كتاب عربي 21

انزلاق خطير في تونس

محمد هنيد
1300x600
1300x600

لا تزال الأحداث التي جدّت مؤخرا في مهد ثورات الربيع العربي تتفاعل بقوة بعد القرارات المفاجئة التي اتخذها رئيس الجمهورية بتجميد عمل مجلس نواب الشعب وإعفاء رئيس الحكومة وتعليق عمل الوزراء وهو الإجراء الذي اعتبره كثيرون انقلابا على الثورة وعلى المسار الديمقراطي في تونس.
 
المجتمع لا يزال تحت تأثير الصدمة فلم يكن كثيرون يتوقعون أن يُقدم الرئيس المنتخب بآليات ديمقراطية على الانقلاب على المسار الديمقراطي الذي أوصله إلى الرئاسة. أما الغوغاء الذين يصفقون لغلق البرلمان بالقوة المسلحة وخرق الدستور في نصّه الصريح فهم بين مُغيّب وبين من تجذبه الخطابات الشعبوية التي تدّعي امتلاكها أبواب النعيم فور الانفراد بالسلطة. 

يقوم النظام السياسي في تونس بعد الثورة على ثلاثية تقاسم السلطة بين رؤساء ثلاثة: رئيس الجمهورية ورئيس البرلمان ورئيس الحكومة، وهو البناء الذي كان يهدف إلى منع انفراد جهة واحدة بسلطة القرار خوفا من العودة إلى النظام الرئاسي المطلق الذي حكم به بورقيبة وبن علي. ما حدث منذ أيام هو إلغاء رئيس الجمهورية لسلطة الحكومة والبرلمان والانفراد بالقرار التنفيذي لنفسه وهذا هو أخطر مزالق المرحلة التي تعيشها البلاد. 

الفصل الثمانون من الدستور 

دار حول هذا الفصل لغط كثير خلال الأيام الماضية لأنه الفصل الذي استند عليه رئيس الجمهورية في الإجراءات التي اتخذها، وينص هذا الفصل الإجرائي الذي لا يقبل التأويل على أن تكون البلاد معرّضة إلى خطر داهم دون أن يفصّل النص في طبيعة الخطر وهو ما يفتحه على كل التأويلات الممكنة. هذا الفصل يمنح رئيس الجمهورية الحق في اتخاذ تدابير استثنائية بعد استشارة رئيس الحكومة ورئيس مجلس نواب الشعب وهو الأمر الذي لم يحدث حيث لم يستشر رئيس الجمهورية أيا كان من باقي الرؤساء. كما يوجب الفصل على رئيس الجمهورية إعلام رئيس المحكمة الدستورية بهذه القرارات وهي المؤسسة التي رفض الرئيس تكوينها في أكثر من مناسبة.

بناء على هذه المعطيات الأولية تكون الإجراءات التي اتخذها رئيس الجمهورية خارقة لنص الدستور الصريح وتُعدّ انقلابا صريحا عليه. بل إن الدستور ينص على أن يظل مجلس نواب الشعب في حالة انعقاد دائم بدوام الحالة الاستثنائية وهو الأمر الذي لم يحترمه الرئيس الذي قام بتجميد البرلمان وإغلاقه بالقوة العسكرية ومنع النواب من دخوله وممارسة حقهم النيابي. كما أنّ الرئيس قد أعلن عن تنصيب نفسه رئيسا للنيابة العمومية وهو ما يجعله قد جمّع في يده السلطات الثلاث: التنفيذية والتشريعية والقضائية. 

 

لا يمكن إنكار الوضع المتردي الذي وصلت إليه البلاد على كل المستويات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والصحية وهو الأمر الذي زادته الجائحة سوءا. لكنّ هذا الوضع الدقيق تكاد تستوي فيه كثير من الدول العربية والأجنبية بفعل الوضع الاقتصادي الذي خلقته جائحة كورونا ولا يقتصر ذلك على تونس.

 



تأسيسا على هذا يكون الرئيس قد تجاوز صلاحياته الدستورية ودفع بالبلاد إلى منزلق خطير وخيم العواقب وأخطر ما فيه محاولة توريط المؤسستين الأمنية والعسكرية في هذه المغامرة السياسية. وهو الأمر الذي دفع بكثير من الملاحظين إلى وصف ما حدث بأنه انقلاب على آخر قلاع الديمقراطية في المنطقة العربية وتصفية نهائية لإرث ثورات الشعوب.
 
المغامرة والسياق 

لا يمكن فصل ما يجري في تونس عن محيطها الإقليمي وخاصة عن غرف الانقلابات التي تدار من قبل نفس الأطراف التي أعلنت العداء للشعوب ولثرواتها السلمية منذ 2011. وهو ما يجعل منها ـ كما تعتقد ـ الأطراف الرابحة الوحيدة من المحاولة الانقلابية في تونس. قامت دول الانقلابات هذه بحملة افتراضية كبيرة استهدفت مواقع التواصل العربية والتونسية لإيهام الناس بأنّ للانقلاب قاعدة شعبية وهي نفس الدول التي موّلت حملات تعطيل أشغال البرلمان والحملات الإعلامية ضد الأطراف الثورية التي رفضت الانقلاب على المسار الديمقراطي. 

تونسيا وباستثناء حزب حركة الشعب القومية التي أعلنت مباركتها للانقلاب منذ الوهلة الأولى فإن كل الأحزاب والشخصيات الوطنية بما فيها أساتذة القانون الدستوري قد أعلنوا معارضتهم لهذا الانزلاق الخطير واصفين إياه بأنه انقلاب على الدستور وعلى الثورة وعلى المسار الديمقراطي.
 
من جهة أخرى لا يمكن إنكار الوضع المتردي الذي وصلت إليه البلاد على كل المستويات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والصحية وهو الأمر الذي زادته الجائحة سوءا. لكنّ هذا الوضع الدقيق تكاد تستوي فيه كثير من الدول العربية والأجنبية بفعل الوضع الاقتصادي الذي خلقته جائحة كورونا ولا يقتصر ذلك على تونس.
 
لا يمكن بذلك تحميل مسؤولية الفشل إلى طرف دون آخر فكل الأطراف قد ساهمت في حالة التردي هذه بما فيها رئاسة الجمهورية التي عطّلت تكوين الحكومة وتنصيب الوزراء. كما أن رئيس الحكومة الذي يُتّهم بالفشل قد تم تعيينه واختياره من قبل رئيس الجمهورية نفسه كما هو الحال بالنسبة لرئيس الحكومة السابق المتهم في قضايا فساد وتضارب مصالح. لكن من جهة أخرى هل يمثل الانقلاب على الدستور حلا لهذه الأزمة أم تعميقا لها؟ ألا يتطلب الأمر الذهاب إلى حوار وطني جديد لتحميل المسؤوليات ثم المحاسبة؟ ثم إذا فشل المُنتخَبون بما فيهم أعضاء البرلمان ورئيس الجمهورية ألا يفترض ذلك إعادة الأمانة إلى الشعب والذهاب إلى انتخابات مبكّرة؟
 
أسئلة كثيرة تملأ الشارع التونسي اليوم وهو يتوجّس من أن تكون هذه الإجراءات مقدمة إلى عودة الدكتاتورية واستنساخ النموذج المصري. بعيدا عن التكهنات فإن الأيام القليلة القادمة وحدها كفيلة بتقديم الإجابة عن مآلات المسار التونسي الذي راكم من الخبرة ومن التفاعل ما يجعل عودته إلى مربّع الاستبداد أمرا مستبعدا بسبب غياب الحاضنة الشعبية والعسكرية والأمنية والسياسية لتغيير نظام الحكم بالقوّة القاهرة.
 
أخطر ما في المحاولة الانقلابية باستثناء سعيها إلى توريط المؤسسة العسكرية التي يُجمع شعب تونس على نزاهتها واستقلاليتها أنها ستغلق صفحة الاستثناء التونسي عربيا. هذا الأمر سيُلغي من القاموس العربي منطق الديمقراطية والانتخابات ومنطق التغيير بالطرق السلمية وسيفتح المنطقة على كل الاحتمالات الممكنة التي لن يربح منها أحد شيئا.
 
لا حلّ في تونس إلا بالحوار وتغليب الحكمة وإعادة المؤسسات الدستورية إلى العمل ورسم خارطة طريق تلتزم بها كل الأطراف للخروج من الأزمة ومواصلة ترسيخ المسار الديمقراطي. لن ينتصر فريق على فريق آخر فالنصر الوحيد الممكن هو الانتصار على الأزمة التي تعصف بالبلاد وترسيخ المسار من أجل جيل الغد ومن أجل أن تظل تونس واحة الديمقراطية في الصحراء العربية.


التعليقات (3)
adem
الخميس، 29-07-2021 09:35 م
توصيفك لما يحدث هزيل ، تتحدث عن جيش تونس عفوا الكشافة التونسية التي تدار من ضباط أحفاد فرعون و أبي لهب ؟! و في قلب تونس ؟! قليلا من الاحترام للقراء من فضلك .أنتم لستم دولة و للأسف الشديد لا جيش و لا شرطة ولا قضاء ولا صحافة و لا .....الحلّ ؟ التخلّص من كلاب سعيد و مؤيديه من الجذور و بلا رأفة كيف ؟ ننتظر عبقرية أحد أبنائكم البررة .
عبدالفتاح هاشم
الخميس، 29-07-2021 04:38 م
كان يمكن أن يوصف ما قام به رئيس الجمهورية التونسي، بكونه خرقا دستوريا سافرا، استغل فيه الرئيس غياب المحكمة الدستورية لكي يؤول الدستوره على مقاسه، كما استغل حنق الشعب التونسي على النخبة السياسية، وتدمره من قراراتها ومن ضعفها. نعم كان يمكن وصفه بخرقٍ دستوري مارسه رجل مفروض فيه حماية الدستور، لكنه لم يبال به، إنما أعطى لنفسه حق تجميد عمل مؤسسة منتخبة هي الأهم من ضمن كل المؤسسات، رغم أن الدستور لم ينص في أي من فصوله على "تجميد البرلمان"، والحال أن الدستور ينص على استمرار عمل البرلمان حتى في ظل حالة الاستثناء/الطوارئ. كما أعطاء الرئيس لنفسه حق رئاسة شق من السلطة القضائية (النيابة العامة)، وأقال الحكومة وطرد موظفيها، وهذه كلها أفعال تقع خارج الدستور. لكن لماذا وُسِم ما قام به "قيس سعيد" بكونه "انقلابا عسكريا/دستوريا؟ إن ما رجّح القول بأن ما قام به الرجل، وهو أستاذ قانون دستوري في الأصل، إنما يؤشر على انقلاب عسكري، هو أنه استند فيه إلى قوة البندقية العسكرية، وأدخل العسكر في لعبة زواريب السياسة الداخلية، والحال أن الجيش ينبغي أن يبقى بعيدا عن الصراعات السياسية، وأن يكون صمام أمان لكي لا يحدث أي صراع مسلح بين أطراف اللعبة السياسية، بل إن ما يحسب للجيش التونسي أنه رفض أن يتدخل لحماية نظام "ابن علي" إبان الربيع التونسي، الشيء الذي حافظ على سلمية الثورة التونسية وجنبها مأساة الأنظمة العسكرية التي عرفتها كل من مصر وتونس وليبيا واليمن. إن العقل الاستبدادي الذي يتحرك كل صيف لكي يقيم الانقلابات العسكرية في هذا البلد أو ذاك، هو نفسه الذي حرك "قيس سعيد" من أجل الانقلاب على مكتسبات الثورة التونسية، والشروع في إغلاق المكاتب الإعلامية، وتجميع السلطات في يد رجل طالما أمسكت قلمًا ينادي بالحرية ويدعو إلى احترام الدستور. لقد تحول قيس سعيد فعلا إلى ديكتاتور بهكذا ممارسات، وانتقل من مدافع عن الدستور إلى خارق له، ومن مدافع عن الحرية إلى ديكتاتور صغير، يستظل بظل العقل المحرك للثورات المضادة التي انطلقت بالموازاة مع رياح الربيع الديمقراطي الذي أسقط أعتى الديكتاتوريات في العالم. لا يمكن تبرير أفعال رئيس تونس بالأزمة التي تعيشها بلاده، أو بضعف النخب السياسية وتخبطها، لأن صناعة الديكتاتورية تبدأ على هذا النحو؛ لقد هتف الألمان لإجراءات هتلر ضد الفاسدين، ورفع المصريون عبد الناصر فوق أكتافهم لأنه حد من الإقطاع، وقدّس الأتارك أتاتورك لأنه واجه الاستعمار، وتجاوزوا عنه لما خلط مواقف جيدة بأخرى سيئة...إلخ. بكلمات، الدفاع عن دولة القانون كل لا يتجزأ ولا يمكن تبرير خرق الدستور لأن القائم بذلك يُغنّي على لحننا الأيديولوجي أو لأن ضحية تلك الممارسات إنما خصم أيديولوجي لنا. إنها وقصة ديكتاتور تلك التي رقصها قيس سعيد أمام قصره بين أنصاره، مباشره بعد أن أعلن عن أسوء قرار يمكن أن يتخذه مدافع عن الديمقراطية مهما حصل، ألا وهو تجميد عمل مجلس نواب الشعب. ويمكن مراجعة رد فعل الشعب البريطاني لما كان ملوكهم يسيؤون إلى مجالسهم المنتخبة بصرف النظر عن موقفهم منها، لأن الذي انتخبه الشعب لا يمكن أن يسقطه إلا الشعب انتخابا أو ثورة، لا عن طريق رئيس مدعوم بالبندقية العسكرية.
هل هناك شعب!!
الخميس، 29-07-2021 02:04 م
سربت و ثيقة الإنقلاب منذ زمن و لا سياسي و لا حقوقي طلب من العدالة محاسبة الرئيس و الأن بعد مطالبة أمريكا من العميل قيس بطرد رجال المخابرات المصريين و الإماراتيين و لا أحد يتحرك! هل يوجد لديكم وصف لما يحدث! إنه الذل بعينه.