كتاب عربي 21

هل تعود تركيا إلى سياسة تصفير المشاكل؟

إسماعيل ياشا
1300x600
1300x600
قام رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان، الاثنين، بزيارة العاصمة القطرية الدوحة، تلبية لدعوة أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، للمشاركة في الاجتماع السابع للجنة الاستراتيجية العليا بين البلدين. وشهدت الزيارة التي استغرقت يومين، توقيع 15 اتفاقية تعاون في مختلف المجالات.

العلاقات التركية القطرية استراتيجية، ومبنية على أسس قوية، كما تتطابق مواقف أنقرة والدوحة من معظم القضايا الإقليمية والدولية. وشهدت العلاقات التركية القطرية خلال السنوات الأخيرة تطورات مهمة عززت التقارب بين البلدين، ولعل أبرز تلك التطورات وقوف قطر إلى جانب الحكومة التركية المنتخبة والرئيس أردوغان خلال محاولة الانقلاب الفاشلة التي قام بها ضباط موالون لجماعة كولن في 15 تموز/ يوليو 2016، ووقوف تركيا إلى جانب الدوحة والشيخ تميم بن حمد آل ثاني في محاولة حصار قطر وخنقها في حزيران/ يونيو 2017.

زيارة أردوغان للدوحة كانت ذات أهمية، وما زاد تلك الأهمية مجيئها بين زيارتين مثيرتين؛ أولاهما الزيارة التي قام بها ولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد قبل أسبوعين للعاصمة التركية أنقرة، وثانيتهما زيارة أردوغان المرتقبة في شباط/ فبراير المقبل للعاصمة الإماراتية أبو ظبي. ويبعث توقيت الزيارة رسالة مفادها أن ترميم العلاقات التركية الإماراتية لن يكون على حساب العلاقات التركية القطرية القوية.
تثير كل هذه التصريحات علامات استفهام حول مغزاها، ويطرح هذا السؤال نفسه: "هل تعود أنقرة إلى تصفير المشاكل في سياستها الخارجية؟"

رئيس الجمهورية التركي في مؤتمر صحفي عقده في "مطار أتاتورك" قبيل مغادرته إلى قطر؛ ذكر أن أنقرة تعمل على تطوير علاقاتها مع كافة دول الخليج العربي، مرحِّبا بـ"الجهود الدبلوماسية الرامية إلى إعادة فتح أبواب الحوار بالخليج وإزالة سوء الفهم". وأكد في كلمته التي ألقاها أمام الجنود الأتراك بالقاعدة التركية في الدوحة، أن "جميع شعوب الخليج هم إخوة حقيقيون لتركيا، بغض النظر عن أصولهم أو مذاهبهم أو معتقداتهم".

وسبق أن شدد أردوغان على حرص أنقرة على الارتقاء بالعلاقات مع كل من السعودية ومصر. وتثير كل هذه التصريحات علامات استفهام حول مغزاها، ويطرح هذا السؤال نفسه: "هل تعود أنقرة إلى تصفير المشاكل في سياستها الخارجية؟".

سياسة تصفير المشاكل مع الجيران ودول العالم تبدو هدفا نبيلا، إلا أنها غير واقعية ولا يمكن تحقيقها، بل تؤدي إلى التخلي عن الحقوق والمصالح إن تحولت هذه السياسة إلى الهدف المنشود بعينه، في ظل تضارب مصالح الدول وسياساتها. وهناك مشاكل مستعصية لا يمكن حلها بمجرد حسن النية والحوار والمجاملات، وبالتالي، لا يصح وصف توجه أنقرة الأخير بـ"العودة إلى سياسة تصفير المشاكل".

أنقرة تبدي منذ فترة طويلة رغبة في ترميم علاقاتها مع الرياض والقاهرة، وترى أن تركيا أقرب إلى السعودية ومصر من اليونان والقبارصة الروم، نظرا للأواصر التاريخية والمصالح المشتركة. وتتوافق هذه الرغبة مع اعتقادها بأن الدول الإسلامية ودول المنطقة يجب أن تحل مشاكلها بنفسها عبر الحوار دون تدخل القوى الخارجية وتوظيفها لتخدم مصالحها. وتعلن رغبتها هذه بين الحين والآخر، كما جاء في تصريحات أردوغان الأخيرة، لتؤكد أن أبوابها ما زالت مفتوحة لـ"من يريد أن يأتي البيوت من أبوابها"، إلا أنها لن تقبل بالتأكيد استغلال هذه الرغبة الصادقة في ابتزازها.
القيادة التركية ترى أن عالما آخر يتشكل بعد جائحة كورونا، في ظروف مختلفة عما قبلها، وتسعى إلى مواكبة هذا العالم الجديد كي لا تفوت البلاد القطار. وتتطلب هذه الرؤية مراجعة السياسة الخارجية، كما تجعل التغيير الجذري في السياسة الاقتصادية أمرا لا مفر منه لضمان نجاح الرؤية

التغيرات الدراماتيكية التي تشهدها الساحتان الدولية والإقليمية تفرض على الدول مراجعة حساباتها من أجل حماية أمنها ومصالحها القومية، وتصبح إعادة ترتيب الأولويات وفقا لتلك المتغيرات أمرا ضروريا. ومن المؤكد أن الدول التي تنجح في قراءة الأوضاع والتطورات، واستشراف مآلاتها بشكل صحيح، وتبادر في التأقلم معها دون تأخر، هي التي ستستفيد أكثر من المعادلات الجديدة وستخرج من الأزمات بأقل الخسائر.

القيادة التركية ترى أن عالما آخر يتشكل بعد جائحة كورونا، في ظروف مختلفة عما قبلها، وتسعى إلى مواكبة هذا العالم الجديد كي لا تفوت البلاد القطار. وتتطلب هذه الرؤية مراجعة السياسة الخارجية، كما تجعل التغيير الجذري في السياسة الاقتصادية أمرا لا مفر منه لضمان نجاح الرؤية والوصول إلى أهدافها. وبالتالي، يمكن القول إن لغة الحوار والانفتاح التي تتبناها أنقرة في سياستها الخارجية، ورغبتها في ترميم العلاقات المتدهورة مع بعض الدول وإدارة الأزمات مع بعضها الأخرى، مكمِّلة لسياستها الاقتصادية الجديدة المبنية على زيادة الإنتاج والتصدير، وخلق فرص عمل جديدة، وجلب مزيد من الاستثمارات إلى البلاد.

twitter.com/ismail_yasa
التعليقات (2)
عبدالله المصري
الأربعاء، 15-12-2021 11:57 ص
من حق تركيا ان تبحث عن مصالحها لكن عليها ان يظل لها قيم عليا و بناء على تلك القيم تتخذ مواقف و الا مالفرق بين تركيا و مافيا السيسي اما عن تصفير المشاكل فهذا يوجد في الجنة فقط حيث لا شر هناك
الواثق بالله
الأربعاء، 08-12-2021 05:15 م
سياسة "صفر مشاكل " مع الآخرين هي نظرية مثالية و ليست واقعية عملية و خاصة في عالم اليوم الذي يسود فيه "حق القوة " و لا تسود فيه "قوة الحق" و يتبنى فيه الأقوياء مادياً مبدأ أن السياسة عديمة الأخلاق و أن "الغاية تبرر الوسيلة" . لا توجد في الدنيا حالياً دولة كبرى يمكن وصفها بأنها "قوة أخلاقية" بل الموجود "قوى كبرى لا أخلاقية" . منذ أن كنت صبياً ، تربيت من الوالدين – رحمهما الله - على عدم إيذاء الآخرين و تجنب المشاكل مع الناس بالقول أو بالعمل "أي صفر مشاكل !" لكن أحد أساتذتي الأفاضل ، في نهاية المرحلة المدرسية و قبل الالتحاق بالجامعة ، استغل آخر حصة ليفاجئ زملائي و أنا بأننا سوف ننتقل إلى مرحلة – الجامعة ثم الوظيفة - مليئة بالذئاب البشرية و أوصانا بتوخي الحذر. كنت أتذكر كلماته باستمرار حين كنت أتعرض لسلبيات من أشخاص أو جهات مصابين بعمى "القوة الغاشمة" ، و كنت أتجنب إعطائهم أي مبرر للإضرار بي . ازدادت معاناتي في آخر وظيفة عملت فيها ، حيث كان رأس الهرم فيها طاغية مستبداً عدائياً حقوداً مدعوماً يعتقد أن البشر – تحت أمرته - قد خلقهم الله ليكونوا عبيداً له . بعد أن تقاعدت ، حصل عندي ارتياح نفسي نسبي و لكنني لم أستطع نسيان ما تعرضت له من عذاب كثير طويل في قلعة الفساد التي توظفت فيها. يومياً ، أستعمل أفتك سلاح ضد من عادوني و آذوني و ظلموني و تآمروا عليَ و تجسسوا عليَ و اختلسوا من حقوقي المالية بالباطل ، و هذا السلاح هو "الدعاء إلى الله تعالى". يقول الحديث النبوي الشريف "الدعاء سلاح المؤمن" خاصة عند عدم القدرة . أوردت القصة تلك لأقول أن تركيا كبلد تشبهني تماماً كرجل عادي . إنها بلد ممتاز في سلوكه مع الآخرين و لا يبادر هذا البلد بالعدوان على بلاد غيره و لا يضمر أي سوء نية تجاه أحد من خلق الله . لكن مع كل ذلك ، هنالك أشرار حاقدون مصابون بداء "كراهية تركيا" و من ضمن ذلك "كراهية أردوغان" . لا يريدون لتركيا أية إرادة في صناعة قراراتها المستقلة و لا يريدون لها التقدم حتى بجهودها الذاتية البحتة . يريدون من تركيا أن تكون في خانة العبيد و أن يمتلكوا السيادة عليها و يجعلوا أهلها مطايا لهم . زرت تركيا قديماً أيام حكم العسكر و تجولت في عدة مدن فيها و استمتعت بتلك السياحة كثيراً . الشيء الوحيد الذي قهرني هو : بينما كنت في مدينة إزمير الرائعة أتناول طعام السمك على شاطئها و أنا أنظر إلى البحر في عدة أيام ، رأيت قوارب و سفن تقترب و تبتعد و فيها أناس يضحكون . استفسرت عن الموضوع فقيل أن هؤلاء يونان و أن للقوم جزراً قريبة جداً من شواطئ تركيا ، و تابعت قصة تلك الجزر التركية و كيف ذهبت لليونان بالقوة و بالخداع و بالظلم . هل سياسيو الدول التي قامت بتجريد تركيا من جزرها لديهم أدنى خلق كريم أو منطق و لماذا يتمادون في ظلمهم هذا بكل عناد و إصرار على الباطل ؟ لو أعاد هؤلاء لتركيا حقوقها لقلنا أنهم يستحقون صفر مشاكل لكن نواياهم سيئة و لا يريدون تصفير المشاكل ما داموا يشعرون بأن لديهم قوة . اللهم أضعف قوة هؤلاء الأشرار المتكبرين الذين يعيثون في الأرض فساداً . آمين .