ملفات وتقارير

ما جدوى المبادرة الأممية للحل في السودان وفرص نجاحها؟

بيرتس رفض أن يكون لبعثته دور أكبر في الحل بالسودان معتبرا أنه يجب أن يكون داخليا- جيتي
بيرتس رفض أن يكون لبعثته دور أكبر في الحل بالسودان معتبرا أنه يجب أن يكون داخليا- جيتي

أعلن المبعوث الأممي إلى السودان، فولكر بيرتس، الاثنين، تفاصيل مبادرة الحل في البلاد "بسقف منخفض"، مؤكدا أن بعثته لن تقدم مشروعا ولا رؤية أو مسودة مكتفيا بدعوة لجمع الأطراف على طاولة الحوار، ما يثير تساؤلات حول جدواها وفرص قبولها.

 

وللوقوف على ذلك، فإن ردود الفعل الداخلية والخارجية تنعكس بشكل أساس على فرص المبادرة، فهي لقيت منذ الإعلان عنها قبل أيام ترحيبا دوليا وإقليميا حتى قبل الإعلان عن تفاصيلها، معبرين عن تفاؤل لحلحلة السياسة المستفحلة في السودان. 


أما داخليا، فانقسمت القوى السياسية السودانية بين مرحب ورافض وحتى مهاجم للمبادرة وسقفها المنخفض باعتبارها تكريسا للانقلاب، وأخرى وضعت شروطا.

تفاؤل و"فهم للواقع"

من جهته، قال المحلل السياسي السوداني، أمية يوسف أبو فداية، لـ"عربي21"، إنه "ربما يكون من الحصافة والذكاء أن بيرتس لا يقدم مشروعا كاملا وتفصيليا، وذلك حتى لا يجد نفسه أمام قبول طرف هنا ورفض طرف هناك".

 

وأضاف أن المبعوث قال إنه "سيجلس مع كل الفرقاء السياسيين، ومن يظن أنهم جزء من المشكلة ويستمع لهم ويدون نقاطهم حتى يعمل على تقريب لوجهات النظر بينهم ثم يدعو إلى حوار شامل، وفق ما يخرج به من توصيات".

 

وأوضح أن "دور الأمم المتحدة في السودان جاء وفق البندين السادس والسابع، بطلب رئيس الحكومة السابق عبد الله حمدوك، في 2020، لمساعدة السودان في عملية الانتقال بعد عزل نظام عمر البشير، والبعثة الأممية أتت وفق خطة معينة بعد طلب الحكومة السابقة".

واعتبر أنه "قد يكون ما طرحه هو الأفضل"، موضحا: "من الصعوبة أن يكون للبعثة الأممية دور أكبر في ظل تعقيد المشهد السوداني، فهي إذا حاولت أن تتدخل بشكل كامل، ووجدت رفضا، فإن ذلك قد يؤثر على أداء البعثة ككل، وقد تجد رفضا لها. وهي تريد أن تكون مقبولة لدى الجميع، ووسيطة بينهم كلهم".

وطلب حمدوك عام 2020 في خطاب إلى مجلس الأمن الدولي، إرسال بعثة سياسية خاصة تشتمل على مكون قوي لبناء السلام تحت الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة.

وأُنشئت بعثة الأمم المتحدة "يونيتامس" بموجب قرار مجلس الأمن الدولي 2524، البند السادس، وبطلب من الحكومة السودانية برئاسة المستقيل عبد الله حمدوك، لدعم الانتقال الديمقراطي، وباشرت مهامها منذ شباط/ فبراير 2020. 

وتتلخص مهامها في "المساعدة في تحول البلاد إلى الحكم الديمقراطي ودعم حماية وتعزيز حقوق الإنسان".

وحول شخصية المبعوث الأممي إلى السودان ودوره وثقله بالنسبة للأطراف السياسية، رأى أبو فداية أنه "لا أظن أن المبادرة تكون بناء على شخصية معينة، بل رؤية عامة كاملة بإطار الحل للوضع السوداني، المعقد جدا، فإذا تم الدخول بطريقة خاطئة في السودان، قد ترفض البعثة من فصيل كامل بحجة أنها داعمة لفصيل آخر وهكذا".

وعدّ "ميزة المبادرة أنها وجدت قبولا من أطراف عديدة"، مضيفا أن "السودانيين حتى الآن عاجزون عن الجلوس معا، وحمدوك قدم مبادرة في يوليو الماضي ثم في أكتوبر ولم تحققا أي نجاح، بالتالي أصبح هناك صعوبة بمكان أن يتم أي تحريك للوضع دون وجود شخصيات يمكن أن تحقق اختراقات كبيرة، لها قبول من طيف واسع".

 

وكان قال بيرتس الاثنين، إن الأمم المتحدة ستتشاور بشكل فردي مع كل الأطراف في المرحلة الأولى من المشاورات، حيث ستبدأ المشاورات بالاستماع لكل الفاعلين للتوافق على مختلف الآراء، مؤكدا أن الوقت حان للدخول في عملية تشاورية شاملة لحل الأزمة في السودان.

اقرأ أيضا: الأمم المتحدة تعلن تفاصيل مبادرة الحل في السودان (شاهد)

وبالفعل، رحبت العديد من القوى السياسية بدعوة المبعوث الأممي للحوار بين الفرقاء السودانيين. وكان أولها موافقة المجلس السيادي برئاسة الفريق أول عبد الفتاح البرهان على الدعوة. 

ورحبت أحزاب لم تكن جزءا من الحكومات السابقة للفترة الانتقالية، وعلى رأسها حزب المؤتمر الشعبي المنشق عن المؤتمر الوطني الذي حكم البلاد في عهد الرئيس عمر البشير بالمبادرة.

وكان الموقف إيجابيا من الأحزاب التي انضوت تحت قوى الحرية والتغيير، والأخرى التي تصف نفسها بـ"التصحيحية للثورة" كما سماها البرهان في 25 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.

رفض وتشاؤم


أما في المقابل، رفضت قوى أخرى المبادرة الأممية، وجاء أبرزها "تجمع المهنيين السودانيين" الذي ينسب له تنظيم الحراك في الشارع السوداني المعارض لحكم العسكر والمطالب بتسليم السلطة للمدنيين.

وسبق أن عد التجمع المبادرة الأممية "تطبيعا مع المجلس العسكري الانقلابي"، قائلا إن الحل يبدأ بإسقاط المجلس العسكري وتقديم أعضائه للعدالة.
 
وقال في بيان له، إن تحركات الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة ورئيس بعثة يونيتامس مثيرة للجدل ومفارقة للمهام الموكلة للبعثة التي يقودها.
 
وأكد التجمع "تمسكه الصميم باللاءات المعلنة (لا تفاوض، لا شراكة، لا شرعية) وتبنيه القاطع للأدوات المتنوعة التي أشهرها شعبنا في المقاومة السلمية حتى انتزاع سلطة الشعب المدنية الخالصة وتأسيسها على الشرعية الثورية".

 


موقف الحركات المسلحة

وانقسمت الحركات المسلحة التي ستشملها الدعوة الأممية للعملية السياسية. وجاءت الحركات المرحبة المنضوية تحت لواء الجبهة الثورية السودانية، وعلى رأسها الموافقة على اتفاق السلام مع الحكومة السودانية في جوبا: 
- الحركة الشعبية التي يرأسها عضو مجلس السيادة مالك عقار 
- حركة العدل والمساواة 
- حركة تحرير السودان بقيادة مني أركو مناوي

أما الحركات المعارضة فكانت من حركات الكفاح المسلح التي لا تزال تحمل السلاح ورفضت اتفاق جوبا: 
- الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة عبد العزيز الحلو 
- حركة جيش تحرير السودان بقيادة عبد الواحد محمد نور 


وقال رئيس جيش تحرير السودان، عبد الواحد محمد نور، اليوم الاثنين، إننا "لن ننخرط في أي مبادرة لا تؤدي إلى حكم مدني كامل وخروج المكون العسكري من المشهد".

وأضاف أن "الظروف غير مناسبة لإجراء حوار وطني في ظل استمرار آلة القمع والقتل من جانب السلطة".

وشدد على أنه "نرفض المشاركة في مبادرة الأمم المتحدة للحوار قبل إسقاط الانقلاب".

 

اقرأ أيضا: قتيل بقمع احتجاجات بالخرطوم عقب "مبادرة أممية" (شاهد)

من جهتها، رأت "خلود خير" في حديث مع "عربي21"، وهي الباحثة في مركز "إنسايت ستراتيجي بارتنرز" السوداني، إنه "قد لا يمتلك المبعوث الخاص المستوى المطلوب والمعرفة الكافية بالسياسية الداخلية للسودان للاستمرار قدما في حلحلة الأمور بين الأطراف المختلفة".

ولفتت إلى أن طبيعة اختيار شخصية المبعوث الأممي الحالي قد تكون مؤشرا على أن المجتمع الدولي لا يريد أن يتدخل بشكل مباشر في الحل السياسي في السودان، فهو لا يملك ما يكفي لدفع الأطراف إلى مشروع معين أو توقيع مسودة معينة، سوى الدعوة للحوار.

وأكدت أن التفاصيل ما تزال قليلة حول المبادرة الأممية، مضيفة: "علاوة على ذلك، لست متفائلة جدا بشأن العملية". 

 

وقالت: "أعتقد أن هناك نقصا في التزام الأمم المتحدة بالعملية السياسية، وهي تعتمد على عدد قليل جدا من الفاعلين الدوليين. وسبق أن ذكرت وكالة رويترز أن مهمة البعثة الأممية ستعتمد بشكل كبير على السعودية والولايات المتحدة، ولم تظهر أي منهما حتى الآن التزاما بالحكم المدني، بما يتماشى مع ما تريده الجماعات المؤيدة للديمقراطية".


وأضافت منتقدة المبعوث الأممي، بأنه "فقد الكثير من مصداقيته مع الشارع السوداني، بعد دعم اتفاق 21 تشرين الثاني/ نوفمبر، وإخبار السودانيين بضرورة دعمها، على الرغم من أنها كانت اتفاقية معيبة للغاية".

 

ولفتت إلى أن رفض قوى الحرية والتغيير وتجمع الأحزاب السياسية ولجان المقاومة هذه المبادرة الأممية، يأتي لأسباب منها أنها تشعر بأنها لم تتم استشارتهم، وأن المجلس الأعلى لا يريد الدخول في مفاوضات مع الجنرالات".

 

وقالت إن هذا الموقف "يجب احترامه. ويجب أن يقاس التزام الجنرالات بهذه المبادرة بمستوى قمع الدولة الذي يسمحون به أثناء الاحتجاجات. ولكن في احتجاج يوم الأحد، بعد إعلان المبادرة مباشرة، مارست قوات الأمن قمعا عنيفا ضد المتظاهرين. وهذا لن يبني الثقة في عملية يؤيدها جنرالات العسكر".

وعطّل البرهان في 25 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي استكمال انتقال السلطة إلى المدنيين عبر اعتقال رئيس الوزراء عبد الله حمدوك وغالبية القادة المدنيين وتعليق عمل مجلس السيادة، وقام بعدها بإعادة حمدوك الذي استقال مؤخرا.

ورغم تعهد البرهان بإجراء انتخابات عامة في منتصف 2023 استمرت الاحتجاجات على الانقلاب، وعلى التسوية التي وافق بموجبها حمدوك على العودة إلى منصبه في 21 تشرين الثاني/ نوفمبر وهو ما رفضه المتظاهرون.

والأسبوع الماضي، أعلن حمدوك استقالته مؤكدا أنه حاول إيجاد توافقات لكنه فشل، وحذر من أن البلاد تواجه "منعطفا خطيرا قد يهدد بقاءها" وأنه كان يسعى إلى تجنب "انزلاق السودان نحو الهاوية".

ويعقد مجلس الأمن الدولي الأربعاء اجتماعا مغلقا غير رسمي للبحث في آخر التطورات في السودان، على ما أعلنته مصادر دبلوماسية الجمعة الماضي لوكالات الأنباء.

0
التعليقات (0)