مقالات مختارة

اليوم العالمي لحقوق الإنسان: الحرية شرط للأمن

سعيد الشهابي
1300x600
1300x600

هل كان الأمر صدفة أن يدعو الرئيس الأمريكي لعقد ما أسماه «قمة الديمقراطية» ليتزامن مع اليوم العالمي لحقوق الإنسان؟

برغم ارتباط القضيتين بشكل وثيق في ذروة التغني الغربي بهما خلال الحرب الباردة كواحد من أسلحة الصراع الأيديولوجي مع الاتحاد السوفياتي، فقد تم الفصل بينهما بشكل واضح في العقود الأخيرة. ولا يدرك هذه الحقيقة إلا المناضلون من أجل الإصلاح السياسي في الدول التي يعتبرها «العالم الحر» صديقة. فما إن يطرح النشطاء دعوتهم للتغيير السياسي والتحول الديمقراطي، حتى يواجهوا بجواب ثابت: نحن مهتمون بقضايا حقوق الإنسان، أما التغيير السياسي فلسنا معنيين به.

وتجاوز الأمر ذلك، حتى أصبح زعماء الغرب يتجاهلون المعتقلين السياسيين من الناحية العملية، ويندر أن يواجهوا أصدقاءهم باللوم أو الشجب حتى عندما يرتكبون أبشع الجرائم. وبشكل تدريجي أصبح شعار سياسيي «العالم الحر»؛ إننا نتعامل مع الأنظمة القائمة، وتغييرها ليست مسؤوليتنا. وهذا أمر صحيح من ناحية، لأن من يسعى لإصلاح النظام السياسي في بلاده، يُفترض أن يمارس وطنيته بوضوح ويرفض أي تدخل خارجي في الشؤون الداخلية. لكن ذلك لا يمنع توفير الدعم السياسي والإعلامي لدعاة الإصلاح السياسي، كما لا يمنع أحرار العالم من رفع أصواتهم ضد الاستبداد والديكتاتورية أينما كانت. ففي القرن الحادي والعشرين يُفترض ألا يكون هناك وجود للأنظمة الديكتاتورية والشمولية، وأن يُحترم الإنسان وإرادته وحقوقه، ولا يُحرم حق المشاركة في إدارة شؤون بلاده وممارسة حقه السياسي بشكل كامل.

اعتاد النشطاء الحقوقيون الاحتفاء بالعاشر من كانون الأول- ديسمبر من كل عام كيوم عالمي لحقوق الإنسان. وتعددت مظاهر ذلك الاحتفاء: فمن عقد المؤتمرات والندوات، إلى إصدار البيانات ونشر التقارير الحقوقية، إلى التغريد والبث عبر وسائل التواصل الاجتماعي. وعاما بعد آخر يتضاعف الاهتمام بهذا اليوم، بل بلغ الأمر أن يتسابق الجلاد مع الضحية في إظهار الاهتمام بالموضوع الحقوقي في ذلك اليوم. فماذا يعني ذلك؟ الأمر المؤكد أن حقوق الإنسان لم تتطور ولم تتحقق لها حماية حقيقية من النظام السياسي العالمي، بل تحولت تدريجيا إلى شعار يرفعه الجلاد كما يرفعه ضحاياه. وبذلك تم إفراغ المفهوم من محتواه. فما أكثر المنظمات غير الحكومية (الحكومية) التي تؤسسها الأنظمة القمعية ضمن سياسة التذاكي والتضليل. فإذا كانت شعارات ما بعد الحرب العالمية الثانية التي دعت لعالم آمن وديمقراطي يعيش مواطنوه ضمن منظومة حقيقية تحميهم من الاضطهاد والانتهاكات الحقوقية كافة؛ كالاعتقال التعسفي والتعذيب والإبعاد وسحب الجنسية، فقد تم إفراغ هذه المبادئ من محتواها وأصبحت تُستخدم من قبل الأنظمة على نطاق واسع للتصدي لدعاة الإصلاح والتحول الديمقراطي ونشطاء حقوق الإنسان.

ومن المؤكد أن يتسابق أشد الأنظمة قمعا وانتهاكا للاحتفاء باليوم العالمي لحقوق الإنسان، وسيصدر الكثير من الزعماء بيانات أو تعليقات تؤكد «احترامهم» المنظومة الحقوقية، وسيستعرضون عدد المنظمات «الحقوقية» التي أسسوها، مع أن الهدف الأساسي من ذلك توفير حماية دعائية للنظام السياسي وإخفاء جرائمه. وهكذا أصبح إنسان القرن الحادي والعشرين يعيش حالة من الاضطهاد والقمع غير مسبوقة في العصور السابقة، حتى في بلدان «العالم الحر». ففي هذه البلدان أصبح المواطن أسيرا بشكل كامل للمصارف وشركات بطاقات الائتمان، وكذلك للحكومات التي شرعت أنظمة دعم اجتماعي، تمنع المواطن عمليا من ممارسة حقه السياسي بشكل حقيقي ضمن سياسة تشويش معقدة، وفرضت قوانين تقلص الحريات العامة تحت شعارات شتى على رأسها «مكافحة الإرهاب».

السؤال هنا: هل يمكن فصل التطور الحقوقي عن التطور السياسي؟ بمعنى هل يمكن حماية حقوق الإنسان واحترامها من قبل الأنظمة الديكتاتورية؟ هل يمكن أن يسمح الديكتاتور بالحريات العامة؟ هل يستطيع مواطن في ظل نظام استبدادي أن يتفوه بكلمة ناقدة؟ أو يشارك في تظاهرة أو احتجاج وإن كانا سلميين؟ ويمكن القول باستحالة توفر الإنسان على الأمن من العقوبة في ظل نظام سياسي ديكتاتوري. ومن خلال التجربة، كان واضحا أن المنظومة السياسية الغربية منذ بداية القرن الحالي قد تراجعت كثيرا في مجالي الديمقراطية وحقوق الإنسان. فأصبح قادة دول «العالم الحر» لا يتأففون من سماع أنباء الاضطهاد الذي يتعرض له النشطاء المطالبون بالحرية والتحول الديمقراطي. بل إن بعضهم هرع لمساعدة «الأصدقاء» في تصديهم لمعارضيهم، وزودوهم بأدوات وأساليب متطورة للتشويش والتضليل والتحايل والخداع، وتبقي الشعار الحقوقي مع إفراغه من محتواه. وما جرى في السنوات العشر الأخيرة من قمع غير مسبوق في الدول العربية، خصوصا التي شهدت ثورات خلال الربيع العربي، يؤكد حالة النفاق السياسي التي يعيشها العالم. وكانت أمريكا بشكل خاص أكثر الدول التي صمتت على القمع الرهيب من قبل أنظمة «صديقة» مثل مصر والسعودية والبحرين والإمارات و«إسرائيل». لذلك يصعب الحكم على دوافع الرئيس الأمريكي جو بايدن لعقد القمة الديمقراطية هذا الأسبوع. فهل حقا تغيرت أمريكا وسياساتها؟ هل ستتطرق القمة التي لم تُدع لها أية دولة عربية سوى العراق لحالة الاستبداد التي تعيش في ظلها الشعوب العربية؟ هل ستعتبر القمة الملف الحقوقي الأسود للكيان الإسرائيلي سببا لإلغاء التبجح بأنه النظام «الديمقراطي» الوحيد في الشرق الأوسط؟ كيف يمكن المواءمة بين «الديمقراطية» الإسرائيلية المزعومة والملف الحقوقي الموغل في السواد مع الشعب الفلسطيني؟ لماذا الصمت الدولي على الانقلاب العسكري الأخير في السودان؟ وقبل ذلك في تونس؟ ولماذا يغيب الدعم الحقيقي للمضربين عن الطعام في سجون الدول «الصديقة» كإسرائيل والبحرين؟ لماذا السكوت على المشروع النووي الإسرائيلي، في الوقت الذي تتعرض فيه البلدان العربية والإسلامية للضغوط المتواصلة لمنع تطورها في مجال التكنولوجيا النووية؟
برغم ما سبق، يجب الاعتراف بأهمية إبقاء المنظومة الحقوقية قائمة وفاعلة، مع تأكيد عدد من الحقائق: أولها ضرورة ممارسة العدل والحياد في التعاطي معها، ثانيا: عدم السماح للمال أو النفوذ السياسي أو الانتماء الأيديولوجي بعرقلتها أو المساومة عليها أو استخدامها سلاحا موجها ضد طرف دون آخر. ثالثا: الاستيعاب العملي لحقيقة مهمة: استحالة حماية حقوق الإنسان في ظل الأنظمة القمعية والاستبدادية والشمولية؛ لأن وجودها أساسا يناقض أسس المنظومة الحقوقية ويصادر الحريات العامة. رابعا: أن التغيير السياسي ضرورة لحماية المنظومة الحقوقية التي تمثل نصف المشكلة وليس كلها. خامسا: إذا كان هذا العالم جادا لحماية حقوق الإنسان، فإن الأمر يقتضي إيجاد آليات دولية فاعلة تردع منتهكيها أيا كان موقعهم. هذا يعني إعادة تشكيل مجلس حقوق الإنسان بما يتيح له إصدار قرارات ملزمة للدول التي تنتهك تلك الحقوق، إذ إنه يفتقد القدرة على تفعيل قراراته. ومن الآليات مثلا إحكام علاقة مجلس حقوق الإنسان بمجلس الأمن الدولي، لإضفاء شيء من الجدّية على قرارات الأول، وجعل زيارة الخبراء الخاصين التابعين للأمم المتحدة أمرا ملزما للدول، وتوسيع وتسهيل فرض العقوبات على الدول الأشد انتهاكا لحقوق الإنسان، وتفعيل قانون ماغنيتسكي الذي يقضي بفرض عقوبات على منتهكي حقوق الإنسان في أنحاء العالم. ويمكن كذلك إنشاء محكمة دولية للنظر في القضايا المتعلقة بانتهاك حقوق الإنسان، على أن يكون الوصول إليها ميسرا لضحايا القمع السلطوي. فإذا كان العالم جادا في التصدي للانتهاكات، فعليه أن يتخذ خطوات عملية رادعة، وعدم تحويل المنظومة الحقوقية إلى مشروع دعائي فارغ المحتوى. فما أكثر الذين يئنون تحت وطأة التعذيب والمعاملة الحاطة بالكرامة الإنسانية. وما أبعد الكثير من الدول عن روح الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي أقرته الدول الأعضاء بالأمم المتحدة عام 1948.

 

القدس العربي


1
التعليقات (1)
مواطن عربي
الإثنين، 06-12-2021 05:27 ص
حقوق الإنسان في بعض الدول العربية والإسلامية هي نوع من الترف الغير ضروري ابدأ بل انتهاك حقوق الإنسان في بعض الدول العربية الخليجية هو نوع من الاستقواء على الوافدين أنا مواطن عربي فلسطيني جئت إلي بلد وآلله أن حكامه من أعدل حكام العرب وشعب عربي أصيل طيب يختلف عن باقي شعوب المنطقة وقمت بتاسيس شركه وعملت فيها بجد واجتهاد حتي وقعت ضحية أحد كبار رجال شرطة هذا البلد واستولي علي شركتي وبدون اي أخلاق توجهت إلى ديوان البلاط السلطاني وقدمت شكوي واستمعوا لي بكل ايجابيه ولم يتم شئ بعد طول إنتظار وكان من حسن حظي أن استطعت لقاء السلطان قابوس بن سعيد قابوس رحمه الله وأسكنه فسيح جناته وقدمت له مظلمتي ووعدني خيرا وهو رحمه الله معروف عنه أنه لا يظلم عنده اخد مهما كان الطرف الآخر وتفاصيل كثيره لا يوجد مساحه لسردها لكن حتي يومنا هذا لم استرد حقوقي رغم طلب السلطان قابوس رحمه الله وأسكنه فسيح جناته بانصافي لكن من أمرهم بذلك لم يقوموا بأي جهد لرد الحقوق وهذا هو مايجري ويجعل البعض يظن أن الحاكم هو الظالم لكن الظالم الحقيقي هو المسؤول الذي لا يراعي ضميره هذه واحده من اكبر انتهاكات حقوق الإنسان للاسف الشديد