كتاب عربي 21

تجديد للدين أم تأميم وتبديد؟!.. المواطنة من جديد (70)

سيف الدين عبد الفتاح
1300x600
1300x600
ينشغل المنقلب السيسي بالظاهرة الدينية انشغالاً كبيرا، كما يحرص على أن يكون لنظامه ومنظومته ظهير ديني، ويدلي بدلوه في الأمور الدينية في أي مناسبة يشارك فيها سواء دينية أم لا. وهو في ذلك يحرص على أن يقدم رؤيته الخاصة بشأن هذه الظاهرة، والتي تقوم على ثلاثة تصورات للدين الإسلامي، أو إن جاز التعبير ثلاثة "إسلامات": إسلام دولة، وإسلام فرد، وإسلام جماعات.

فـ"إسلام الفرد" يتعايش - في ظل معتقداته - مع أشياء ولا يجادله أحد. و"الفرد" أيسر في التناغم مع "نسق الدولة"، بعكس "المجموعة" ذات "الفكرة والعقيدة الواحدة". أما "إسلام الجماعة" فهي حرة في أفكارها، لكن إشكاليتها في محاولة إجبار الناس على فكرها. أما "إسلام الدولة" - تطبيقاً على مقولة "النسق الفكري والعقائدي" - فهو غير إسلام الفرد وإسلام الجماعة؛ "إسلام الدولة" أكثر اتساعاً ومرونة "لأن حجم الاجتهاد ضخم" ولا يضر.

يرى السيسي أن الخلط بين نسق الفرد ونسق الجماعة ونسق الدولة هو "سبب ما نحن فيه حالياً": فقد جعلوا - أي التيار الإسلامي - الناس ترى أن الإسلام عبارة عن تخريب وتدمير، وأساءوا إلى صورة الإسلام حالياً في العالم بالقتل، والدم، والتخريب.. في المقابل يحاول أن يقدم رؤية مناقضة لذلك؛ يعبر عنها بخطاب ديني إيماني يتعلق بتقواه وخوفه من الله تعالى ومن لقائه، ويصرح بأن قدوته النبي صلى الله عليه وسلم، وصحابته الذين يقتدي بهم في رشدهم في فهم صحيح الدين.

ومن ناحية أخرى يؤكد أن الصراع في مصر "سياسي لا ديني"، ومن ناحية ثالثة، يعتبر السيسي الدين والعقيدة واحدا من عناصر قوة مصر الناعمة إلى جوار الثقافة والحضارة.. بمثل الطريقة العلمانية التي سادت "الدولة المصرية" خلال العهود السابقة.

كما يستعرض السيسي رؤيته لإسلام الجماعة، بإشارته إلى أن مؤسسة الرئاسة دخلت في معاداة مؤسسات الدولة: الجيش، والشرطة، والقضاء، والإعلام، قائلا: "قلنا للرئيس من أول يوم: لا بد أن تحتوي "الناس"، لا تعاد مؤسسات الدولة، ويذكر مرارا وتكرارا نصائحه التي وجهها لقيادات جماعة الإخوان؛ مشيرا إلى أنه قال للكتاتني (أحد قادة جماعة الإخوان): يجب "أن تحلوا مشاكلكم مع القضاء والكنيسة والأزهر والإعلام والقوى السياسية والرأي العام". وقال للمهندس خيرت الشاطر: "أنتم عايزين تحكمونا.. يا تموتونا"، "أنتم خربتم البلد.. وأسأتم للدين". ويقول: في خطاب الرئيس مرسي الأخير "ابتسمت بسبب الخضوع لأوامر مكتب الإرشاد دون مراعاة مصالح الدولة"، وقلت لنفسي: "خلاص هما كده بيهددوا الشعب".

ويصور السيسي مشهد 3 تموز/ يوليو بوصفه "المشهد الجامع الذي عكس بوضوح تحالف القوى الوطنية لتنفيذ الإرادة الشعبية": يجب ألا تتعرض البلاد لخطر، هذا واجب وطني ومسؤولية دينية، و"أي دعوة لإسقاط الجيش والشرطة تؤدي إلى إزهاق أرواح أعداد ضخمة من البشر.. من يتحمل هذه المسؤولية أمام الله؟.. لا بد أن نكون منصفين في كلامنا، لأننا سنقف أمام الله وما حدش وقتها ها يعرف يلف ويدور". تراق دماء في صراع على السلطة، وتحقيق مصالح فئة تستخدم هذا الدم.. وتوظيفها لاستقطاب واستدعاء "الخارج" لتهديد "الدولة المصرية"..

هذه هي "الدولة المصرية" في نظر السيسي، وفي قلبها القوات المسلحة التي يقف هو على رأسها. دولة ما قبل ثورة يناير، بمؤسساتها، ونسق تفكيرها، بشرطتها وقضائها وإعلامها، بإسلامها الوسيع المرن، الداخل في معنى "الاجتهاد"، المغاير لإسلام الفرد (الشخصي والخاص)، والمفاصل لإسلام الجماعة (الحركي والتنظيمي).. هذه الدولة التي لن يستطيع أي تيار أو فكر أن يديرها إلا إذا تنازل لها عن نسقه الفكري والعقائدي، وبالأخص التيار الديني الإسلامي.

هذه "الدولة" ونسقها الفكري لا يمكن أن "تُعادَى" ولا تنفع معها الثورة ومقولات التطهير والتغيير، غاية المراد - إن كان هناك ضرورة - أن يأخذ الإصلاح "مداه الزمني"؛ أي لا يصلح معها سوى نهج "إصلاحي تدريجي"، والطريف أن هذا هو عين ما أخذه الثوار والقوى الثورية على الرئيس مرسي والإخوان المسلمين؛ أنهم ليسوا ثوريين، وأن إصلاحيتهم تعني "تصالحهم" مع الدولة العميقة؛ الأمر الذي يشي بتضارب جذري في معسكر الانقلاب، وميله إلى المحافظة على موروث مبارك، ومن ثم قيادة ثورة مضادة على ثورة يناير بأخطر معنى لكلمة "ثورة مضادة".

وصورة الدولة التي يريدها القائد العسكري هي الدولة التي تتحالف فيها السلطات ولا تعرف مفهوم "الفصل"، وتتكفل المؤسسة العسكرية بأدوار الحماية والحَكَم وصنع التوازنات وفق رؤيتها، وأخطر من كل ذلك وضع الأسس الفكرية والعقائدية السياسية لهذه الدولة، والوطن ومعناه، والتعامل المباشر مع "الإرادة الشعبية" والتعبير عنها ولو في صورة انقلاب إذا لزم الأمر. إنها دولة المؤسسات المتحالفة مع المؤسسة الصلبة: العسكر.

هذه الدولة بتحالفها السداسي: "العسكر- الشرطة- المخابرات- القضاء- الإعلام- رجال الأعمال" وما يلحق بها من صلات مع ثلاثي "المؤسسة الدينية، القوى العلمانية المثقفة والسياسية، ثم المجتمع المدني ومنظمات فيه"، بالإضافة إلى الصلات الإقليمية والدولية، كل هذا التشكيل يمثل "الحلف المقدس" لدى السيسي، والذي يجب أن يقف حائط صدّ أمام محاولات التغيير من خارجه، سواء من قبل التيار الديني الإسلامي (الإصلاحي)، أو التيار الشبابي التغييري الثوري، متبنيا استراتيجية فك ارتباط الناس بالدين، حريصا في محاولته على تأميم والتحكم في كامل مساحة الرؤية الدينية والتعبير عنها كيفما يريد.

وقد أوضح ذلك في تصريحاته الأخيرة بمناسبة إطلاق استراتيجية حقوق الإنسان في مصر، على ما يؤكد أحد الباحثين أنها استراتيجية مخادعة تخفي خلفها فوضى تحطيم أسس وثوابت أساسية في المجتمع، مثل الدين وثورة يناير ومؤسسة الأزهر، وذلك وفق ما أوضح في تصريحاته على هامش حفل إطلاق الاستراتيجية؛ بقوله: "احترام الاعتقاد أو عدم الاعتقاد، نعم أحترم عدم الاعتقاد.. لو واحد مش مسلم ولا مسيحي ولا يهودي ولا أي دين في الدنيا هو حر، الأصل في الموضوع هو الحرية، حرية المعتقد، ربنا كفلها لنا، تؤمن أو لا تؤمن".

تجديد الخطاب الديني عند السيسي هو القيام بثورة دينية لتحقيق تصوراته عن الدين، والتي تستهدف الترويج لتصوراته الخاصة القائمة على القطع مع القيم والمرتكزات الدينية المستقرة لصالح قيم ومرتكزات جديدة تشكل "رؤية سيسية" للدين، إذا ما تمكنت سترسخ في المجتمع مسألة فك الارتباط، على الرغم من أن خطابه لا يقول ذلك، ولكن نتيجة سياساته الدينية ستنتج علاقات وقيم ومرتكزات جديدة تشكل ملامح الرؤية العامة لتصورات السيسي الدينية؛ التي يدعمها بسياسات على المستوى الدولي والإقليمي.

دائما ما يحرص السيسي في المناسبات الدينية على توجيه النقد لعالم المسلمين وممارساتهم، والترويج في هذا المقام ضمن خطابه وعلاقاته مع الغرب أن الخطاب الإسلامي لا يزال يشكل مشكلة.. "خلوا بالكم من خطباء المساجد"، "الإسلام السياسي مصدره واحد"، كما يربط ذلك باستراتيجيته في ما يتحدث عنه بمواجهة الإرهاب المحتمل؛ بتصنيف الإخوان كجماعة إرهابية ويحث الدول الأخرى على أن تتبنى ذات موقفه في هذا الشأن، في الوقت نفسه يغذي من ظاهرة "الإسلاموفوبيا" بتهوينه من كافة المسائل التي تتعلق بانتهاكات المسجد الأقصى، وكذلك تجاهله تماما لموقف الرئيس الفرنسي من الرسومات الكاريكاتورية التي تسخر من مقام النبوة.

يتبين من هذا الاستعراض لتلك الرؤية في المسألة الدينية كما يحتكرها السيسي؛ أنه يريد أن يفرض رؤية بعينها تمثل ما يمكن تسميته دين السلطة وتـأميم كل ما يتعلق بالدين والظاهرة الدينية، وقصر المسألة التي تتعلق بتسييس الدين على نظامه وسلطانه، ويجعل من تلك المنطقة محتكرة له "ممنوع الاقتراب" منها إلا أن يكون من مدخله أو يشكل ظهيرا لرؤيته تلك، كل ذلك تحت عنوان "مراعاة حرية المعتقد والتجديد الديني"، وهو في حقيقة الأمر ليس إلا تأميما للدين وتبديدا لا تجديدا، ولكنه في حقيقة الأمر ينال مشككا من حرية المواطن في ممارسة دينه وشعائره، وكل ما يتعلق بالدين في هذا المقام.

twitter.com/Saif_abdelfatah
التعليقات (1)
ابوعمر
الخميس، 30-09-2021 08:01 ص
.....لو أعلم أن هؤلاء(الحكام الأعراب وجنرالاتهم) يعبدون الله رب العالمين....الذي أعبده وأخضع له ركوعا وسجودا وتشهدا......لأعلنت الخروج من هذا الدين وأتخذت دينا لايقبل بهؤلاء الهمجيون الأعراب فادة الارهاب والهمجية وعداوة البشر