قضايا وآراء

الحرب في أوكرانيا والضحايا في مصر

قطب العربي
1300x600
1300x600
حين تحولت الأزمة الروسية الأوكرانية إلى حرب فعلية كنت وكثيرون غيرى نرى أنها حرب بعيدة عن منطقتنا، لا ناقة لنا فيها ولا جمل، وقد عبرت عن ذلك كتابة وشفاهة، لكن التطورات اللاحقة أثبتت أننا كمصريين نتضرر منها أكثر من غيرنا، فالحرب تجري على أرض أوكرانيا لكن شررها وأضرارها تظهر بقوة في مصر، وكأن الحرب انتقلت إلى حواريها وشوارعها بشكل مباشر.

لم يكد الأسبوع الأول للحرب ينتهي حتى اشتعلت الأسعار في مصر للقمح وجميع منتجاته من مخبوزات ومعجنات، وارتفع سعر رغيف الخبز غير المدعم بنسبة 50 في المائة (ضعف الزيادة العالمية في أسعار القمح تقريبا). ولم يقتصر الأمر على القمح بل شمل البقوليات والزيوت والبيض والخضروات، بل وحتى الأرز، وهذه الأصناف الأخيرة هي إنتاج مصري خالص على عكس القمح الذي يتم استيراده بالفعل وخاصة من روسيا وأوكرانيا (85% من واردات مصر من البلدين بمعدل سنوي 13,8 مليون طن).

ورغم أن رئيس الحكومة مصطفى مدبولي أعلن أن مصر تمتلك احتياطيا استراتيجيا من القمح يكفيها حتى نهاية العام، إلا أسعار القمح ومنتجاته ارتفعت بلا مبرر منطقي، وهذا ما يفتح الباب للتكهن بتدخل حكومي غير منظور لرفع الأسعار بطريقة ملتوية استغلالا لهذه الحرب. لن يقتصر هذا الاستغلال للحرب على تلك الزيادات، ولن يفوت النظام تلك الفرصة لتمرير حزمة زيادات أخرى لباقي السلع والخدمات، غير عابئ بصرخات المصريين التي ضجت بها مواقع التواصل الاجتماعي بعد أن أغلقت في وجوههم وسائل الإعلام التقليدية؛ من قنوات وصحف ومواقع تسيطر عليها المخابرات العامة.
لن يقتصر هذا الاستغلال للحرب على تلك الزيادات، ولن يفوت النظام تلك الفرصة لتمرير حزمة زيادات أخرى لباقي السلع والخدمات، غير عابئ بصرخات المصريين التي ضجت بها مواقع التواصل الاجتماعي بعد أن أغلقت في وجوههم وسائل الإعلام التقليدية؛ من قنوات وصحف ومواقع تسيطر عليها المخابرات العامة

الشرر المتطاير من الحرب الأوكرانية لم يقتصر على القمح ومنتجاته، ولكنه طال البورصة التي هربت منها مليارات الدولارات من الأموال الساخنة، كما طال السياحة التي تعتمد بدرجة كبيرة على روسيا وأوكرانيا، وطال قطاع الطاقة، حيث تستورد مصر كميات من النفط ومشتقاته، رغم أنها تنتج بالفعل حوالي 600 ألف برميل يوميا لكنها لاتكفي الاستهلاك المحلي). وتجد مصر تعويضا في صادراتها من الغاز الذي ارتفعت أسعاره أيضا، ومع ذلك تبقى آثار زيادة النفط ومشتقاته على المواطن قائمة، حيث اعتمدت الحكومة آلية تسعير للبنزين والسولار وفقا لسعر السوق العالمي.

أزمة القمح الحالية ليست الأولى التي تعانيها مصر، فقد تكررت الأزمات في حقبتي الخمسينات والستينات، حيث استخدمت الولايات المتحدة سلاح القمح لمعاقبة مصر على بعض مواقفها سواء تأميم قناة السويس، أو حرب اليمن، أو مساندة حركات التحرر في أفريقيا.. إلخ، ولكن ذلك لم يقنع الحكومات المصرية المتعاقبة لاعتماد سياسة وطنية للاكتفاء الذاتي من القمح.

ورغم ما تتمتع به مصر من مناخ مناسب وتربة صالحة لزراعة القمح، وأيد عاملة رخيصة، وعلماء زراعة أفذاذ، إلا أنها امتنعت عن زراعة القمح بكميات كافية لتحقيق الاكتفاء الذاتي. ولم يعد سرا أن ذلك كان نتيجة ضغوط أمريكية، وهذه الضغوط التي تصاعدت في عهد مبارك -ولا تزال مستمرة في العهد الحالي- هي التي حالت من قبل دون تنفيذ مشروعات مشتركة مع ليبيا والسودان لتحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح.

وحين خرج الرئيس المدني محمد مرسي عن هذه السياسة، معلنا أن علينا أن نمتلك غذاءنا ودواءنا وسلاحنا، فقد كان ذلك أحد الأسباب الرئيسية للانقلاب عليه، وخاصة أنه سنة حكمه شهدت زيادة إنتاج القمح بنسبة 30 في المائة، وكانت هناك خطة حكومية لتحقيق الاكتفاء الذاتي خلال ثلاث أو أربع سنوات.
هذا ما يأخذنا إلى أزمة سد النهضة، التي تسبب فيها النظام الحالي بتوقيعه على إعلان المبادئ في آذار/ مارس 2015، والذي سمح لإثيوبيا ببناء سدها دون أن توفر ضمانات لاستمرار تدفق حصة مصر من المياه، وهو ما يستوجب إلغاء تلك الاتفاقية كخطوة أولى لاسترداد تلك الحقوق المائية

يتحجج البعض بأن استيراد القمح أقل كلفة من زراعته، وهذا صحيح بالمفهوم الاقتصادي، لكنه خاطئ تماما بالمفهوم الاستراتيجي، فالقمح سلعة استراتيجية لا ينبغي أن تترك لتقلبات السياسة أو تقلبات الأسواق، أو مصالح الساسة، والحل سهل وهو توسيع مساحة الأراضي المخصصة لزراعة القمح بدلا من محاصيل أخرى أقل أهمية، مع توفير كميات المياه اللازمة لها. وهذا ما يأخذنا إلى أزمة سد النهضة، التي تسبب فيها النظام الحالي بتوقيعه على إعلان المبادئ في آذار/ مارس 2015، والذي سمح لإثيوبيا ببناء سدها دون أن توفر ضمانات لاستمرار تدفق حصة مصر من المياه، وهو ما يستوجب إلغاء تلك الاتفاقية كخطوة أولى لاسترداد تلك الحقوق المائية.

يراهن النظام على عصاه الغليظة (أجهزة الأمن بما فيها القوات المسلحة عند الضرورة) لمواجهة الغضب الشعبي المتصاعد، متناسيا أن نظام مبارك كان يمتلك العصا ذاتها، ولكنها انكسرت بأيدي جموع الشعب يوم 28 كانون الثاني/ يناير 2011، فالشعب قد يصبر ويتحمل لبعض الوقت، لكن لصبره حدود.

twitter.com/kotbelaraby
1
التعليقات (1)
الكاتب المقدام
الأحد، 13-03-2022 02:11 م
*** الاهتمام العالمي بغزو روسيا لأوكرانيا، وهي حرب المجرم المستبد الفاشي بوتين الجديدة، رغم تأثيراتها السياسية والاقتصادية والإنسانية علينا وعلى المجتمع الدولي بوجه عام، فيجب أن لا تلهينا عن الأحداث الأكبر والأعمق تأثيراُ في مجتمعاتنا العربية، كالأوضاع في سوريا وليبيا التي يلعب بوتين فيها أيضاُ دوراُ أساسياُ أشد خطورة علينا، وللتذكرة فإن اتفاقات روسيا بوتين وأمريكا ترامب وفرنسا ماكرون وحلفاءهم ومن جاء بعدهم، والتنسيق بينهم الظاهر والخفي وبين دولة الاحتلال الإسرائيلية لتقاسم النفوذ في سوريا وليبيا وغيرها، كان موجهاُ منهم ضد شعوبنا ومصالحنا الوطنية، ولذلك فإن انقساماتههم والخلافات بينهم بعد غزو روسيا لأوكرانيا في صالحنا، وقد تدفع بوتين لسحب بعض مرتزقة فاجنر وغيرها وتخفيف الضغوط الواقعة على شعوبنا بتبدل التحالفات الإجرامية ضدنا، كما أن طبيعة العلاقات والاتفاقات بين الجنرال المنقلب السيسي والمجرم الفاشي بوتين غير معلوم بوضوح حدودها ومساراتها واهدافها، وذلك منذ أن خلع بوتين على تابعه الجنرال المنقلب السيسي وألبسه سترته القديمة، وما زال من غير المعروف مآل صفقة محطة الطاقة الذرية الروسية، التي سيضخ المنقلب فيها عشرات المليارات من الدولارات لدولة بوتين، والتي لا يوجد أي احتياج لمصر لها، والتي ستهدد الدلتا والإسكندرية والساحل الشمالي بأكمله كمحطة تشيرنوبل، كما أن الغموض يحيط بالقاعدة البحرية في السلوم التي تردد أن السيسي سيسلمها لبوتين، بالإضافة إلى أعباء تمويل صفقات السلاح المعروفة والخفية عنا، وسيقع السيسي بين الطرفين المتحاربين بما يهدد مستقبله وخططه الإجرامية، ولا شك أن التحالفات ستتغير وقد تكون لصالحنا كشعوب عربية، والله أعلم.