كتاب عربي 21

انقلاب تونس.. ليس كمصر.. ثم إلى أين؟

ياسر الزعاترة
1300x600
1300x600

ليس من باب التعالم القول إن الانقلاب في تونس كان متوقعا منذ العام الماضي، وكتبت عن ذلك في "تويتر"، وفعل آخرون. وحين كُشفت الوثيقة الأخيرة من قبل موقع "MEE"؛ تأكد الأمر أكثر فأكثر.


سيردّ عليك البعض: وما دام متوقعا، فلماذا لم يتمّ العمل على تجنب وقوع الانقلاب بكل وسيلة ممكنة، من قبل حركة "النهضة"، وأخذ الدروس من التجربة المصرية؟


كتبت مرارا عن التجربة المصرية، ومن ضمن ذلك فصل من كتابي "لماذا يفشل الإسلاميون سياسيا؟".

 

ومع أن السطور هنا لا تحتمل، إلا أن وضع كلا الحالتين في ذات السلة ليس صائبا، لأن أخطاء "النهضة" كانت أقل بكثير من أخطاء "الإخوان" في مصر، والتي تبدأ بعدم إدراك الظروف التي سهّلت نجاح الثورة (سخط الجيش على مبارك بسبب نوايا التوريث، ومفاجأة "ربيع العرب" للعالم، بجانب الوضع الدولي الأفضل حينها، أعني لجهة حالة الانتقال في موازين القوى ومعضلات أمريكا)، ثم ترشّحهم (الإخوان) لمنصب الرئاسة في بلد تحكمه دولة عميقة قوية لن تنقل السلطة الحقيقية لأيّ أحد بمجرد فوزه في الانتخابات، بجانب تآمرها السافر على الرئيس المنتخب، وصولا إلى أخطاء مرسي (رحمه الله) نفسه في التعامل مع الوضع التالي، وثقته الزائدة بالسيسي، بل الثقة بالتسريب أكثر من التحليل، وعدم مخاطبة الشعب بحقيقة الوضع. أما الذي لا يقل سوءا، فيتمثل في إدارة المشهد يومي ما قبل الانقلاب بعد أن أصبح مؤكدا، ومن ثم بعد حدوثه.


الفارق الأكبر بين الحالتين أن "النهضة" لم تحكم؛ لا في الظاهر (كما في مصر)، ولا في الواقع الحقيقي. فهي لا تملك سوى أقل من ربع مقاعد البرلمان، ونجحت في التفاهم مع عدد من القوى لأجل الوصول إلى الغالبية البرلمانية التي تمنح الثقة لحكومة يرأسها شخص رشّحه الرئيس نفسه، وليس الحركة، قبل أن يعود للانقلاب عليه تبعا لرفضه التحكّم بمرشحي وزارته.


لعل المسار الأفضل الذي كان متاحا بالنسبة لـ"النهضة" هو محاولة كسب سعيّد، عبر إرضاء غروره ما أمكن ذلك، لكن المشكلة أن ذلك كان يعني الدخول في إشكالات مع الحلفاء الآخرين في البرلمان، فيما الطرف الآخر المناهض للحركة يرفض أي سياسة لها؛ في أي اتجاه كان، لأن هناك من يطالبه باستمرار التخريب على مؤسسات الدولة، لأجل الوصول إلى الهدف المنشود. وعموما، فقد ثبت الآن أن أحلام سعيّد لم تكن محدودة، ويمكن التعامل معها بسهولة، بدليل أنه عبّر عن رغبة مبكرة بتغيير الدستور لكي يكون النظام رئاسيا، وسيفعل ذلك على الأرجح بعد انقلابه، مع أن  مصيره سيظل برسم السؤال، لأن الدولة العميقة، رغم ضعفها قياسا بمصر، لن تقبل بتحكّم رجل بلا تاريخ ولا إمكانيات فيها، اللهم إلا إذا منحها ما تريد.


لذلك كله، سيكون من الصعب المزايدة والتعالم على "النهضة" فيما كان ينبغي عليها أن تفعله، والأسوأ بين المزايدين هم أولئك الذين كانوا يريدون منها مواقف ثورية لا تسمح بها ساحة منقسمة ومخترقة، وللعلمانية فيها حضور كبير، لا تجده في أي بلد عربي آخر؛ بجانب اليسار، وفوق ذلك قوة الاتحاد العام للشغل المناهض لـ"النهضة" أيضا.


لم يكن ترتيب الانقلاب صعبا في واقع الحال، إذ كان يكفي أن يتم ترتيب الأمر مع المؤسسة الأمنية والعسكرية الراغبة في ذلك، بجانب "اتحاد الشغل"، حتى يكون الأمر ميسورا، وهؤلاء جميعا، كانت قوى "الثورة المضادة" تتواصل معهم طوال الوقت، وتقدم لهم الوعود الناجزة والقادمة، وهي قادرة دون شك على ذلك، ولا  شك أن واقع "كورونا" الصعب قد سهّل الأمر بتعزيز غضب قطاعات من الناس، بخاصة الفئات الشابة التي زادت معاناتها؛ ليس في تونس وحدها، بل في كل الدول ذات الأوضاع الاقتصادية المشابهة.


ما يجب قوله هو أن قوى الإصلاح أو التغيير تغدو يتيمة حين لا يتوفر لها ظهير خارجي، وتغدو أكثر يُتما حين يكون أكثر الخارج (الإقليمي والدولي) ضدها، وتغدو أسوأ من ذلك بكثير، حين تكون حصتها في الشارع غير قادرة على الحسم، كما هو حال "النهضة" راهنا، ثم يصير الوضع أسوأ وأسوأ، حين تتوفر قوىً خارجية تملك قابلية الدفع بلا حساب لكل من يعمل على التخريب عليها.


كل ذلك كان متوفرا في الحالة التونسية، ولا يشذّ عنه سوى موقف مختلف وقليل التأثير من قطر وتركيا، وقد كان لافتا أن إيران أيضا كانت ميّالة لسعيّد أيضا، وبالطبع تبعا لتأييده لنظام بشار من جهة، ولأنها تتفق مع "الثورة المضادة" ضد ربيع العرب، ولا تفضّل وجود أنظمة بروافع شعبية، فضلا عن أن تكون تلك الروافع إسلامية (سنيّة).

 

لقد كانت تونس آخر تجليات الربيع العربي الصامدة، مع بقايا في ليبيا ما تزال مستهدفة، ومطاردتها كانت جزءا لا يتجزأ من النشاط اليومي لقوى "الثورة المضادة"، والتي تضيف إلى إرادة تأديب الشعوب على ثوراتها؛ هوسا هستيريا بمطاردة "الإسلام السياسي"، بوصفه من تصدّر "الربيع"، وبوصفه المؤهل لتكرار التجربة.


لذلك كله، ورغم أنني طالما تحدثت عن "الفشل السياسي" للإسلاميين، إلا أنني لا أميل إلى تقريع "النهضة" على ما جرى، رغم أخطاء وصراعات داخلية مؤسفة، وإن كان بعضها طبيعيا، وما آمله هو أن لا يكرروا تجربة إخوان مصر فيما بعد الانقلاب، أعني بتعزيز الخسائر عبر تصعيد يفضي إلى صدام بلا جدوى في بلد متعب. فأن تخسر جولة وتبقي على الكثير من قوتك الشعبية والتنظيمية، أفضل من أن تخسر على الصعيدين، ثم يتمّ تحميلك مسؤولية فشل الطرف الآخر الذي يبدو مرجّحا إلى حد كبير، رغم الدعم المالي الذي قد يتدفق في البداية لثبيت انقلابه.


هذا لا يعني الجلوس في البيوت، وانتظار عقلانية من طرف لا يظهرها، بل يجب نسف مقولة الظهير الشعبي للانقلاب، بحراك سلمي في الشارع، ولو بفعاليات متقطعة، يعلن الإصرار على المسار الديمقراطي بعيدا عن الأحادية والإقصاء.


هذا النضال ينبغي أن يلتحم مع القوى الحيّة الأخرى في المجتمع، من أجل منع سعيّد (أو بديل آخر قادم) من تكريس دكتاتورية بثوب ديمقراطي، وهو الخيار الأفضل، سواءً حقق النجاح المطلوب أم ما هو أقل من ذلك، والسياسة جولات تتبعها جولات، والأيام دول، و"النهضة" حركة متجذّرة في وعي شعبها، بل هي أكثر من دافع عنه، وذاق ويلات الدكتاتورية منذ عقود طويلة.

 

8
التعليقات (8)
عربي حر
الخميس، 29-07-2021 08:58 م
النهضة أو أي حركة اسلامية لن تقوم لها قائمة طالما لم يكن لديها ميليشيا مسلحة تحميها، العلمانيون مع دول الخليج لا يهدأ لهم بال طالما كان هناك حزب اسلامي في البرلمان. من اكبر المستحيلات أن يعتلي الحكم اسلاميون بالطرق السلمية.
يعقوب الصلاحات
الخميس، 29-07-2021 01:11 م
طيب الله الأنفاس على ذكرت ووصفت ونصحت بموضوعية مميزة وراشدة
الحزم
الخميس، 29-07-2021 12:04 م
اللهم انصر تركيا العظمى وانصر رئيسها المفدى السيد رجب طيب اردوغان حفظه الله وانصر جيش تركيا المظفر. اللهم انصر قطر العظمى وانصر اميرها المفدى الشيخ تميم آل ثاني حفظه الله وانصر جيش قطر المظفر. اللهم والعن الكلاب العرب بني سعود وبني نهيان وبني مكتوم وبني خليفة والسيسي وحفتر. اللهم العن الكلاب القردة بني سعود والعن كل من والاهم. اللهم العن الكلاب القردة بني نهيان والعن كل من والاهم. اللهم العن الكلاب القردة بني مكتوم والعن كل من والاهم. اللهم العن الكلاب القردة بني خليفة والعن كل من والاهم. اللهم العن الكلب القرد السيسي. اللهم العن الكلب القرد حفتر
همام الحارث
الخميس، 29-07-2021 09:43 ص
موجز مختصر : كانت علاقة الحبيب بورقيبة جيدة مع فرنسا ، و لكن علاقته مع بريطانيا كانت ممتازة إلى درجة أن ضابط المخابرات البريطاني (سيسيل هوراني) عمل مستشاراً له طيلة حكمه من خلال مكتب له في قصر قرطاج. ما إن أخذ دورتين عسكريتين في أمريكا ، حتى عاد "بن علي" إلى تونس ليتم فرضه على بورقيبة من خلال منصب في الأمن تدرج منه إلى مناصب أعلى مكَنته من عزل بورقيبة و الحلول مكانه بعد أن بلغ من الكبر عتيَاً . حكم بن علي تونس بقبضة أمنية حديدية و جعلها تابعة لأمريكا و هذا أخاف أتباع أوروبا و على الأخص عملاء فرنسا داخل تونس. منح الربيع العربي الفرصة لشعب تونس ليخرج مؤقتاً من حكم الطغيان و انتعشت قوى مخلصة قليلة و قوى مرتبطة بأوروبا "خاصة فرنسا" و غيرها و أظهرت نفسها من خلال أحزاب ما بعد "الثورة" و التي بلغ عددها للأسف 122 حزباً !! (راجع الويكيبديا للتأكد من هذه المعلومة) . أمر جيد أن يكون في بلد أحزاب تصل مثلاً إلى 7 ، لكن أن يكون في بلاد كتونس "عدد سكانها 10 مليون أي أقل من نصف عدد سكان مدينة القاهرة " هذا العدد الكبير من الأحزاب ، فهذا يعني تنازع و في قانون السنن الإلهية هو مدعاة للفشل (و لا تنازعوا فتفشلوا و تذهب ريحكم و اصبروا...) . جميع الثورات المضادة للربيع العربي قادها الاستعمار الفرعوني الغربي و استعمل لذلك أدوات "مخابرات إقليمية ، دويلات ، بترودولارات من سفهاء الأعراب" ، و كانت تونس مرشحة لهذا الانقلاب لسبب بسيط : كانت تونس أستاذاً لنا جميعاً ، و يراد الآن تلقين هذا الأستاذ درساً لا ينساه . قبل الانقلاب و في لحظات الانقلاب قامت "أفريكوم" بالإشراف المباشر على تونس و تأمين حدودها من جهتي الشرق و العرب بنسبة لا تقل عن 97% مع مساعدة مخابرات لم تقم بواجبها تجاه إثيوبيا . نجاح الانقلاب يعني أن تونس قد عادت إلى أيام بن علي و ربما أسوأ "كما حصل في مصر و كما هو حالياً في سوريا" . إنا لله و إنا إليه راجعون ، اللهم كن في عون أهل تونس .
من سدني
الخميس، 29-07-2021 12:28 ص
كان علينا الاخذ بمقولة سوء الظن من اذكى الفطن وذالك عندما اخذ التيس سعيد يروج بزياراته واحاديثه ويكثر من ذكر العدل وسيرة الفاروق عمر وتفقد الرعيه والعباد وقتها كان يجب ان نعلم ان هذا التعيس كذاب اشر وباطني كبشار االنصيري وان زيارته لفرنسا والسيسي واستقباله لعيال زايد يتنافى مع ما يروج له وان الرجل لايعدوا عن شيطان خبيث ماجور وباطني ويحمل جينات جنون العظمه ولو على حساب خراب تونس واهلها وربما اقتنع اخيراً ان عليه الرجوع الى حظيرة وماخور الحكام العرب وان الغرب لن يسمح له ان يرعى خارج مزرعته او ان يغرد خارج السرب.

خبر عاجل