكررة، وعلى رأسها الانتماء لجماعة إرهابية".

في المقابل، أعلنت وزارة الخارجية المصرية، في ثاني بيان لها قبل يومين، عن رفضها أي محاولات لما أسمته "للتأثير على التحقيقات التي تجريها النيابة مع مواطنين مصريين تمّ توجيه اتهامات إليهم"، مشيرة إلى "عدم تمتع أي فئة من الأشخاص بحصانة لعملها في مجال محدد".

العمل الحقوقي للتيار الإسلامي

واستبعد مدير الجبهة المصرية لحقوق الإنسان، كريم طه، أن تكون هناك "انتقائية غربية" في التعامل مع ملف حقوق الإنسان، مؤكدا أن "المبادرة مؤسسة معترف بها دوليا، ومشكلة تحت القانون المصري، وتمويلها الخارجي يدخل لها عبر البنوك الرسمية، ولها علاقات مع الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي واتحادات النقابات في أمريكا الجنوبية".

وأضاف لـ"عربي21": "بشأن موقف الغرب من المنظمات الحقوقية التابعة للتيار الإسلامي بين قوسين جماعة الإخوان المسلمين، فهي لم تنخرط في العمل الحقوقي إلا منذ أعوام قليلة، وهي كجماعة لم توقع على الإعلان الأممي لحقوق الإنسان، وقواعد نيلسون مانديلا، التي تضمن حقوقا قد ترفضها الجماعة، ويجب أن تفرق الجماعة بين توجهها الديني وحقوق الآخرين، وليس معنى الدفاع عن الآخرين أن تكون مؤمنا بمبادئهم".

لافتا إلى أن "غالبية التقارير الحقوقية المحلية أو العالمية تتعلق بالمعتقلين من الإخوان المسلمين"، مشيرا في الوقت ذاته إلى أن "وجود منظمات حقوقية تمثل التيار الإسلامي تعمل بجد، لكنها بحاجة إلى مصداقية دولية؛ لأن النظام المصري له منظمات أخرى (غير حكومية) قادرة على رد خطاب منظمات الإخوان في المحافل الدولية".

ونبه مدير الجبهة المصرية لحقوق الإنسان (مقرها التشيك) أنه "في حال غلق المبادرة، فهذا يعني غلق مساحة المجتمع المدني في مصر تماما؛ لأنه لم تعد هناك مؤسسات قوية قادرة على التواصل غير المفوضية المصرية والمبادرة المصرية والشبكة العربية، بعد تجفيف وتكبيل وتحجيم باقي المؤسسات الأخرى، نحن لا نتعامل مع الأزمة كأزمة خاصة بالمبادرة، بل بأزمة تتعلق بمستقبل المجتمع المدني كله".

التعليقات (0)