قضايا وآراء

الناشط الحقوقي عبد الفتاح السيسي!

أسامة جاويش
1300x600
1300x600
لو أنك بدأت بمتابعة الأوضاع الداخلية في مصر مطلع الأسبوع الماضي فقط، لوصلت إلى خلاصة مفادها أن مصر يحكمها ناشط حقوقي من أشد المدافعين عن حقوق الإنسان، اسمه عبد الفتاح السيسي.

الجنرال العسكري الذي قتل من المصريين ما قتل، وحبس منهم الآلاف وشرد آلاف الأسر في الداخل والخارج على مدار السنوات السبع العجاف التي حكم فيها البلاد، خرج هذا الأسبوع على غير العادة ليعطينا دروسا وعبرا تخص احترامه لحقوق الإنسان في مصر.

"أنا مش عاوز المصريين يقلقوا أو يحسوا بأي انتهاك لحقوق الإنسان في مصر".. هكذا ناشد السيسي الشعب المصري، موضحا احترامه الكامل وعمله الدؤوب من أجل احترام حقوق الإنسان المصري أو هكذا يزعم.

في الأسبوع نفسه، خرج السيسي علينا معلنا ما أسماه الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، ومصرحا ببعض التصريحات التي فهم منها أنها دعوة للحوار مع المعارضة، وفي القلب منها جماعة الإخوان المسلمين، ثم أنهى السيسي ظهوره المتكرر للحديث حول حقوق الإنسان بمداخلة تلفزيونية مع أحد أذرعه الإعلامية، ليبشرنا بأكبر مجمع سجون على الطريقة الأمريكية.

هل تغير السيسي بالفعل؟ وهل تاب الجنرال وأناب بعد سنواته الدموية في حكم البلاد؟ ولماذا يظهر الرجل بهذا الشكل الإعلامي المكثف للحديث عن ملف حقوق الإنسان؟

السر يكمن هناك في البيت الأبيض، بايدن وما أدراك ما بايدن بالنسبة للسيسي ونظامه.. الإدارة الأمريكية الجديدة ربطت جزءا من مساعداتها العسكرية لمصر بمدى احترام السيسي لحقوق الإنسان وبمدى جديته في التعاطي مع هذا الملف. ربما كانت هذه هي المرة الأولى منذ سنوات التي يتعرض فيها السيسي لإحراج مباشر من الإارة الأمريكية في ما يخص المساعدات العسكرية، التي يعتبرها السيسي معيارا واضحا لمدى اعتراف الإدارة الأمريكية الجديدة بوجوده وبما يفعله من سياسات.

هناك ضغوط كبيرة من الكونجرس الأمريكي على إدارة بايدن لاتخاذ إجراءات أكثر صرامة ضد السيسي ونظامه في ما يتعلق بملف حقوق الإنسان. السيسي يعلم ذلك يقينا، وجماعات الضغط التي استأجرها لتحسين صورته في الولايات المتحدة، تعلم أيضا أن سنوات الدلال والدعم أيام ترامب قد ولت وذهبت إلى غير رجعة، والقادم قد يكون أسوأ للنظام المصري.

السيسي يوجه رسائل للإدارة الأمريكية بأنه يحاول حلحلة ملف حقوق الإنسان وسيقوم بتغييرات حقيقية من أجل ذلك، وفي الوقت نفسه، السيسي سيسافر قريبا للولايات المتحدة لحضور اجتماع الأمم المتحدة وسيلقي هناك كلمة، وسيلتقي على الهامش ببعض الرؤساء والصحفيين أيضا، وربما تتم مواجهته ببعض الأسئلة المتعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان في مصر، فلا يريد الرجل أن يذهب خالي الوفاض.

المشكلة الحقيقية التي ستواجه السيسي هذه المرة، هي إجاباته السابقة عن ملف حقوق الإنسان، التي عكست ضحالة في الفكر وعدم فهم لماهية حقوق الإنسان التي يجب عليه احترامها.

في مؤتمر صحفي سابق مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أجاب السيسي على سؤال يخص انتهاكات حقوق الإنسان في مصر؛ قائلا بأن حقوق الإنسان تشمل التعليم والصحة والإسكان، وأن مصر لا يوجد فيها أي تعليم أو صحة أو إسكان جيد. إجابة السيسي آنذاك كشفت للعالم طبيعة فهمه العسكري لأي سؤال يتعلق بحقوق الإنسان، فالرجل لا يعترف بحرية التعبير أو حرية الصحافة والإعلام، ولكنه في الوقت نفسه يعطينا دروسا ومحاضرات في حرية الاعتقاد وعدم ضرورة التقيد باعتناق الأديان.

اللافت أن السيسي نفسه لا يعترف أصلا بمفهوم المعتقلين السياسيين، ففي لقاء تلفوني له مع شبكة سي بي أس الأمريكية في برنامج "60 دقيقة" مع المذيع سكوت بيلي، قال السيسي؛ إن مصر ليس لديها أي معتقل سياسي، وإنما هم مجرمون يحاكمون بموجب القانون على ارتكابهم جرائم جنائية. وهذا إشكال كبير في طبيعة المعادلة وآليات التعامل مع عقلية عسكرية كهذه.

الناشط الحقوقي عبد الفتاح السيسي، عليه أن يحفظ درسه جيدا هذه المرة وأن يلقنوه إجابات منطقية أكثر؛ لأن هذه المرة ستكون الأسئلة مختلفة والتعاطي مع ما يقوم به الرجل تحت أنظار العالم أجمع، فإما أن ينجح السيسي في كذبة جديدة يكسب بها عاما آخر ويستمر في قمعه للشعب المصري، وإما أن الرجل سيرضخ للضغوط الكبيرة التي يتعرض لها في الآونة الأخيرة، وربما نشهد انفراجة ولو بسيطة في ملف حقوق الإنسان في مصر.

twitter.com/osgaweesh
التعليقات (0)