قضايا وآراء

لقد هبت رياح النصر.. فلنغتنمها

هارون عبد الرحمن
1300x600
1300x600
لم يكد وقف إطلاق النار بين المقاومة الفلسطينية والصهاينة يبدأ، حتى خرج الفلسطينيون من بين الركام ليحتفلوا. وصعد خليل الحية على منصة أعدت على عجل، ليسخر من الاحتلال، وليؤكد أن جنود المقاومة لا زالوا في أنفاقهم الآمنة الحصينة يختالون على عدوهم، وليحيل الاستعارة البلاغية عن "طائر الفينيق" أو العنقاء إلى التقاعد. فالثابت الآن، أن العنقاء إن انكسر جناحها، أو خارت قواها، فإنها تفيء إلى غزة لتستعيد منها قدراتها التي زعموا، في الانبعاث والبقاء المتجدد. ولو كان المجد في باطن الأرض، لحفر المقاومون إليه نفقا، ولو كان نجما معلقا في السماء لأرسلوا في طلبه صاروخا بالمدى المناسب.

انتصرت المقاومة في حرب بدأت بنداء شعبي، صدحت به حناجر أبناء الطائفة المنصورة، في قلب الأرض المبارك فيها وحولها، في أشرف الأوقات في رمضان. الجمهور الفلسطيني والعربي أدرك ذلك، وكل ساحة ومنبر يستطيع العرب فيه التعبير عن رأيهم بحرية، يصدح بأسمى آيات الحب والمديح في غزة والمقاومة الفلسطينية.

إن الوحدة الفلسطينية حول حرب سيف القدس وما قاد إليها من مقدمات، هي الأخرى أمر عظيم. حضرت منذ عامين أو ثلاثة حفلا خيريا فلسطينيا، تحدث فيه القيادي جمال زحالقة. من أهم ما قاله الرجل في حينه أننا نحن الفلسطينيين، الشعب الوحيد في العالم الذي يحتاج أن يستذكر كل صباح أنه شعب واحد - يشير إلى المبضع الذي فتَّتَنا بين 48 و67، ولاجئين وغير ذلك، وغزة وضفة، ثم ما يلي ذلك من تقسيم المقسم وتجزيء المجزّأ.

لعلنا أدركنا الآن أن الحال أحسن من ذلك بكثير، كان ينقصنا فقط برنامج نقي طاهر يعود للجذور، ويركز على القدس والتحرير. أعطِ الفلسطينيين ذلك، وميز بعد ذلك إن استعطت - وأنى لك - بين مظاهراتهم في نابلس وأم الفحم ومخيمات الشتات.

نشوة النصر لا تنسينا أن الحرب لما تزل بعيدة عن النهاية، لكن الانتشاء بالنصر ضروري، للفت انتباه الفرحين وتوجيه طاقاتهم الكامنة وملكاتهم نحو الهدف الأسمى، وهو تحرير فلسطين من البحر إلى النهر. وبصدد هذا الهدف العظيم، نحتاج إلى قيادات ذات خيال واسع وتفكير يتجاوز حدود "الممكن" و"العقلاني" الذي لطالما حبسنا قضيتنا فيه، وأخفينا وراءه فشلنا وعجزنا عن الإبداع.

وسأعدد فيما يلي في عجالة، بعض محاور النقاش الضرورية، على طريق هذا التغيير أو القيادة الإبداعية المنشودة:

1) شكل تحرير فلسطين المرتقب: هل تتخيل القيادة الفلسطينية المقاومة شكل هذا التحرير؟ هل هو في نظرها معركة حاسمة كبرى، أم جهد ما دون ذلك، لكنه متواصل ويضمن استنزافا مدروسا ومستمرا للعدو؟ ربما سيكون من المفيد وضع سيناريوهات تبدأ من النهاية - من يوم يمكن أن نقول فيه إن فلسطين قد تحررت - ثم نرسم راجعين من تلك المحطة النهائية، خريطة طريق تقودنا إليها.

2) في فلسطين المحتلة عام 48: نحتاج هناك إلى مدرسة قيادية جديدة تستبطن عقيدة حتمية انتهاء المشروع الصهيوني، يوما ما.. قيادة تستشرف الزمن المفضي إلى تلك النهاية، وتعمل على تأطير كل العمل الوطني الفلسطني في الداخل، تحت مظلة هذه النهاية. يمكن بل يجب أن يستمر النضال المطلبي والحقوقي في هذه الأثناء، ولكن دون أن تنبت صلته بالهدف البعيد.

3) "محور المقاومة": أكتب هذا المصطلح، مترددا، بين علامتي تنصيص، لما يعتريه على مستوى الإقليم من ابتذال، وتزوير في كشوف العضوية. لكن الثابت أن هناك أكثر من قوة في الإقليم ممن تعتبر الكيان عدوا، وعلى محمل الجد. فهل يأتي يوم يمكن لهذه القوى أن ترمي فيه عدوها عن قوس واحدة، بدل ترك المبادرة معظم الوقت - في كل الحروب ما خلا معركة سيف القدس - أفضلية حصرية في جيب العدو، يختار معها من يعتدي عليه في الوقت الذي يناسبه؟

4) القوى الشعبية في الأقطار المجاورة لفلسطين: أظهرت جموع الزاحفين إلى الحدود الفلسطينية، أن الشعوب العربية قادرة على التطلع إلى أهداف سامية، تخرق السقوف المتدنية لعبث السياسة المحلية في بلادها. فهل تفرز القوى الوطنية والإسلامية الحية، في تلك الأقطار، قيادات تتطلع للعب دور أكثر حسما في تحرير فلسطين؟ تحتاج الجماهير في هذه الأقطار العربية، إلى قيادات لا تكون كالأقزام في يد العملاق، يلعب بها كيف يشاء.. قيادات ترفض أن تؤدي رقصة تكاذب التعددية السياسية في ساحاتها المحلية.. قيادات تبحث عن حلول جوهرية عابرة للحدود والاستبداد،؛ تصوب جهدها نحو رأس الأفعى الصهيونية، وتركز على التناقض المركزي مع الكيان، كعدو للأمن والاستقرار والنهضة في كل المنطقة العربية. إن قيادة فلسطينية ذكية، ستساعد شقيقاتها في الجوار، على العبور نحو هذا المستوى من العطاء.

5) القدس ورمضان: بخلاف هامش خطأ من يوم واحد، مبعثه الخلاف الفلكلوري على رؤية الهلال، فإن رمضان يعود في موعد معلوم سنوي، والقدس لا تتغير جغرافيتها، وبركات المكان والزمان في قدح هبات الشعب الفلسطيني المتعددة في هذين الحيزين أعرف من أن تعرف.. لا نحتاج لأن نقول المزيد.  

6) توظيف الحقيقة والأسطورة بل كل شيء في خدمة القضية:
سأكتفي هنا، كمثال، بإحالة القارئ لنص قديم كتبته في هذا المضمار.

هذه محاور للنقاش أعرضها كمتطوع في رفد العصف الذهني الجمعي للشعب والأمة، وعلى قاعدة أن المؤمنين يسعى بذمتهم أدناهم. إن تضحيات وإبداع المقاومة وتطورها عبر العقود، أثبت أن تحرير فلسطين هدف واقعي وممكن. فلنعد العدة إذن، ولنغتنم رياح النصر إذ هبت.
التعليقات (1)
مها العيسى
الأحد، 23-05-2021 09:20 م
ابدعت في كتاباتك ووصفك لما حدث وسيحدث..... ومازال الامل موجود. ستسطع شمس الحريه يوما ما