صحافة دولية

موسى قلعة الأفغانية تلوم الناتو بينما جلبت طالبان بعض الراحة

يتذكر السكان ضحايا القصف الأمريكي- جيتي
يتذكر السكان ضحايا القصف الأمريكي- جيتي
تناولت صحيفة الغارديان البريطانية ما تعرضت له منطقة موسى قلعة، التي كانت بمثابة العاصمة لحركة طالبان منذ سيطرتها عليها عام 2015، وحتى دخول كابول الشهر الماضي، وكيف يتذكر الناس القوات الأجنبية.

وقالت مراسلة الصحيفة إيما غراهام-هاريسون في تحقيق مطول إن المنطقة كانت قبل عام 2015 محور قتال عنيف مع القوات البريطانية والأمريكية لأكثر من عقد من الزمان، بما في ذلك "حصار مرير" تعرض له 88 جنديا بريطانيا عام 2006 ولنحو شهرين، وهو ما أطلق أول مفاوضات دولية لوقف إطلاق النار مع طالبان، ليتمكن الجنود البريطانيون بعدها من الانسحاب في شاحنات لنقل الماشية، وهي عملية وصفها وزير الدفاع البريطاني حينها بأنها "مبدعة".

وتقول الصحيفة إن "الذكريات تغوص عميقا، ولكنها ليست جيدة. هنا قتل على الأقل 23 جنديا بريطانيا وأربعة جنود أمريكيين وهم يقاتلون باسم أفغانستان أفضل ومسالمة".

وقالت المراسلة إن معظم الناس الذين قابلتهم في زيارتها إلى المدينة يوجهون اللوم فقط إلى قوات حلف شمال الأطلسي، بعدما قتل العديد من الأفغان في تلك المعارك.

وأشارت المراسلة إلى أنه بعد 15 عاما من الوجود الأجنبي وست سنوات من حكم طالبان، "لا تزال المدينة والمناطق المحيطة بها بلا كهرباء ولا طرق معبدة، وهناك عدد قليل من المدارس، للذكور فقط".

وقالت المراسلة إن سكان المنطقة أعربوا عن "امتنانهم للأمن الذي حققه انتصار طالبان على الصعيد الوطني، وهو سلام غير متوقع ويتجاوز بكثير الهدوء المزعج لسيطرة طالبان السابقة والذي تخلله تفجيرات وغارات ليلية"، حيث تمكن الناس من العودة إلى حقولهم مع موسم القمح، كما أنه بات من الاعتيادي مشاهدة السيارات والتراكتورات التي تسير ليلا، وهو كان أمرا خطيرا سابقا.

وأضافت المراسلة أن "السلام الذي وضع حدا لاستخدام الدروع البشرية، كان له ثمن".

وعلى عكس المدن الأخرى، فقد أشار التحقيق إلى أن سيطرة طالبان على موسى قلعة "لم تجرد المرأة من أي حقوق يمكن أن تتمتع بها. إذ إن الضوابط القمعية التي تمارسها الجماعة على النساء (..) مستمدة من التقاليد المحلية المحافظة بشدة". فعلى سبيل المثال لم تكن هناك أي مدرسة للفتيات في المنطقة، وليس هناك نساء يعملن خارج منازلهن باستثناء بعض الخدمات المنزلية بعيدا عن الرجال.

وكانت موسى قلعة من أكثر المناطق التي شهدت معارك في أفغانستان، وحتى بعد توقف الحرب البرية وانسحاب القوات الأجنبية الأولى ثم الأفغانية، من قواعدها، استمرت العمليات الجوية.

وقد أدت الغارات الجوية إلى مقتل مدنيين بانتظام، الأمر الذي كانت عادة ما تنكره القوات الأفغانية والأمريكية، ولم يكن الأمر يحظى بالتغطية الإعلامية ما لم يكن حدثا كبيرا مثيرا للصدمة.

فقبل عامين حدثت مذبحة في قرية الشواهرز في منطقة موسى قلعة، حيث أصابت الغارات الجوية حفل زفاف وقتلت فيه العديد من الأشخاص.

وتقول مراسلة الصحيفة إنها زارت موقع الغارة وشاهدت علامات تركها السكان، مثل صينية معدنية استخدمت في حفل الزفاف؛ تركت معلقة على شجرة. لكن وبخلاف غارات أخرى اضطرت الولايات المتحدة فيها للاعتراف بخطئها، فإنه لا توجد تسجيلات فيديو لحفل الزفاف في موسى قلعة، حيث تقول الولايات المتحدة إنها استهدفت "إرهابيين من القاعدة"، وإن غالبية الضحايا سقطوا بسبب أسلحة مقاتلي القاعدة أو ستراتهم الناسفة.

وتنقل عن عبد الخالق منتظر، وهو الآن قائد في شرطة المدينة وكان قاتل القوات البريطانية والأمريكية، أنه استدعي إلى موقع غارة أخرى في ذات الليلة التي استهدف فيها حفل الزفاف، حيث قتل أربعة أشخاص. وقال إنه سحب أوصال جثة من تحت الأنقاض، حيث دفن الضحايا في قبر جماعي.

ويقول منتظر إنه "حدث في مرات عديدة وفي أعقاب مثل هذا الهجمات المأساوية؛ أن الناس يأتون للانخراط في صفوف طالبان".

وذكرت الصحيفة أن مثل هذا المكان يحمل ألما مرتبطا بشكل خاص بالقوات البريطانية، فمخلفات مهمتها ما زالت تشاهد في موسى قلعة، وهي تعكس فقط الحزن والتشتت للعائلات.

وتقول صفية (40 عاما) وهي أرملة، إن القوات الأجنبية "أنفقت المال وقتلت الكثير من الناس"، مضيفة أنهم "لم يتركوا شيئا سوى الذكريات المريرة".

وترفض لوم طالبان، وقالت إنه عندما جاءت القوات الأجنبية إلى موسى قلعة لم يكن هناك قتال في المنطقة. وترى أنه لو تم إنفاق 5 أو10 في المئة من تكاليف الحرب على المستشفيات والمدارس لكان قد تغير الحال في أفغانستان. وقالت إنها ترحب بعودة الغرب للعمل مع طالبان، "لقد جلبوا المروحيات والطائرات لمهاجمتنا، الآن عليهم أن يحضروا البلدوزرات للمساعدة في إنشاء الطرق".

وقالت امرأة مسنّة إن السكان كانوا ينتظرون كل ليلة الطائرات والمسيّرات التي كانت تقوم بدوريات، لكن الآن ينامون ويستيقظون في الصباح الباكر دون سماغ هدير الطائرات.

وتنقل عن عبد الولي (40 عاما) أنه شارك في لقاءات مع القوات البريطانية لدى وصولها إلى المنطقة، حيث إنه يتحدث القليل من الإنجليزية، وقد صدّق وعودها بجلب الأمن، "لكن بدلا من ذلك قتلوا شعبنا ولن نسمح لهم بالعودة".

وفي ظل اليأس والفقر، يقول معظم الناس إنهم يريدون عودة الأجانب، ولكن مع المساعدات وليس مع الأسلحة.

ويقول أحد السكان في موسى قلعة: "نعرف طالبان، هم لا يملكون المال، وما زلنا نزودهم بالطعام". وقال شخص آخر: "لم نتوقع أي مساعدة من طالبان، فقد أخذت 1200 طرد لإطعام جنودها".

لكن هذا السلام كان له ثمن. ويقول محلل درس طالبان على مدى سنوات، إن حكمهم في ولاية هلمند كان قاسيا، مع جهد محدود لكسب السكان المدنيين مثلما فعلوا في مناطق أخرى من البلاد. ذلك أن الكثير من الناس انتهوا إلى حقيقة أنهم كانوا "أقل وحشية" مما كانوا عليه عندما سيطروا سابقا، حيث يشعرون (الناس) بأنهم محظون إذا استخدمت طالبان ألغاما محسنة.
التعليقات (0)