كتاب عربي 21

كيف خسر حزب "العدالة والتنمية" المغربي ولماذا؟

ياسر الزعاترة
1300x600
1300x600

شخصيا لم تفاجئني أبدا الخسارة الأخيرة لحزب "العدالة والتنمية" في المغرب، وإن توقّعت أن يتواضع النظام في الأمر، ويمنحه ما يحفظ بعض ماء الوجه، لكن الأنظمة لا تفكر على نحو صائب في كثير من الأحيان.


تبدأ قصة الحزب من محاولة مجموعة من الشباب تأسيس مسار سياسي "إسلامي" مستلهما تجارب المشرق العربي، بعد تجربة عنيفة عابرة تمثّلت في حركة "الشبيبة الإسلامية" بقيادة عبد الكريم مطيع، والتي تم استئصالها بعد اتهامها باغتيال نقابي يساري (عمر بنجلون) 1975، الأمر الذي كان نوعا من الرد على صعودها الكبير في الأوساط الشبابية، بخاصة في الجامعات.


دخل أولئك الشباب السجن، ثم خرجوا منه، ليبدؤوا تجربة جديدة تحاكي تجارب المشرق؛ في الانخراط في العملية السياسية، بما تيسر، وفق نهج "الإصلاح"، الأمر الذي وصل بعد سنوات (من "الجماعة الإسلامية" ثم "حركة التوحيد والإصلاح") إلى صيغة الاندماج في حزب كان موجودا بقيادة عبد الكريم الخطيب، وصولا إلى وراثته، والشروع في المشاركة في الانتخابات، والحصول على نتائج متدرجة؛ بدأت عام 1997 بـ(4%)، وانتهت إلى حصة كبيرة في العام 2011 (27%)، ثم (32%) في 2016، وترؤس حكومة ائتلافية؛ بدءا بعبد الإله بنكيران حتى 2017، ثم سعد الدين العثماني.


كان تعاطي منظومة الحكم مع التجربة متسامحا إلى حد ما؛ لا لشيء، إلا بسبب الحاجة إلى ذلك، لأن الحركة الإسلامية الأكبر في البلاد (العدل والإحسان)، كان لها رأي آخر في نهج التغيير، إذ رفضت المشاركات الانتخابية التي لا تغير في طبيعة النظام الذي يتحكم به (المخزن)؛ بتعبير المغاربة، أي الملك ومن حوله، وما زالت على هذا الرأي حتى الآن، ولو قبلت الدخول في مسار "الإصلاح" التقليدي، ودخلت الانتخابات، لكانت حصة "العدالة والتنمية"، وحاضنته "حركة التوحيد والإصلاح" أقل بكثير مما كانت عليه طوال الوقت.

والحال أن من الصعب القول إن مسار الحركة، ومن ثم الحزب كان خاطئا، فقد كانت تجتهد وفق المتاح في ذلك الحين، وتقيس على تجارب آخرين في المشرق

والحال أن من الصعب القول إن مسار الحركة، ومن ثم الحزب كان خاطئا، فقد كانت تجتهد وفق المتاح في ذلك الحين، وتقيس على تجارب آخرين في المشرق، ممن اعتبروا أن ذاك هو السبيل لإعادة الهوية الإسلامية للمجتمعات، وطريقا نحو الإصلاح التدريجي؛ وإن بقيت الدولة ومؤسساتها الأهم بيد النظام القديم.


لم يكن في وارد النظام الذي يمسك بتلابيب السلطة كاملة؛ بدولتها العميقة، وبما دون ذلك أيضا، أن يصل الأمر حد قيادة "العدالة والتنمية" للحكومة، لكن ما دفع إلى ذلك هو تحوّل مفاجئ أصاب المجال العربي برمته، وتمثّل في "الربيع العربي" الذي بدأ في تونس ثم مصر، واجتاح عدة دولة، وبرزت مؤشرات عديدة على أنه لن يتوقف.


استوعب النظام المغربي الأمر في مواجهة شارع بدأ التحرك، وبقيادات مختلفة؛ تصدّرتها حركة "العدل والإحسان"؛ الأقوى والأكثر حضورا وتنظيما، فكان أن قبل بحصول "العدالة والتنمية" على حصة كبيرة تزيد عن ربع البرلمان، وصولا إلى تشكيل حكومة ائتلافية.


نفتح قوسا كي نشير إلى أن البعض سيستغرب حديثنا عن إرادة الدولة أو النظام في المنع والمنح، وفي سياق عملية ديمقراطية. وهنا نقول إن الانتخابات في العالم العربي وفق منظومة "ديمقراطية الديكور" المتوفرّة منذ عقود، لم تكن تعني ديمقراطية حقيقية، بل هي ديمقراطية مبرمجة؛ إن بشكل غير مباشر عبر قوانين الانتخاب وآلياته، أم عبر التدخل المباشر في العملية (التلاعب)، وصولا إلى تحديد حصص الأحزاب، بل حتى هويات الفائزين من داخل كل حزب أحيانا، كما كان يحدث في مصر والأردن واليمن والجزائر وعدد من الدول الأخرى.


في المحصّلة كان "ربيع العرب" هو السبب في النقلة التي حصل عليها "العدالة والتنمية"، إذ سعى النظام إلى تجنب الخيار الآخر الذي حدث في تونس ومصر واليمن وليبيا وسوريا، وكان يتحرّك نحو محطات أخرى، لولا نجاح "الثورة المضادة"، والتدخل الإيراني في سوريا، بجانب الأجواء الدولية المساندة لمحاصرته وصولا إلى ضربه.


في 2017، وحين كان "الربيع العربي" يدخل مرحلة التقهقر، فرض النظام في المغرب على الحزب أن يبعد رئيس الحكومة والحزب (عبد الإله بنكيران)، ويضع سعد الدين العثماني مكانه، وكان السبب هو أن الأول كان قويا، وسعى إلى انتزاع صلاحيات أكبر مما يريد النظام، وبدأت يحصد جماهيرية واسعة تبعا لذلك، وهو ما منح الحزب نتيجة أفضل في انتخابات 2016.


جاء العثماني على أنقاض بنكيران، وكان عليه أن يرفض ذلك، ومن ورائه الحزب، فيما كان "ربيع العرب" يزداد تقهقرا، وتتقدم "الثورة المضادة"، وإن ظهرت تجليات جديدة، كما في السودان والجزائر؛ كانت خواتيمها بائسة أيضا، وأصبح العثماني عمليا صورة باهتة لرئيس حكومة محدود الصلاحيات، ويضطر إلى تنفيذ ما يريده النظام على كل صعيد، وليست قضية التطبيع، سوى الفصل الأخير من المسار الذي انقلب من خلاله الحزب على أدبياته المنحازة تماما إلى القضية الفلسطينية، تماما كما هو حال الجمهور المغربي، وأضف إلى ذلك قضيتي الفرنسية في التعليم، وتشريع "القنب الهندي"، بجانب عملية إفشال ممنهجة في الجانب الاقتصادي والحقوقي، في ظل رئيس وزراء ضعيف، ولا يتحكّم بأهم وزرائه الذين يستمدون قوتهم من "المخزن".


نفتح قوسا كي نقول إن حشر الخسارة بقضية التطبيع، لا صلة له بالمنطق، لأن الفائزين في الانتخابات أكثر انحيازا للتطبيع من الحزب، لا سيما أن رافضي التطبيع، وكل ديمقراطية الديكور إياها، لا يذهبون إلى الانتخابات أصلا، والقول إن 50 في المئة شاركوا في الانتخابات لا يقنع أحدا، ويعرف الجميع الآليات التي يتم من خلال رفع النسب والتلاعب بها في كل الدول التي تتبع ذات المسار.


خسارة الحزب، والحالة هذه، لها بُعدان: يتعلق الأول بإرادة النظام تحجيمه دون شطبه تماما، فيما يتعلق الثاني بيأس الناس من مساره في إصلاح النظام الذي يعيش أزمات كبيرة، بخاصة على صعيد الاقتصاد، فضلا عن الخيارات الأخرى داخليا وخارجيا، وآخرها التطبيع الذي تورّط الحزب في تمريره بطريقة غبيّة.

والخلاصة أن منح الحزب فرصة الصعود كان بقرار من النظام؛ فرارا من تداعيات "ربيع العرب"، فيما كان تحجيمه نتاج شعور بالأمان بعد نجاحات "الثورة المضادة"

والخلاصة أن منح الحزب فرصة الصعود كان بقرار من النظام؛ فرارا من تداعيات "ربيع العرب"، فيما كان تحجيمه نتاج شعور بالأمان بعد نجاحات "الثورة المضادة"، وفي الجزء الثاني من السيناريو تم توريطه في سياسات تحرقه شعبيا (سبق ذكرها)؛ الأمر الذي سهّل تجريعه الخسارة؛ وإن كانت مبرمجة في جزء منها دون شك، ودليل ذلك أن كل عاقل يعرف أن "المخزن" هو أصل البؤس، أكثر من أي طرف آخر، فكيف يعوّل الناس على أحزاب تأتمر بأمره؟!


تلك ليست نهاية "الإسلام السياسي" في المغرب، كما يعتقد من تتملكهم العقدة؛ ليس فقط لأن الحركة الأكبر التي تمثل التيار (العدل والإحسان) ما زالت قوية، وإن لجمتها الأجواء الإقليمية الصعبة، بل أيضا لأن الحزب نفسه، وحركته الحاضنة، لن يغيبا أيضا، بل ربما شكّل ما جرى فرصة لإعادة ترميم المسار، بعيدا عن مشاكل المشاركة في سلطة شكلية لا تمنح أي فرصة للإصلاح.


"الإسلام السياسي" ما زال هنا في المغرب، وفي شتى الأقطار، ونعيه لا يعكس سوى قصر نظر في فهم مجتمعاتنا، لا سيما أن فشل الأنظمة ما زال يتصاعد يوما إثر آخر، بخاصة على الصعيد الاقتصادي، فضلا عن السياسي بمساراته الداخلية والخارجية. كما يعكس ذلك النعي خللا في فهم موازين القوى المتغيّرة في عالم يعيش مرحلة انتقال تاريخية محورية، ستكون لها تأثيراتها على الأوضاع الداخلية في العالم العربي.

5
التعليقات (5)
عماد
الثلاثاء، 14-09-2021 04:24 م
"لعل أكبر ما جنى على الحزب محاولة استرضاء أصحاب القرار بأي ثمن ونسيان انتظارات من صوت لصالحه،" حسب المتدخل عبد الله ما سمي في تونس "سياسة التوافق " التي أصبحت سياسة النفاق . الأولى حسب رأيي المتواضع كيف اوجه التدخل الخارجي الذي يمسك بقواعد اللعبة باسم حقوق الإنسان وحرية التعبير ... وهو في الحقيقة يساند بياديقه !
الواثق بالله
الأحد، 12-09-2021 12:53 م
في نهاية عام 1991 ، فازت الجبهة الإسلامية للإنقاذ "التي اعترفت بها الحكومة الجزائرية رسميا في 6 سبتمبر 1989" في الانتخابات التشريعية بأغلبية ساحقة وصلت إلى 82% بـ 188 مقعد من أصل 231 . إلى جانب الصحافة ، كنت متابعاً لإذاعات لندن و مونت كارلو الفرنسية و صوت أمريكا . قال بعض السياسيين و المحللين الغربيين أن هؤلاء "أصوليون مسلمون متعصبون " ركبوا موجة الديمقراطية و فازوا في انتخابات سوف يمنعون تكرارها أي أنها ستكون آخر انتخابات تجري في الجزائر ! و قال بعضهم أن تلك الجبهة استغلت الدين لفرض استبداد ثيوقراطي معادي للغرب "الحر الليبرالي الديمقراطي" ! . كالعادة ، استبد الغضب برئيس فرنسا حينئذ "ميتران" و قام بالتهديد بإعادة احتلال الجزائر لأنها ستكون مصدر خطر على فرنسا و أوروبا و الغرب عموماً ! كانت النتيجة أن قام عسكر الجزائر بإلغاء نتائج الانتخابات ، و دخلت الجزائر بعدها ب "عشرية سوداء" جرى فيها قتل ما يزيد عن 250 ألف جزائري و كانت الخسائر المالية بمليارات الدولارات . منذ ذلك الوقت و حتى اليوم لم تستعد الجزائر عافيتها و سارت من سيء إلى أسوأ. من أثاروا الناس و من قاموا بالتهييج و بالشحن الحاقد ضد أمتنا كانوا " مفسدين و ضالين مضللين " بالضبط و من تبعهم سار في سبيل الفساد و قام بقتل العباد و تدمير البلاد . كان يمكن أن لا تكون في الجزائر "عشرية سوداء" لو كان هنالك تريث و بعد نظر و معرفة حقيقية بواقع أمتنا و دين الرحمة الذي تعتنقه . نحن قوم أبعد ما يكون عن التوحش الغربي الذي تجلى في الحروب الاستعمارية و بالحربين العالميتين ، و لو كانوا عقلانيين منطقيين موضوعيين لما رأوا في أمتنا انعكاس صورة توحشهم الذاتي . على أي حال ، ها هو حزب العدالة و التنمية في المغرب "المحسوب على الإسلام السياسي" دخل بالصندوق "أي الانتخابات" و خرج بالصندوق من دون زوابع و أعاصير و لو صبروا على محمد مرسي في مصر لكان ممكناً أن يخرج بالصندوق كما دخل به و لو أعطيت جبهة الإنقاذ في الجزائر الفرصة لدخلت و خرجت بالصندوق . هذا الغرب الذي يزعم أنه " فهمان" هو في الحقيقة قليل الفهم لعقليات أمتنا و ما ترسخ لديها من سلوكيات . كان لدينا 5 مذاهب فقهية و على رأس كل مذهب إمام يحترم بعضهم البعض و يحبون بعضهم و يتنازلون لبعضهم و ما كان لديهم من أحقاد سوى ما اخترعته إيران الفارسية نتيجة طمع قوميين عنصريين بإعادة إحياء الإمبراطورية الفارسية فقالوا "يا لثارات الحسين" و نحن لم نقل مطلقاً "يا لثارات عمر" المغتال - رضي الله عنه – على يد مجرم مجوسي فارسي قبل ذلك بسنوات . المعذرة على الإطالة ، لكن الموضوع بالغ الأهمية .
عبد الله
الأحد، 12-09-2021 10:23 ص
لعل أكبر ما جنى على الحزب محاولة استرضاء أصحاب القرار بأي ثمن ونسيان انتظارات من صوت لصالحه، وهذا النهج بدأ مع بنكيران، الذي قال ذات مرة: لقد رفعت من الأسعار ووجهي أحمر…الفرق الوحيد بينه وبين العثماني أن الأول كان يبصم على قرارات الحكام الحقيقيين ويحدث صخبا وجلبة بتبريراته وشعبويته ، فيما كان الثاني يبصم صامتا…كل هذا أدى لحالة من خيبة الأمل والشعور بالخذلان تراكمت شيئا فشيئا وبلغت ذروتها بعد أن لم يعد من الممكن تبرير ما لا يمكن تبريره حتى لدى قواعد الحزب.
متابع
الأحد، 12-09-2021 07:15 ص
ما هذا الاسلام السياسي الذي يبيح زراعه الحشيش و يطبع ؟ حتى فيفي عبده رفضت التطبيع فكان على الاقل ان يكونوا بمستواها !!! كما يبدو التيار الاسلامي في المغرب يضرب بانغو لذلك اختلطت عليه الامور !!!
Jordan the hope
السبت، 11-09-2021 12:43 م
لما أمن النظام أن التآمر والتواطئ على ثورة العرب رجحت نكث النظام عهده وزور الانتخابات. لا داعي لتعقيد الأمور. لكن لكل أجل كتاب. انتظروا انا معكم منتظرون