مقابلات

رامي شعث لعربي21: أدعو العالم لإنهاء أزمة معتقلي مصر

رامي شعث - عربي21
رامي شعث - عربي21

ما حدث معي كان إجبارا وابتزازا رخيصا بشكل غير إنساني حتى أتنازل عن الجنسية المصرية


وُلدت لأبوين مصريين ولم أستخرج أوراق الجنسية الفلسطينية إلا في عمر 23 عاما

 

المعارضة المصرية على اختلاف أطيافها موجودة داخل السجون أو مختبئة خلف الأبواب خوفا من القمع


من أصعب ما تعرضت له حينما تم اقتيادي لأحد أقبية المخابرات ووجدت هناك امرأة وأطفالها


الاقتراب من العمل السياسي أصبح "جريمة كبرى".. وكل محاولات الإصلاح أو التغيير أدت إلى الاعتقال


الصوت العالي هو القادر على إخلاء سبيل المعتقلين ولا يجب أن يحدث ذلك بصورة فردية فهناك 60 ألف معتقل


آمل أن يدرك النظام أن الحل الوحيد لإنهاء الأزمة هو إطلاق سراح المعتقلين وفتح المجال العام

قال الناشط السياسي البارز، رامي شعث، إنه ملتزم بالدفاع عن قضية المعتقلين السياسيين، وتحسين حقوق الإنسان في مصر، وإنه سيواصل حراكه ونضاله في هذا الصدد، داعيا المجتمع كله إلى "الالتفاف حول هذه القضية، واعتبارها قضية قومية لإنهاء أزمة أكثر من 60 ألف شخص في سجون النظام".

وأشار، في الحلقة الأولى من مقابلته الخاصة مع "ضيف عربي21"، إلى أن قضية المعتقلين هي "المدخل لكل أنواع التغيير أو التعديل أو التطور أو النمو في البلاد"، مضيفا: "سيستمر خطابي موجّها للداخل المصري، وللغرب الداعم للنظام السياسي. أما عن تفاصيل دوري المقبل بشكل محدد فهي لا تزال في طور البحث والدراسة".


وأوضح "شعث" أن من أصعب المواقف التي تعرض لها خلال فترة اعتقاله حينما تم اقتياده من السجن إلى "أحد الأقبية داخل مقر المخابرات العامة، وهناك مكثت بالقرب من زنزانة كانت تُحتجز فيها سيدة بأطفالها الثلاثة، وكانت المرأة في حالة انهيار تام وكامل، وبتُ أتساءل عن الجرم الذي ارتكبته حتى يؤتى بها وبأطفالها الصغار لمثل هذا المكان؟ وكيف وصل الأمر بهم إلى فعل ذلك؟".

وأكد أن "المعارضة المصرية على اختلاف أطيافها موجودة داخل السجون أو مختبئة خلف الأبواب، بسبب القمع، خاصة أن كل محاولات الإصلاح أو التغيير أدت إلى السجون والاعتقال أو حتى الموت"، مشدّدا على أن "الاقتراب من العمل السياسي في مصر الآن أصبح (جريمة كبرى) يمكن أن تدمر حياتك وتقضي على مستقبلك، وبالتالي فالمعارضة الآن في حالة ضعف شديد نتيجة للقمع المستمر وغير المسبوق".

وتاليا نص الحلقة الأولى من المقابلة الخاصة مع "ضيف عربي21":

كيف تابعت ردود الفعل المختلفة التي أعقبت قرار الإفراج عنك مؤخرا؟

كانت مفاجأة سارة عندما عرفت أنه كانت هناك حملة كبيرة للمطالبة بالإفراج عني اشترك فيها آلاف البشر، كما شعرت بمدى تحملي المسؤولية أكثر تجاه زملائي ورفاقي الذين ما زالوا في المعتقلات.

ما أصعب موقف تعرضت له خلال فترة اعتقالك التي امتدت لنحو عامين ونصف العام؟

كل المواقف التي تعرضت لها خلال تلك الفترة صعبة جدا، بداية من اللحظات الأولى لاعتقالي من المنزل، والذي صحبه شعور بعدم الأمان حينما دخل عشرات المسلحين منزلي بعد منتصف الليل، ثم السطو على الأمتعة والاستيلاء على الأجهزة والمعدات، حتى الهاتف، وبعض الكتب.. كل ذلك دون أي وجه حق، ودون دليل اتهام.

أيضا من أصعب المواقف: ترحيل زوجتي من مصر، وهدم بيتي، ولحظة دخول قوات الأمن المنزل بمدافعهم الرشاشة بكل عنف ووقاحة.

أما أصعب ما تعرضت له خلال فترة السجن فهناك الكثير من المواقف، منها: معايشة لحظات وفاة العديد من الزملاء؛ فقد توفي خلال جائحة كورونا سبعة أشخاص من العنبر الذي كنت مُحتجزا به بسبب الإهمال الطبي، ولحظة وفاة زميل آخر داخل إحدى زنازين "التأديب" التي مكث فيها قرابة الأسبوعين حيث الظلام الدامس، والبرد لعدم وجود نوافذ.

ومن اللحظات الصعبة أيضا خلال المرحلة التي سبقت الإفراج عني، حين تم اقتيادي من السجن إلى أحد الأقبية داخل مقر المخابرات العامة، وهناك مكثت بالقرب من زنزانة كانت تُحتجز فيها سيدة بأطفالها الثلاثة، والذين تتراوح أعمارهم بين 3 و7 سنوات تقريبا - بحسب ما سمعت من أصواتهم – وكانت المرأة في حالة انهيار تام وكامل، وبتُ أتساءل عن الجرم الذي ارتكبته تلك المرأة حتى يؤتى بها وبأطفالها لمثل هذا المكان؟ وكيف وصل الأمر بهم إلى فعل ذلك بحق امرأة وأطفالها؟ وحاولت طمأنتها عبر طرقي على أحد حوائط الزنزانة، ولم أستطع معرفة سر هذه المرأة أو كيفية إنقاذها.. فكانت هذه لحظات عصيبة للغاية.

عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، محمد أنور السادات، قال إنك تنازلت "طواعية" عن الجنسية المصرية، وأن الدولة المصرية كانت تشعر أن الجنسية التي تم منحها لك وللأسرة كان فيها نوع من المجاملة.. ما تعقيبكم؟

هذا كلام خارج المنطق ولا علاقة له بالحقيقة مع الأسف؛ فالوالد حصل على الجنسية المصرية في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، ولم تكن مجاملة على الإطلاق، وذلك خلال فترة تواجده بالولايات المتحدة لنيل درجة الدكتوراه، حيث عمل والدي على بناء علاقات بين عبد الناصر وبعض الطلاب الأفارقة الذين كانوا يدرسون هناك، على اعتبار أن هؤلاء الطلاب مرشحون ليكونوا قادة بلدانهم في المستقبل، وبناء على ذلك رشح عبد الناصر والدي للعمل في المعهد القومي للإدارة العليا التابع لرئاسة الجمهورية المصرية، لذا كان حصوله على الجنسية مقابل خدمات جليلة قدمها لمصر ولتاريخها، ولتحقيق رغبة الرئيس عبد الناصر في وجوده داخل مكتب الرئاسة.

وأنا ولدت لأبوين مصريين، ولم أحصل على الجنسية "مجاملة"، وإنما أنا مصري بالولادة، ومنذ ولادتي وأنا لدي شهادة ميلاد مصرية، ولم أستخرج أوراق الجنسية الفلسطينية إلا في عمر 23 عاما، وبالتالي فأنا مصري قبل أن أكون فلسطينيا.

وقمت برفع دعوى قضائية منذ 11 عاما في مجلس الدولة ضد جهاز أمن الدولة لتعنته في استصدار أوراقي الثبوتية، والتعنت في إبقائي على قوائم ترقب الوصول دون أي سند من القانون، حتى أنصفني القضاء في عام 2013 وأقرّ بمصريتي، إلا أن الجهاز يقوم بالاستئناف على هذه الأحكام منذ ذلك التاريخ وعلى مدار 9 سنوات متواصلة، وقد أخبروني خلال فترة احتجازي أن الحكم النهائي في القضية – الذي تأجل 16 مرة في المحكمة الإدارية العليا – سيستمر تأجيله مدى الحياة حتى أتنازل عن الجنسية المصرية فتُلغى القضية من الأساس.

والابتزاز على مدار عام ونصف بشأن التخيير بين التنازل عن الجنسية أو عدم الخروج، إلى جانب تعطيل عمل القضاء من خلال تأجيل الحكم لأكثر من 16 مرة، وهو ما لم يحدث في تاريخ مجلس الدولة، يؤكد أن أمر التنازل عن الجنسية لم يكن به أي طواعية على الإطلاق، بل كان إجبارا وابتزازا رخيصا بشكل غير إنساني وغير قانوني، وللعلم أنور السادات نفسه – الذي أُكن له محبة واحتراما، وأقدّر موقفه الداعم لخروجي- تواصل مع زوجتي في كانون الأول/ ديسمبر 2021 وأخبرها بشكل واضح: "رامي لن يخرج إلا بعد تنازله عن الجنسية، بناء على تعليمات الأجهزة الأمنية"، وبالتالي لا يمكن بأي حال من الأحوال اعتبار تنازلي عن الجنسية جاء بشكل "طوعي".

هل لو كنت تنازلت عن الجنسية المصرية في أعقاب اعتقالك مباشرة كان سيُفرج عنك سريعا؟ وهل هذه الخطوة هي السبب الرئيس في إطلاق سراحك أم الضغوط الدولية التي طالبت بالإفراج عنك؟

أنا لم أُبلغ بضرورة التنازل عن الجنسية بصورة رسمية إلا في كانون الأول/ ديسمبر 2021، بالرغم من طرح هذا العرض على الوالد وعلى الزوجة قبل ذلك بشهور، والذي نقلوه لي بدورهم لكني قابلت هذا العرض بالرفض؛ فالتنازل عن الجنسية "أمر غير قانوني" والابتزاز به أمر غير مقبول بأي صورة من الصور.

ولم أتقبل الأمر في البداية حتى لا يُقال إنه تنازل عن الجنسية طواعية أملا في الخروج، ولم أقبله إلا بعد أن علم الجميع بشكل واضح أني تعرضت لضغوط كبيرة، وممن أبلغوهم بهذا الابتزاز: الوفد الفرنسي الرسمي (البرلماني والحكومي)، وقد انتظرت حتى تصل هذه الصيغة الابتزازية لكل الأطراف، وكنت أتمنى أن ينجح الضغط الدولي والمحلي في الإفراج عني دون التنازل عن الجنسية، بعد عامين ونصف العام من الاعتقال التعسفي وعدم احترام القانون، واستمرار تجديد الاعتقال دون قضية أو تهمة، وكما قيل لي بوضوح: "بإمكاننا حبسك مدى الحياة، أو إدراجك على ذمة قضايا أخرى"، مما اضطرني للإقدام على هذه الخطوة مراعاة لعائلتي.

ولا يمكن إغفال الضغط الدولي والحملة التي قادتها زوجتي، والتي انضم إليها الآلاف من مصر وفلسطين، ومن الوطن العربي، ومن أوروبا، وانضمت لها أحزاب ومؤسسات ومنظمات حقوقية من دول عدة، إلى جانب أعضاء برلمانات مختلفة. كل ذلك أحدث ضغطا أدى لخروجي، لذا أقول للناس دائما: الصوت العالي هو القادر على إخلاء سبيل المعتقلين، كما أن علو الصوت لم يعد يجدي مع المعتقلين بصورة فردية؛ فهناك أكثر من 60 ألف معتقل، لذا يجب أن يكون الصوت العالي سببا في إنهاء معاناة المعتقلين وخروجهم جميعا بلا استثناء.

ما الذي تغير في رامي شعث قبل وبعد الاعتقال؟


تغير الكثير، وفي مقدمة ذلك الإدراك بأزمة السجن والاعتقال؛ فبالرغم من معايشة التجربة عن طريق بعض الأصدقاء الذين تعرضوا للاعتقال، إلا أن الأمر يختلف عند تجربته بشكل شخصي، ومعرفة تفاصيله، ومشاهدة الانتهاكات، ورؤية آثار التعذيب على أجساد البعض، ومشاهدة هذا "السفه" في نسف الإجراءات القانونية، وإهدار النظام القضائي الذي أصبح فيه القضاة ووكلاء النيابة مجرد "كُتاب" لما يخدم رغبات الجهاز الأمني، وكل ذلك أثّر في إدراكي وفهمي لحجم هذه الأزمة، والتي تعتبر الأزمة الأهم في البلاد، ولا يمكن تخطي هذه المرحلة نحو النمو أو التطور في المجال الاقتصادي أو السياسي أو الاجتماعي وهناك هذا العدد الهائل من المعتقلين السياسيين داخل السجون، وهذا الكم من الانتهاك، وهذه السهولة في انتهاك حقوق الإنسان.

كما غيرت التجربة في رؤيتي لأوطاني، ومدى الارتباط بين الديكتاتوريات في بلادنا، وبين الاحتلال الإسرائيلي، واعتقالي له أسباب مرتبطة بالعلاقات المصرية – الإسرائيلية، والأمر المحزن جدا بالنسبة لي هو أن تصل "البجاحة" بين الديكتاتوريات والاحتلال إلى "التنسيق" على حياة الناس ومستقبلهم.

بعد حالة الضجة الكبيرة التي حدثت عقب خروجك من السجن.. هل تعتقد أن النظام المصري نادم على قرار الإفراج عنك؟

من "السخافة" أن يندم على ذلك، ومن المفترض أن يكون نادما على اعتقال 60 ألف شخص، وأن يكون نادما على إهداره للقانون، وأن يعوضني والآخرين عن الظلم الواقع علينا، لكن حرص النظام على إبقاء الشعب في حالة من الخوف الدائم، والمحافظة على سرية هذه الإجراءات هو ما دفعني إلى ضرورة الإدلاء بالشهادة أمام العالم عما حدث لي وما يحدث للآخرين.

كما أدركت خلال هذه التجربة مدى خوف النظام من افتضاح أمره أمام العالم، وقد بدا لي ذلك من خلال الخطابات التي كنت أكتبها لزوجتي من داخل السجن عن أوضاع احتجازي، والمعاناة التي ألاقيها، وبالطبع تلك الخطابات كانت تمر على أجهزة أمن الدولة حتى يسمح لها بالخروج، فكان يطمس الجمل والسطور التي تشرح ظروف حياتي داخل السجن حول الازدحام أو المرض أو الانتهاكات الأخرى، فأدركت بشكل واضح مدى اهتمامه بإخفاء الجريمة التي يرتكبها بحق المواطنين واعتقالهم بشكل عشوائي، وإهدار القانون، فتوجب عليّ الإدلاء بشهادتي حول ما حدث معي.

وبناء على هذا المنطق ربما يكون نادما، إلا أنني آمل أن يدرك أن الحل الوحيد لإنهاء هذه الأزمة هو إطلاق سراح كل المعتقلين، وفتح المجال العام تجاه النقد، ومحاسبة المجرمين المتورطين في تعذيب وقتل الأبرياء.

ما الدور الذي سيلعبه الناشط رامي شعث خلال الفترة المقبلة في معركة التغيير؟

هذا سؤال صعب؛ فأنا لم أخرج من المعتقل إلا قبل 6 أسابيع فقط، ومع الأسف خارج البلاد، وقد اعتدت على العمل من داخل بلادي، إلا أنهم اضطروني لمزاولة نشاطي السياسي من الخارج، وأعتقد أنهم يدركون أني كنت سأعاود عملي السياسي من داخل مصر لو تركوني فيها، وكانوا سيعيدون اعتقالي مرة أخرى، لكن كل قمعهم لن يؤثر على قراري بمواجهتهم بالحقيقة ودعم شعبنا.

أما عن دوري في المرحلة القادمة، فأنا ملتزم بالدفاع عن قضية المعتقلين، وتحسين حقوق الإنسان في مصر، وأدعو المجتمع كله للالتفاف حول هذه القضية واعتبارها قضية قومية لإنهاء أزمة المعتقلين، وحقوق الإنسان؛ فهي المدخل لكل أنواع التغيير أو التعديل أو التطور أو النمو، وسيستمر خطابي موجّها للداخل المصري، وللغرب الداعم للنظام السياسي واستخدامه في الضغط على هذا النظام لتغيير حالة حقوق الإنسان في مصر، أما عن التفاصيل بشكل محدد وواضح فهي لا تزال في طور البحث والدراسة.

شاركت قبل أيام في تظاهرة في بروكسل ضد زيارة السيسي إلى عاصمة الاتحاد الأوروبي، لكن كان هناك احتفاء لافت بالسيسي.. فما دلالة هذا الاحتفاء برأيكم؟

مع الأسف لا يزال الأوروبيون يرون الأمور بميزان قصير المدى، ويقيسون الأمور بمصالحهم قصيرة المدى من خلال صفقة سلاح أو أجهزة أو بعض الخدمات الأمنية في المنطقة أو غير ذلك، متغاضين عن النظرة الأبعد والأوسع بأن هذا التعامل مع ملف حقوق الإنسان لا يبني مصر المستقرة، ولا وطنا عربيا مستقرا، وستزيد عليهم أزمات الهجرة غير الشرعية، وزيادة أزمات العنف والتعصب الديني والإنساني، وأزمات أمنية كثيرة داخل بلادهم، وبالتالي نحتاج للعمل مع الأوروبيين لتغيير هذه النظرة، وللارتباط بشعوب المنطقة وليس بحكامها، وأخيرا ليس مطلوبا من الأوروبيين إحداث التغيير داخل بلادنا؛ فالتغيير الديمقراطي يجب أن يحدث بأيدي الشعب لمصلحته ومستقبله، والمطلوب من الغرب ومن الأوروبيين الالتزام بالمعايير القانونية والأدبية التي وضعوها بأنفسهم في التعامل مع الدول التي تخترق حقوق الإنسان، وتُعذّب مواطنيها، وتزج بهم في السجون دون سند قانوني، وسيكون ذلك محور لقاءاتي مع الأوروبيين خلال الفترة المقبلة.

كيف ترى صورة مصر الآن في الخارج؟


للأسف باتت صورة سيئة للغاية بلا شك؛ فمع زيادة الصور والشهادات وتقارير حقوق الإنسان، أصبح العالم يدرك حجم الأزمة في مصر، وأصبح الأمر مُحرجا للنظام أمام الشعب، وسيزداد هذا الإحراج مع زيادة المعرفة والوعي وفضح الانتهاكات.

لكن النظرة الضيقة لدى بعض الحكام أو النواب المنتخبين الذين مدة بقائهم في السلطة محدودة تجعلهم يفكرون في مصالحهم خلال فترة بقائهم وليس في مصلحة بلادهم بعيدة المدى، إلا أن هذه الرؤية آخذة في التغيير؛ فقد لاحظت أثناء الإدلاء بشهادتي أن البعض يُفجع أو يصيبه التوتر سواء في البرلمان الفرنسي أو الأوروبي أو على مستوى الأفراد كسياسيين وإعلاميين وصحفيين وناشطين الذين لم يكونوا مدركين لحجم الأزمة في مصر، ولا عدد المعتقلين، وبالتأكيد الشهادات من هذا النوع تزيد من رغبتهم في لعب دور لتغيير هذا الوضع.

البعض كان يردد خلال الفترة الأخيرة أن هناك حلحلة في المشهد بدليل بدء الإفراج عن بعض المعتقلين مثل رامي شعث وغيره، وإلغاء حالة الطوارئ، وإطلاق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان.. فهل تعتقد أن هناك حلحلة وإصلاحات قادمة بالفعل أم لا؟

الجميع يدرك أن النظام المصري يهتم "بالصورة" و"اللقطة" أكثر من الحقيقة، وقد ضربت مثالا لذلك خلال شهادتي أمام الاتحاد الأوروبي، فقد كان سجني في زنزانة ضيقة، والمكان الذي كان يسمح لنا فيه بالتريّض اليومي كان ضيقا جدا أيضا، في حين كان بجوار هذا المكان ملعب ضخم، ومسجد كبير، ودورات مياه عديدة إلا أنه لم يسمح لنا باستخدامها ولو مرة واحدة، كل ذلك أنشئ بغرض "الصورة" بحيث تظهر هذه الأماكن للوفود الزائرة لتصويرها على أنها المكان المخصص للسجناء، وهكذا في جميع المجالات.

وعلى مستوى حقوق الإنسان تم وضع «الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان» لكنها –مع الأسف– وضعت من خلال وزارة الخارجية المصرية؛ فكان من الواضح أنها لأغراض الدعاية الخارجية، وليست للتطبيق في مجتمعنا، وإن كانت وضعت لصالح المجتمع بشكل حقيقي فكان يجب أن يُشارك في صياغتها المجتمع بكل أطيافه، وفي مقدمته الأطياف السياسية والحقوقية، وهو ما لم يحدث مع الأسف.

وحتى إن اشتملت بعض بنود تلك الاستراتيجية على معايير جيدة، فإنها لم تُطبق على أرض الواقع، وانتهت "حبرا على ورق" بهدف حفل دعائي في لحظات معينة يحتاجها النظام السياسي، والأمر ينسحب أيضا على إلغاء قانون الطوارئ؛ ففي اليوم الذي أعقب الإلغاء تم تعديل «قانون الإرهاب» ليشمل كل أدوات القمع والتعدي على الحقوق الأساسية للمواطن.

في الحقيقة لقد سئمنا من استخدام الصورة غير الحقيقية؛ فقد خرج من المعتقل عدد محدود جدا من المعتقلين، بينما دخل أضعافهم في الفترة التي كنت أنا مُحتجزا خلالها؛ فالأعداد في السجون لم تقل، والإفراجات "الوهمية" مستمرة، بل أرى أن أوضاع المعتقلين تتجه للأسوأ والأسوأ عن طريق إحالة بعض المعتقلين لمحاكم "وهمية" لتصدر بحقهم أحكام مثل قضية هشام فؤاد وحسام مؤنس، أو قضية علاء عبدالفتاح ومحمد الباقر، وغيرهم؛ فقد رأينا خلال الفترة الأخيرة تحويل بعض المعتقلين تعسفيا إلى محاكمات خارج نطاق القانون وخارج النطاق الشرعي وخارج قدراتهم للدفاع عن أنفسهم، وصدر بحقهم أحكام مجحفة، ويجب أن ينتهي كل ذلك بخروجهم فورا.

على إثر ذلك، هل تتوقع حدوث أي تغيير حقيقي في مصر في ظل وجود السيسي على رأس الحكم؟

في حال توحد موقف شعبنا بأطيافه السياسية والاجتماعية المختلفة في رفض استمرار أزمة المعتقلين وحالة الخوف، ومع استمرار الضغط الدولي نحو هذا الملف التزاما بمناهج الغرب القانونية تجاه حقوق الإنسان، والأدبية تجاه شعوبه وشعوبنا، آمل أن يحدث هذا التغيير ليكون بادرة لتغييرات أوسع لحالاتنا الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، لكن بلا شك حالة حقوق الإنسان هي القضية القومية والأهم، ويؤكد عليها كل مَن يتواصل معي سواء من السياسيين أو الناشطين أو الحقوقيين أو مواطنين عاديين، وإحساسهم بالغضب أصبح أعلى من إحساسهم بالخوف، ورغبتهم في إنهاء هذه الأزمة أصبحت عالية جدا، وأنا واحد من الشعب المصري الذي سيظل يناضل في هذه المعركة.

بعيدا عن الأمنيات، هل سيسمح السيسي بحدوث انفراجة حقيقية في المشهد المصري؟

تجربة الثماني سنوات السابقة وحتى هذه اللحظة لا تدل على أي نية خير، ولا تدل إلا على أن النظام ما زال يعتقد أن حالة الخوف والرعب والاعتقال والانتقام من المواطنين هي الطريق الوحيد لاستمرار بقائه في الحكم، واستمرار أداة الإدارة في المجالات السياسية والاجتماعية، ومن الجنون الاعتقاد بإمكانية استمرار ذلك، صحيح أن أملي ضعيف في أن "يتعقلوا" أو أن يعودوا لمنطق وطني حقيقي في تعاملهم مع المواطنين، لكن الضغط الشعبي والدولي سيؤدي لهذا التغيير المأمول.

كيف ترى وتقيم أداء المعارضة المصرية اليوم؟

المعارضة على اختلاف أطيافها موجودة داخل السجون أو مختبئة خلف الأبواب بعد خروجها من السجون؛ فحالة التخويف، والأداء اللانهائي في قمع الناس واعتقالهم العشوائي، وتعريضهم لسنوات من السجن بلا قانون، ومصادرة أموالهم، ومنعهم من السفر، وضربهم في لحظات مثل «جمال عيد» وآخرين.. تجعل من الصعب المطالبة من النخبة بتكوين حياة سياسية تحت هذا القدر الكبير من القمع؛ فكل محاولات الإصلاح أو التغيير أدت إلى السجون والاعتقال أو حتى الموت.

وقبل دخولي السجن كان من الصعب على أي حزب تنظيم ندوة داخل مقره، لأنه في بعض الأحيان يتعرض المشاركون في هذه الندوات للاعتقال فور خروجهم منها، وقد قابلت خلال فترة اعتقالي العديد من قادة الأحزاب ومن أعضاء مكاتبها السياسية، ونواب سابقين، ورؤساء أحزاب؛ فالسجون ممتلئة بأمثال هؤلاء، والرسالة تصل للجميع، ليس فقط أعضاء تلك الأحزاب بل للمجتمع عامة، بألا تحاولوا الاقتراب من العمل السياسي الذي أصبح "جريمة كبرى" يمكن أن تدمر حياتك وتقضي على مستقبلك؛ فالمعارضة الآن في حالة ضعف شديد نتيجة للقمع المستمر وغير المسبوق.

التعليقات (1)
حتى تطمئن القلوب..
السبت، 26-02-2022 07:46 م
شكرا سيدي، بل الديكتاتوريات في بلداننا أعنف و أقبح من الإحتلال الصهيوني، كل ما أتمنى هو أن يخرج علينا عالم دين و دنيا يخاف الله ليقول لهم إن هؤلاء ليسوا منكم إنهم أشد الأعداء و يجب أن تعدوا لهم ما إستطعتم من قوة لمحاسبتهم أمام الجميع.