قضايا وآراء

تسريب مرسي.. دراما تستكمل الجريمة

قطب العربي
1300x600
1300x600

رغم مرور أكثر من 11 عاما على ثورة الخامس والعشرين من يناير إلا أن النظام المصري لا يزال يشعر أته لم يستوف ثأره من تلك الثورة ومن قادها وشارك فيها، ورغم مرور 9 سنوات على الانقلاب إلا أن النظام لا يزال يستشعر افتقاده للشرعية، ومن هنا عمد هذا العام كما الأعوام السابقة للاعتماد على الدراما كثيفة التكاليف لاستكمال ثأره من الثورة، واستكمال جريمته في تضليل الشعب، وتجديد مخاوفه من الإخوان باعتبار أن إطاحته لحكم الإخوان هي الإنجاز الوحيد له الذي حاول بناء شرعيته عليه.. لكنه حين يحاول تشويه خصومه فإنه يلمع صورتهم من حيث لا يحتسب، ولا أدل على ذلك من بعض التسريبات الصوتية للقاءات الرئيس مرسي ومرشد الإخوان ونائبه مع قادة المجلس العسكري الانتقالي والذين كان السيسي أحدهم.

ينفق النظام المصري بسخاء كبير على إنتاج مسلسلات تلفزيونية لتسويق روايته الخاصة للأحداث والتي تخالف بشكل فج الرواية الحقيقية التي عاشها الناس واقعا، بل شارك الكثيرون فيها مباشرة، لكن النظام يراهن على قدرة الدراما على تغيير قناعات الناس، وصناعة قناعات لمن كانوا صغارا ولم يشاركوا أو يشاهدوا تلك الأحداث التي مر عليها عقد من الزمان.

مشكلة النظام المصري أنه يتهم الرئيس مرسي وجماعته بكل النقائص التي يقترفها هو مضاعفة الآن، ومن هنا فإن حجم السخرية من النسخة الثالثة من مسلسل الاختيار فاق النسختين السابقتين بمراحل كثيرة، والتحقت قطاعات نخبوية وشعبية كانت داعمة للنظام بقافلة الساخرين، رغم أنها ظلت أسيرة رواية النظام حول الإخوان وحكم مرسي لسنوات، لكن بشاعة الوضع الاقتصادي والسياسي والأمني الراهن دفعهم جميعا لإعادة قراءة المشهد القديم بروية جديدة، وقد وفر المسلسل لهم ولغيرهم الفرصة للمقارنة التي لا تكون نتيجتها في الغالب لصالح السيسي.

 

في المعارك العسكرية قديما كان المنتصر هو من يفرض روايته، أما اليوم فإن تطور تقنيات الإعلام والاتصال والتوثيق حرم المنتصرين من هذه الميزة، فرغم كل المحاولات ورغم كل المليارات التي ينفقها الطغاة المنتصرون في معاركهم ضد شعوبهم وضد قوى التغيير والديمقراطية إلا أن تسجيل الوقائع والأحداث بالصوت والصورة والتاريخ، وعبر ألتخزين السحابي قادر دوما على تفنيد الأكاذيب.

 



حشد صانعو المسلسل (الشركة التابعة للمخابرات المصرية) كل إمكانياتهم المادية والفنية والبشرية (أبرز نجوم الدراما) وكذا خزينة أسرارهم وتسجيلاتهم لإنتاج قنبلة فنية قادرة على تدمير الإخوان إلى الأبد، لكن لأن الله لا يصلح عمل المفسدين فقد خرج المسلسل في ظرف هو الأسوأ بالنسبة للمصريين مع التعويم الثاني للجنيه، والارتفاع الجنوني للأسعار، وتراجع الاحتياطي الاستراتيجي من العملات الصعبة إلى أدنى مستوى منذ سنوات، مع قفزة هائلة في الديون الخارجية وصلت بها إلى حوالي 150 مليار دولار مع إضافة القروض الجديدة خلال الأسبوعين الماضيين التي أسهمت في علاج مؤقت جدا لاختناق مالي، لكنها ليست كافية لحل مشكلة العجز المزمن في الموازنة، والذي يهدد بدخول مصر إلى هاوية الإفلاس كما حدث في لبنان.

تمتلئ المسلسلات الرمضانية وهي في الحقيقة أعمال وثائقية وليست درامية وفقا للمعايير الفنية، بالعديد من الاتهامات لنظام حكم الرئيس مرسي مثل الغلاء، وانتشار المظاهرات السياسية والفئوية، ما أثر على معيشة الناس، وانقطاع الكهرباء المتكرر، ونقص الوقود الخ، والهدف من ذلك هو تذكير الناس بالوضع الصعب الذي شهدته مصر في عهد مرسي!! لكن التذكير بتلك المشاهد الآن يدفع المصريين للمقارنة المباشرة بين ما كان وما هو كائن، لتكون النتيجة في غير ما أراد صناع المسلسل، وليكون الترحم على الرئيس مرسي هو التعليق الأكثر حضورا وانتشارا على صفحات التواصل الاجتماعي عقب أي منشور عن المسلسل أو أبطاله، ونشر قوائم بأسعار السلع والخدمات في عهد مرسي والعهد الحالي، ولتصبح لغة الأرقام هي سيدة الموقف.

حتى التسريبات التي تضمنتها بعض حلقات المسلسل، وهي مقتطعة من لقاءات حقيقية لقادة المجلس العسكري قبيل الانتخابات الرئاسية في 2012 مع ممثلي القوى السياسية، لم تحقق النتيجة المرجوة، بل انقلب السحر على الساحر مجددا، كان أحدث تلك التسريبات الفاضحة، ما حدث في لقاء للدكتور محمد مرسي المرشح الرئاسي مع المشير حسين طنطاوي وبحضور السيسي حين كان مديرا للمخابرات الحربية، وقد تركز اللقاء حول موضوعين هما تحذير مرسي القوي لطنطاوي والسيسي من مغبة تزوير نتائج الانتخابات الرئاسية التي كانت قد جرت قبل أيام، وأجلت اللجنة الانتخابية إعلانها لمدة أسبوع شاعت خلاله مخاوف التزوير. 

أما الأمر الثاني فكان مطالبة الرئيس مرسي بعودة البرلمان الذي حلته المحكمة الدستورية، وقد كان واضحا في التسريب أن مرسي يدرك أن الحل كان بقرار عسكري ألبس رداءا قضائيا من المحكمة الدستورية، وهي محكمة مسيسة تأتمر بأوامر المجلس العسكري، ولذا فإنه طالب طنطاوي مباشرة بإصدار قرار بإعادة البرلمان ولم تنطل عليه حجج الحكم القضائي، لقد حاول صناع المسلسل إظهار الرئيس مرسي وجماعته بمظهر من يهدد بحرق مصر إذا تم تغيير نتيجة الانتخابات، وأنهم لا يحترمون أحكام القضاء، ولكن هذا التسجيل (القنبلة!!) ارتد في وجوههم، حيث أظهر قوة الرئيس مرسي في مواجهة التزوير الذي بانت ملامحه، وكذا قوته في المطالبة بإعادة البرلمان الذي يمثل إرادة الشعب، وإدراكه أن المجلس العسكري لا المحكمة الدستورية هو من حل البرلمان، وكلنا نتذكر مقولة رئيس الوزراء المصري كمال الجنزوري لرئيس البرلمان في ذلك الوقت الدكتور سعد الكتاتني أن قرار حل البرلمان في درج مكتبه (قبل صدور حكم الدستورية).

 

إن الرواية الحقيقية للكثير من الأحداث التي وقعت في مصر خلال سنة حكم الرئيس مرسي على وجه التحديد تحتاج لجهد كبير لإبرازها بكل الصور التوثيقية والدرامية والكتابية، وهو واجب معلق في رقبة جماعة الرئيس مرسي وحزبه وأنصاره بشكل عام، فلا يكفي أن تفند رواية الخصم بل الأهم هو تقديم روايتك المتكاملة.

 



لنأخذ مثالا آخر عن الأكاذيب الكبرى في المسلسل وهي كذبة الأخونة التي تم نشرها على نطاق واسع خلال حكم الرئيس مرسي وشاركت في صناعتها الأجهزة الأمنية ووكلاؤها من بعض الأحزاب مثل حزب النور، وبعض الشخصيات العلمانية الأخرى، والتي ادعت توظيف 13 ألف كادر إخواني في مناصب عليا خلال سنة حكم مرسي، وضمت القائمة أسماء وزراء ومحافظين، ومساعديهم، والغريب أنها ضمت أعضاء مجالس النقابات المهنية التي فاز فيها الإخوان منذ منتصف الثمانينيات، وإذا كان الحديث عن الأخونة خلال سنة حكم مرسي قد نال بعض الاهتمام بحكم ما كانت تتمتع به مصر في تلك الفترة من حراك واسع بعد ثورة يناير، فإنه لم يعد كذلك الآن مع اكتشاف الناس لتلك الكذبة سواء في الأرقام التي ذكرت، أو حتى في أصل القضية، فتعيين وزراء أو محافظين أو رؤساء أجهزة رسمية ومحلية أخرى هو أمر طبيعي لرئيس ولحكومة تدير مصر بعد انتخابات حرة، وردا على ذلك فإن الجمهور يطرح الآن جريمة "عسكرة الدولة" التي وصلت إلى حد تعيين الضباط في كل المشروعات التنموية والاجتماعية وبطبيعة الحال معظم الأجهزة الرسمية.

في المعارك العسكرية قديما كان المنتصر هو من يفرض روايته، أما اليوم فإن تطور تقنيات الإعلام والاتصال والتوثيق حرم المنتصرين من هذه الميزة، فرغم كل المحاولات ورغم كل المليارات التي ينفقها الطغاة المنتصرون في معاركهم ضد شعوبهم وضد قوى التغيير والديمقراطية إلا أن تسجيل الوقائع والأحداث بالصوت والصورة والتاريخ، وعبر ألتخزين السحابي قادر دوما على تفنيد الأكاذيب مهما بلغت براعة تسويقها وتغليفها بأغشية من حرير، وهذا ما ينطبق على النظام المصري الحالي.

لكن في المقابل، فإن الرواية الحقيقية للكثير من الأحداث التي وقعت في مصر خلال سنة حكم الرئيس مرسي على وجه التحديد تحتاج لجهد كبير لإبرازها بكل الصور التوثيقية والدرامية والكتابية، وهو واجب معلق في رقبة جماعة الرئيس مرسي وحزبه وأنصاره بشكل عام، فلا يكفي أن تفند رواية الخصم بل الأهم هو تقديم روايتك المتكاملة.


التعليقات (0)