كتب

ما هي أهم ملامح الهوية العربية الإسلامية لدول المغرب؟

كيف تم تهميش الهوية العربية الإسلامية لدول المغرب العربي؟  كتاب يجيب  (عربي21)
كيف تم تهميش الهوية العربية الإسلامية لدول المغرب العربي؟ كتاب يجيب (عربي21)

الكتاب: مقاربة في إشكالية الهوية: المغرب العربي المعاصر
الكاتب: د.محمد صالح الهرماسي 
الناشر: دار الفكر المعاصر لبنان، دار الفكر دمشق،2014،

(175 صفحة من القطع الكبير).

يواصل الكاتب والباحث التونسي توفيق المديني في الجزء الثاني وهو الأخير من قراءته لكتاب الباحث التونسي الراحل محمد صالح الهرماسي، "مقاربة في إشكالية الهوية: المغرب العربي المعاصر"، تسليط الضوء حول ملامح الهوية العربية الإسلامية لدول المغرب الكبير، والسر في تطابق العروبة والإسلام، وعدم حصول تناقض بينهما على خلاف ما جرى في المشرق.
  
التطابق بين العروبة والإسلام

يخلو المغرب العربي من التعدد الديني، فالإسلام دين الجميع وقد حماه ذلك مما يمكن أن ينشأ عن مثل هذا التعدد من نعرات وفتن طائفية أصبحت من سمات الواقع الدولي المعاصر. أما التعدد العرقي فيه، فينحصر بوجود مجموعات بربرية وأقلية إباضية في بعض الأقطار، لكن وضعها يختلف جذريا عن وضع الأقليات في دول العالم؛ ذلك أن المغرب العربي ـ حتى مع وجود البربر ـ يبدو أقرب إلى التجانس العرقي، ولا وجود فيه لمشكلة عرقية ذات شأن. 

ويعود السبب في ذلك إلى أنه مع دخول العرب إلى هذه المنطقة، حصل بينهم وبين البربر من قوة الاندماج والتفاعل ما أدى إلى إخفاق الاستعمار إخفاقا ذريعا في إثارة النعرة البربرية في حينه. كما أن ما عرفته بعض دول المغرب العربي في السنوات الأخيرة من محاولات إثارة المشكلة البربرية، لا تعكس واقعا موضوعيا، بل هو افتعال محض تغذيه قوى داخلية وخارجية غير خفية الأسباب والأهداف.

النهج المغاربي في وعي العروبة

يشكو الوعي القومي في المغرب ضعفا في التبلور مقارنة بالمشرق. ففي المغرب العربي لم تتخذ العروبة شكل وعي سياسي إيديولوجي إلا عند النخبة. أما عند أغلب الفئات الاجتماعية، فلم تتجاوز ـ العروبة ـ مستوى الوعي الثقافي العام. وكما يلاحظ هشام جعيط: فهناك "مجموعة عربية تلتهب من كل جوانبها عبر وعيها العربي من جهة، وهناك مجموعة مغربية تدرك ذاتها إدراكا موجبا بصفتها تلك من جهة أخرى، بحيث تغذي فيها العروبية طبقة معينة من الكائن فقط. وإن العروبية حسب هذا التصور تكون الأسّ للمصير التاريخي الحالي في المشرق، وتكون بالمغرب البعد الثقافي المجرد والأهم والجوهري" (هشام جعيط، الشخصية العربية الإسلامية، ترجمة الصيادي، دار الطليعة، بيروت ط2/1990، ص91).

ولعلّنا نذهب أبعد لنقول؛ إن العروبة في المغرب، نظرا لاندغامها في الإسلام، فقد فقدت الاستقلال والفاعلية، والأهم التجسيد السياسي.

في المشرق العربي، تبرز العروبة في أصل الثقافة والسياسة معا وتتغلغل في كل مستويات الوعي، بل هي حاضرة في الحياة اليومية للمجتمع وفاعلة فيها. أما في المغرب، فإنها أقرب إلى حالة كمون تعوزها وسائل التعبير الإيديولوجي والسياسي. ومع أن تاريخ المغرب لم يخل من محاولات وحدوية ناجحة، إلا أن فكرة العروبة لم تستطع أن تكتسب مضمونا قوميا سياسيا مستقلا عن الإسلام، وأن تقيم أحزابها ودولها على غرار ما حدث في المشرق العربي.

ومنذ الاستقلال، سادت في أقطار المغرب العربي إيديولوجية وطنية تدين بالولاء للدولة القطرية، وهذا على عكس الإيديولوجية القومية السائدة في المشرق العربي، التي تعادي النزعة القطرية، وترى فيها عدوا للقومية والوحدة العربيتين.

والمفارقة هنا، أن الفكر السياسي والاقتصادي في المغرب العربي قد بدأ يدرك، خاصة في العقد الأخير من القرن العشرين، محدودية إمكانات الدولة القطرية وبنيتها التابعة، ويتطلع إلى التكامل والوحدة. بينما نرى الفكر السياسي في المشرق العربي، يميل بالتدريج إلى القبول بشرعية الدولة القطرية بعد أن شكك بها لعقود طويلة.

في المغرب العربي، أدّت إخفاقات الدولة في مجالات التنمية والتحديث، إلى ضعف الإيديولوجية الوطنية، التي لم تعد تستطيع التغطية على عجز الدولة القطرية. أما في المشرق العربي، فإن أعباء المشروع القومي وانحسار أمواجه أحيانا، أصبحت تؤدي إلى ردّة قطرية لا تخطئها العين.

يقول الدكتور الهرماسي: "وهكذا أن نوّاس العروبة يغير مداه وقوته من حين لآخر، حسب القوة الدافعة أو القابضة للعوامل الموضوعية أو الذاتية؛ فتارة تطغى عليه الخطابة، وتارة يطفو عليه البترول وحمّى الاستهلاك، وتارة يتروحن وأخرى يتعقلن، وهو بين هذا وذاك وعي متنام بالضرورة، يتمادى في خلق آلياته بهدوء، ويتعلم شيئا فشيئا صيانة نفسه من مغبة السقوط في التطرف وأحادية الجانب.

وما يحدث في المغرب من وعي بالضرورة ومعانقة للجوهر، لهو خير دليل على أن هذه الحركة النواسية تنبئ بإمكانية تحقيق الانسجام والتناغم والخصوبة.

إن هذه الملامح الخاصة بالهوية العربية الإسلامية في المغرب العربي، ليست أكثر من تنوع في صلب هذه الهوية الواحدة. ويمكن البحث عن ملامح أخرى على الصعد الثقافية والاجتماعية وحتى النفسية. كما يمكن الحديث عن خصوصية وطنية في كل دولة من دول المغرب العربي. وقد باتت هذه  الخصوصيات الوطنية واقعا لا يحتمل التجاهل واللامبالاة"(ص 38).

خاتمة:

يمكننا هنا أن نرصد أربعة مواقف نخبوية عن الهوية في المغرب العربي:

الموقف الأول: ويطرح هوية بديلة، إما عن طريق محاولة إحياء هويات سابقة على الإسلام، أو عن طريق استيراد موجات غربية مسبقة الصنع. ويلتقي حول هذا الموقف قوى من العلمانيين المتطرفين والنخب ذات التوجه “الفرنكوفوني”. 

والموقف الثاني: يؤكد الهوية العربية من دون الإسلام، ويلتقي حوله القوميون الذين يسقطون الدين من القومية. 

وهناك الموقف الثالث للإسلاميين الذين يؤكدون الهوية الإسلامية من دون العروبة.

أما الموقف الرابع، فهو نتاج ما طرأ في السنوات الأخيرة من تطور على الموقفين الأخيرين، إذ بدا العروبيون أكثر انفتاحا على الإسلام، والإسلاميون أكثر انفتاحا على العروبة.

وبين الصيغة التقليدية الماضوية لإشكالية الهوية التي ترفض الاختلاف والتعدد، التي تلوذ بأسوار الهوية من شرور العولمة الأمريكية، وبين الرؤية العلمانوية المرتمية في أحضان العولمة الأمريكية تخلصا من أصفاد الهوية، ثمة تيار ثالث يرى الحل في هوية عربية إسلامية منفتحة على عالم الحداثة، وقابلة للاغتناء والتجدد. 

لقد استخدمت الهوية العربية الإسلامية كسلاح في مواجهة الاستعمار الفرنسي، وشكلت أرضية مشتركة بين معظم القوى السياسية والاجتماعية، أما مرحلة ما بعد الاستقلال، فقد شهدت خلافا عميقا حول الهوية بين متمسك بها كما هي، وراغب في تجديدها، أو متنكر لها. فبدا في سنوات الاستقلال الأولى في المغرب العربي، أنَّ الدول الوطنية المغاربية التي تبنت الأيديولوجيا التحديثية، خاصة في تونس، قد نجحت، إلى حد ما، في تهميش الهوية العربية الإسلامية، وبناء هوية عديمة الصلة بالعمق الحضاري على أساس وطني وقطري.

وإذا كان الأساس التغريبي الذي قامت عليه الدولة البورقيبية طاغيا، فإنَّ بقية الدول المغاربية الأخرى قد هيمنت بإطلاقية على كل الفضاءات السياسية والثقافية، وانفتحت بالكامل على الخارج بدرجات متفاوتة بين دولة وأخرى، في شبه قطيعة مع مقومات هويتها العربية الإسلامية، بل هي في بعض الأحيان في حال تناقض معها وعداء لها ونفور منها. ولم تنجح هذه الدول المغاربية التي مزجت ما بين البطولات الوطنية في مرحلة الكفاح الوطني التحرري، وقيم الحداثة الغربية وشعارات التنمية والرفاهية في بناء هوية خاصة بها. 

إنَّ التصدي لإنجاز قضايا أساسية كالتنمية المستقلة، وبناء الوحدة المغاربية خطوة على طريق الوحدة الشاملة، يحتاج إلى فاعلية حضارية مبدعة. لا يمكن أنْ تؤدِّيَ دورها بنجاح إلا في فضاء مفتوح على الحرية والتعدد والتعارض والاختلاف طريقا لوعي الذات الفاعلة، والكفيلة وحدها بتحديد معالم الطريق، وتنشيط الحوافز والطاقات لإعادة بناء المجتمعات المغاربية وتطويرها وتوحيدها. والهوية ـ بثوابتها الحضارية وانفتاحها على التجدد ونزوعها الدائم إلى تأكيد الذات ـ تبقى الأرضية الأساسية لمشروع حضاري مستقبلي، بعد أن تشوّه الاقتصاد وفقد استقلاليته، وأصبح القرار السياسي يخضع ـ في بعض الأحيان ـ لمعطيات قد لا تكون بالضرورة وطنية.

بقي أن نلفت انتباه القارئ الكريم إلى الصعوبات التي اعترضت الدكتور الهرماسي في هذه المحاولة.

أولها؛ أنَّ أقطار المغرب العربي ـ برغم اشتراكها في كثير من الثوابت ـ يحمل كل منها خصوصية معينة يختلف بها إلى هذا الحد أو ذاك عن غيره، فكان على الباحث أن يأخذ هذه الخصوصيات بالحسبان دون إفراط، حتى لا يخطئ الهدف الأساسي المتمثل في الكشف عن الجذور المشتركة لأزمة الأقطار المغاربية، ويعني بها الباحث: استيراد الحداثة ومحاولة تغييب الهوية وتهميش المواطن.

أما الصعوبة الثانية، فتتمثل في عدم تمكن الباحث الهرماسي من الاطلاع على دراسات سابقة ـ إن وجدت ـ عالجت قضايا التنمية والهوية والديمقراطية على مستوى المغرب العربي إقليميا، مما اضطرَّه في بعض الأحيان إلى الاكتفاء بتقديم مؤشرات عامة قد لا تفي بما يتطلبه البحث المعمق، ولكنها ـ بالتأكيد ـ سوف تلقي بعض الضوء على مسائل مهمة، وتحفز غيره للقيام بتلك المهمة.

والصعوبة الثالثة التي اعترضت الباحث الهرماسي، هي حساسية الموضوع، من حيث مضمونه السياسي المتأكد. فقد كان عليه أن يبتعد قدر جهده عن الوقوع في محاذير السلطة والمعارضة. ذلك أن المرء يجد نفسه أمام خطابين سياسيين، يدّعي كل منهما الموضوعية وامتلاك الحقيقية.

وأخيرا، يشير الدكتور الهرماسي إلى أن فهمه  للجانب السياسي في الإسلام يختلف عن مفهوم الإسلام السياسي بوصفه وسيلة بعض القوى للوصول إلى السلطة، ذلك أن السياسي في الإسلام ليس السلطة بحد ذاتها، بل ما جاء الإسلام من أجله ومنه للتوحيد والعدل والمساواة ورفض العدوان والظلم والفساد. وتأسيسا عليه؛ فليس الإسلام ـ وهو دعوة حضارية طوّرت الإنسانية ـ ضد الحداثة في ذاتها.

 

اقرأ أيضا: قراءة في مقومات الهوية وخصوصياتها في دول المغرب الكبير


التعليقات (0)