سياسة دولية

رحلة تتويج رئيسي بحكم إيران.. ما علاقته بـ"لجنة الموت"؟

لم يكن رئيسي معروفا بشكل واسع بين الإيرانيين قبل انتخابات عام 2017- جيتي
لم يكن رئيسي معروفا بشكل واسع بين الإيرانيين قبل انتخابات عام 2017- جيتي

فاز المرشح المحافظ ورئيس السلطة القضائية في إيران، إبراهيم رئيسي، في انتخابات الرئاسة الإيرانية التي جرت في 18 حزيران/يونيو 2021.

 

وكان يتوقع فوز رئيسي المقرب من المرشد علي خامنئي، على نطاق واسع بعد أن تم استبعاد الوجوه الإصلاحية والمعتدلة البارزة من السباق من قبل مجلس تشخيص مصلحة النظام الذي يسيطر عليه التيار المحافظ والمتشدد أيضا.

 

وسبق أن خاض رئيسي المنافسة أمام حسن روحاني، عام 2017، لكنه فشل في حرمان الأخير من فترة ثانية بالمنصب، بواقع 38.28 بالمئة من الأصوات، مقابل 57.14 بالمئة للرئيس المعتدل المدعوم من الإصلاحيين.

 

ولم يكن رئيسي معروفا بشكل واسع بين الإيرانيين قبل انتخابات عام 2017، إذ كان قد قضى السنوات الماضية بعيداً عن الأضواء يعمل في السلك القضائي. وتربطه بقيادة الحرس الثوري علاقات قوية، وينظر إليه على أنه المرشح المفضل للتيار المتشدد.


وفضلا عن قوة الرجل (60 عاما)، واستعداد البيئة السياسية في إيران لاستقبال رئيس محافظ، بعد اكتساح الأحزاب المحسوبة على الحرس الثوري البرلمان في انتخابات 2020 التشريعية؛ فإن قائمة المتنافسين أيضا لا تبرز فيها أسماء يمكن أن تنافس "رئيسي".

وحاز رئيسي على شهادة الدكتوراه في الفقه الإسلامي، وارتقى سريعاً في السلك القضائي، إذ أصبح مساعد النائب العام في طهران ولم يتجاوز عمره 25 عاما.

بدأ رئيسي مسيرته في أروقة السلطة عام 1981 في سلك القضاء حيث تولى منصب المدعي العام في مدينة خرج وبعدها بفترة قصيرة تولى منصب مدعي عام مدينة همدان أيضاً، جامعاً بين المنصبين.

 

ويتولى رئيسي السلطة القضائية منذ عام 2019، وهو منصب يعينه خامنئي بشكل مباشر، وذلك في تتويج لمسيرة حافلة في سلك القضاء، تولى خلالها أيضا منصب المدعي العام للبلاد، بين عامي 2014 و2016.

ورئيسي عضو كذلك في مجلس خبراء القيادة، وهو الهيئة الأساسية في النظام الإيراني الذي عهد إليه الدستور بمهمة تعيين وعزل قائد الثورة الإسلامية في إيران، ويتألف هذا المجلس حاليا من 88 عضوا يتم انتخابهم عن طريق اقتراع شعبي مباشر لدورة واحدة مدتها ثماني سنوات.

 

يذكر أن والد زوجة رئيسي، آية الله أحمد علم الهدى، هو ممثل المرشد الأعلى وخطيب الجمعة في مدينة مشهد. وساوى علم الهدى بين مقاطعة الانتخابات وترك الإسلام حيث قال: "إن مقاطعة الانتخابات في إيران بمثابة ترك الإسلام، والذين يقولون إننا لن نشارك في الانتخابات ليسوا مسلمين".

 

"لجنة الموت"


ويقول أمير عظيمي من بي بي سي فارسي إنه في عام 1988، كان رئيسي واحداً من القضاة الأربعة الأعضاء في ما أطلق عليها "لجنة الموت" التي كانت تقرر مصير الآلاف من معتقلي المعارضة الذين أعدموا عند انتهاء فترات محكومياتهم. وتعد تلك الإعدامات من الأحداث الأكثر سرية في تاريخ إيران ما بعد الثورة، ولم يتم التحقيق فيها رسميا قط.

 

وكان المرشد الراحل آية الله خميني قد قبل خطة الأمم المتحدة لوقف الحرب بين إيران والعراق على مضض عام 1988. وإثر توقف المعارك اجتاح آلاف المقاتلين من منظمة "مجاهدي خلق" الإيرانية المعارضة التي كانت تتلقى التمويل والتسليح من نظام صدام حسين، الأراضي الإيرانية انطلاقا من العراق في هجوم مفاجئ.

ورغم أن الحكومة الإيرانية تمكنت من صد الهجوم وإفشاله، لكن ذلك الهجوم كان إيذاناً بحملة واسعة لملاحقة ومطاردة من يشك في ولائه للنظام حيث جرت إعادة محاكمة للسجناء السياسيين والمقاتلين أمام "لجان الموت".

وحكم بالإعدم على كل من أقر بانتمائه لمجاهدي خلق وبينما سئل آخرون إن كانوا على استعداد "لتنظيف حقول الألغام أمام جيش الجمهورية الإسلامية" حسب تقرير لمنظمة العفو الدولية التي قدرت عدد ضحايا حملة الإعدامات التي قادتها "لجنة الموت" بحوالي 5 آلاف شخص بينما قالت منظمة مجاهدي خلق إن العدد تجاوز 30 ألفاً.

ومن غير المرجح أن يثار هذا الموضوع من جانب الإعلام الإيراني الرسمي ولكنه يناقش بالفعل على نطاق واسع من خلال وسائل التواصل الاجتماعي ومن قبل الإعلام الناطق بالفارسية في الخارج.

يذكر أن عدد حالات الإعدام في إيران هي من بين الأعلى على المستوى العالمي إذ تأتي بعد الصين من حيث عدد حالات الإعدام ويتم إعدام العشرات سنويا والعديد منهم لأسباب سياسية (246 حالة إعدام عام 2020 حسب منظمة العفو الدولية).

 

يذكر أن رئيسي يتمتع بعلاقات قوية بالحرس الثوري الإيراني الذي أعلن تأييده لحملة مكافحة الفساد التي قام بها رئيسي حيث أثنى قائد الحرس الجنرال حسين سلامي على المؤسسة القضائية وقال: "إنها واحدة من أهم المؤسسات في البلاد والحرس الثوري ملتزم بالعمل معها لمحارية الفساد وحماية أمن البلاد".

 

"على المحك"

ووفقا لبي بي سي فإن فوز رئيسي في انتخابات الرئاسة سيعزز قبضة التيار المحافظ على كل مفاصل الحكم في إيران وعلى مؤسسات الدولة والمؤسسة الدينية وبالتالي لن يكون هناك مجال للاجتهاد أو لوجهات نظر متباينة حول القضايا والمسائل الأساسية التي تواجهها إيران مثل موضوع الملف النووي الإيراني كما أن فوزه سيمكن المرشد الأعلى من لعب دور أكبر في العمل الحكومي.

 

المهمة الملحة والعاجلة التي تنتظر رئيسي هي التوصل إلى اتفاق سريع مع الولايات المتحدة للعودة إلى الاتفاق النووي الإيراني الذي انسحب منه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب مما يمهد الطريق أمام رفع العقوبات الأمريكية على إيران وبالتالي تحسين فرص تنشيط الاقتصاد الإيراني الذي يعاني بشدة بسبب تراجع أسعار النفط عالميا والعقوبات الأمريكية إضافة إلى التداعيات السلبية الكبيرة لجائحة كورونا.

ورغم الطابع المتزمت والعقائدي لنظام الحكم في إيران إلا أنه لا يفتقر إلى البراغماتية السياسية إذا بات مستقبله على المحك فلا يستبعد أن تتخذ إيران بعض المبادرات الرمزية على المستوى الإقليمي لتخفيف حدة التوتر والمنافسة في المنطقة لخلق أجواء أفضل مع بداية حكم رئيسي.

 

"مؤهلات القيادة"

 

وقبيل الانتخابات توقع الخبير بالشأن الإيراني، عدنان زماني، خلال حديثه مع "عربي21"، فوز رئيسي معتبرا أنه المرشح الأوفر حظا للفوز في الانتخابات الرئاسية.

 

واستند زماني في توقعه على عدد من الأسباب أهمّها عزوف نسبة كبيرة من أنصار التيار الإصلاحي عن المشاركة في الانتخابات الرئاسية بعد فشل حكومة روحاني في تحقيق وعودها الانتخابية، بالإضافة إلى إبعاد مجلس صيانة الدستور لوجوه بارزة من السباق الرئاسي مثل إسحاق جهانغيري نائب الرئيس، وعلي لاريجاني رئيس البرلمان السابق ومستشار المرشد، ومحمود أحمدي نجاد الرئيس السابق.

 

وقال زماني إن رئيسي "يمتلك مؤهلات تمكنه من قيادة البلاد بشكل أفضل، أهمها علاقاته الجيدة مع مؤسسات سيادية كثيرة، ما يجعل من وجوده في منصب رئاسة الجمهورية عاملا تيسيريا في تنفيذ العديد من المشاريع".

وأضاف: "كما أن الدولة بشكل عام سوف ترتاح لأربع سنوات قادمة في الحد الأدنى من الصراع الفئوي والسياسي بين التيارين الإصلاحي والأصولي، وسوف يحدث ما يشبه الانسجام والتناغم بين المؤسسات الثلاث، فالأصوليون حاليا يسيطرون على المؤسسة التشريعية متمثلة بالبرلمان، كما تعد السلطة القضائية تاريخيا من حصة الأصوليين".

 

التعليقات (0)