كتاب عربي 21

ما بعد الانسحاب من أفغانستان: فخ أمريكي أو بداية مرحلة جديدة؟

قاسم قصير
1300x600
1300x600
تستمر النقاشات والحوارات في الأوساط الإسلامية والعربية حول أبعاد ما جرى في أفغانستان بعد سيطرة حركة طالبان مجددا على الحكم، والانسحاب الأمريكي المذل من كابول بعد عشرين عاما على احتلالها.

أسئلة كثيرة تطرح من قبل بعض القيادات والحركات الإسلامية، وبعضها كان مثار نقاش خاص في ندوة مغلقة في بيروت بين عدد من القيادات والباحثين الإسلاميين والمتخصصين في الحركات الإسلامية. فهل ما جرى عملية منظمة ومتفق عليها وفق خطة محكمة وبعد اتفاق طالبان مع الأمريكيين؟ وهل أعدّ الأمريكيون فخا في أفغانستان لتحويلها إلى ساحة للصراعات بين عدد من الدول والقوى في منطقة وسط آسيا؟ وأي طالبان سنشهد اليوم؟ هل هي طالبان العام 2001 مع أجواء التشدد، أم سنكون مع نسخة جديدة من طالبان تغلّب العقل والحكمة والمصالح على الأيديولوجيا والتشدد الديني؟ وماذا يعني الانسحاب الأمريكي من غرب آسيا وبعض المناطق الأخرى؟ هل نحن أمام تراجع وأفول للدور الأمريكي عالميا، أم أن هناك خططا أمريكية جديدة لإدارة العالم بأقل التكاليف وبدون تقديم خسائر مادية وبشرية؟
معظم الآراء تتسم بالحذر والقلق، فما جرى في أفغانستان لا يزال يتسم بالغموض وعدم وضوح الرؤية، وهناك تساؤلات عديدة حول أداء حركة طالبان وعلاقتها بالقوى الدولية والإقليمية، وكذلك مدى قدرتها على تقديم نموذج جديد في حكم البلاد يأخذ في الاعتبار التنوع القومي والديني والمذهبي الداخلي ومصالح معظم القوى

هذه بعض الأسئلة والإشكالات التي تدور في الأجواء الإسلامية وبين عدد من المهتمين والباحثين المعنيين بالشأن الأمريكي ومستقبل منطقة غرب آسيا في المرحلة المقبلة. ورغم الحجم الكبير للمعلومات والآراء التي تقدم خلال الحوارات والنقاشات التي تجري بين الأوساط الإسلامية، فالملاحظ أن معظم الآراء تتسم بالحذر والقلق، فما جرى في أفغانستان لا يزال يتسم بالغموض وعدم وضوح الرؤية، وهناك تساؤلات عديدة حول أداء حركة طالبان وعلاقتها بالقوى الدولية والإقليمية، وكذلك مدى قدرتها على تقديم نموذج جديد في حكم البلاد يأخذ في الاعتبار التنوع القومي والديني والمذهبي الداخلي ومصالح معظم القوى المؤثرة في البلاد.

وفي حين تخوفت بعض القيادات الإسلامية من تحول أفغانستان إلى ساحة جديدة للصراعات الداخلية والإقليمية والدولية، واستنزاف دول جوار أفغانستان في صراعات خطيرة، فإن بعض هذه القيادات دعت إلى تحويل فرصة الانسحاب الأمريكي من غرب آسيا إلى بداية مرحلة جديدة للتعاون الإقليمي والعربي والإسلامي، وإعادة ترتيب الأوضاع العربية والإسلامية من أجل استكمال الصراع ضد العدو الصهيوني والمشروع الأمريكي، واعتبرت هذه القيادات أن القمة الإقليمية والدولية التي عُقدت مؤخرا في بغداد في غياب الأمريكيين والتي ضمت أطرافا متنازعة في المنطقة؛ تشكل رسالة مهمة حول إمكانية التعاون الإقليمي والدولي بعيدا عن الهيمنة الأمريكية.

وتستشهد بعض القيادات الإسلامية في بيروت بالعديد من الدراسات والأبحاث التي تتحدث عن أفول أو تراجع الدور الأمريكي عالميا، وعن الفراغ الفكري والسياسي الحاصل دوليا في ظل ما تواجهه أمريكا وحتى المشروع الغربي العالمي من تحديات. ومن هذه الدراسات ما صدر مؤخرا عن المفكر الأمريكي فوكوياما والذي تحدث عن تراجع الهيمنة الأمريكية، وما قاله الوزير اللبناني السابق والخبير في الشؤون الدولية الدكتور غسان سلامة في حوار مع جريدة الأخبار اللبنانية "إننا نشهد أفولا لمركزية حضارة الرجل الأبيض"، مع أن الوزير سلامة لا يتوقع انسحابا أمريكيا من الشرق الأوسط في عهد جو بايدن.

كما يستعيد بعض الباحثين في بيروت ما نشر في كتاب مهم صدر قبل حوالي العام عن مؤسسة الفكر العربي تحت عنوان: "نهاية الزعامة الأمريكية"، وهو كتاب صادر بالفرنسية عن دار "la decouverte"، ويضم عددا من الأبحاث والدراسات حول الهيمنة الأمريكية في العالم وتطورها. وقد أشرف عليه المؤرخ دومينيك فيدال، والباحث في المعهد العالي للدراسات السياسية في باريس الدكتور برتران بادي.
مؤشرات مهمة عن تراجع الهيمنة الأمريكية في العالم، وتحول العالم إلى مرحلة جديدة تكون فيها للقوى الإقليمية والحركات والمنظمات المحلية أدوار مهمة في تشكل العالم في المرحلة المقبلة

وفي هذا الكتاب الاستشرافي مؤشرات مهمة عن تراجع الهيمنة الأمريكية في العالم، وتحول العالم إلى مرحلة جديدة تكون فيها للقوى الإقليمية والحركات والمنظمات المحلية أدوار مهمة في تشكل العالم في المرحلة المقبلة.

كما استعادت الصحافية اللبنانية منى سكرية دراسة مهمة أعدتها سابقا عن كتاب: "المستقبل الأمني للقوة الأمريكية في أفق العام 2025" لمؤلفه محمد خميس، وهو صادر عن المركز العربي للأبحاث وسياسة الدراسات في بيروت، ويستند الكتاب على تقارير النشريات الرباعية للدفاع والتي تصدر عن مراكز صنع القرار الأمريكية والتي تعتبر من الوثائق الرسمية.

ويخلص الكتاب للتأكيد على فشل كل التوقعات الأمريكية حول نتائج الحروب في أفغانستان والعراق، إضافة إلى الفشل في توقع أحداث 11 أيلول/ سبتمبر 2001، كما يتضمن الكتاب معلومات مهمة حول الخلل في أداء القوات العسكرية وأجهزة المخابرات الأمريكية، وكل ذلك يؤكد تراجع الدور الأمريكي العالمي وبروز قوى دولية وإقليمية ومحلية جديدة على المسرح العالمي.
نحن إذن أمام تطورات مهمة دولية وإقليمية في ظل التراجع أو الانسحاب الأمريكي من منطقة غرب آسيا، لكن السؤال الأهم: من يملأ هذا الفراغ؟

نحن إذن أمام تطورات مهمة دولية وإقليمية في ظل التراجع أو الانسحاب الأمريكي من منطقة غرب آسيا، لكن السؤال الأهم: من يملأ هذا الفراغ؟ وهل القوى الإقليمية كتركيا وإيران وباكستان ومصر وقطر والسعودية والعراق، والقوى المحلية الفاعلة كحركة طالبان أو حركة حماس أو حزب الله أو غيرها، قادرة على ملء الفراغ الحاصل؟ أم أننا سنشهد العودة إلى الصراعات الإقليمية والمذهبية والدينية؟ وهل سنكون أمام إمارة إسلامية في أفغانستان في مواجهة الجمهورية الإسلامية الإيرانية وغيرها من جمهوريات آسيا الوسطى؟ وأي دور للقوى الدولية الأخرى ولا سيما الصين والهند وروسيا في آسيا الوسطى وعلى الصعيد الدولي؟ وهل نحوّل التهديدات والتحديات الجديدة إلى فرص للنهوض والاستقلال الحقيقي وتفعيل قوى المقاومة؟ أم سنغرق في الصراعات فيما بيننا في حين يتفرج علينا الأمريكيون وهم مرتاحون لأنهم تخلصوا من عبء كبير في المنطقة والعالم؟

العالم يتغير، هذا ما يُجمع عليه الباحثون والمفكرون الغربيون والعرب والمسلمون، وهذا ما تراقبه وتلاحظه القوى والحركات الإسلامية وتدرسه بعمق وهدوء.

لكن الأهم؛ من يملأ الفراغ القادم: الفوضى والصراعات والحروب مجددا؟ أم مشروع إقليمي- دولي جديد يستعيد مناخات الحرية والاستقلال والمقاومة الحقيقية والتنمية وبناء دول المواطنة، وتقديم مشروع حضاري جديد للعالم قائم على الحضارة الإسلامية والقيم المشرقية؟

twitter.com/KassirKassem
التعليقات (0)