كتب

الشيوعيون المصريون أول من نادى بالوحدة العربية.. كتاب للتاريخ

أسس الشيوعيون المصريون، العام 1946، "الرابطة الإسرائيلية لمكافحة الصهيونية"
أسس الشيوعيون المصريون، العام 1946، "الرابطة الإسرائيلية لمكافحة الصهيونية"

الكتاب: "الحزب الشيوعي المصري (1921- 1952)"
الكاتب: منى ملتم
الناشر: الهيئة المصرية العامة للكتاب، سلسلة "تاريخ المصريين" (341)، ط1 2020.


كان "الحزب الشيوعي المصري" ثاني حزب شيوعي يقوم في قُطر عربي، بعد فلسطين؛ ما دفع باحثة ماجستير تاريخ مصرية، إلى أن تختاره موضوعًا لأطروحتها، قبل أن يصدر في كتاب.

هذا، بينما اسم "الحزب الشيوعي المصري" ظل مختفيًا، نحو عقدين من السنوات (1930- 1950)، بعد أن سحب "الكومنترن" اعترافه بهذا الحزب، بمجرد أن تأكد لـ"الكومنترن" أن الأمين العام لهذا الحزب ليس إلا عميلاً للأمن المصري! فانقطع وجود حركة شيوعية في مصر، على مدى سنين الثلاثينيات من القرن العشرين. أما الأربعينيات، فقد غصَّت بالمنظمات الشيوعية في مصر، ولم يجرؤ أيٌ منها على حمل اسم "الحزب". هذا في ما يخص العنوان فحسب.

عن "الشيوعية في مصر قبيل إنشاء الحزب الشيوعي"، جاء الفصل الأول، الذي لا أدري ما ضرورة عنوان "الأجانب" هنا، منذ بداية القرن التاسع عشر! فضلاً عن: الإقطاعيات الكبيرة، مثل الجفالك، والأبعاديات، والأواسي، والإقطاعيات المتوسطة، والأراضي الخراجية.

بينما قد يكون "قانون المقابلة"، الذي أصدره الخديوي إسماعيل، وقضى بإمكانية شراء أي مصري أي قطعة أرض، شرط أن يدفع ضعف الضريبة مقدمًا عن ست سنوات؛ وذلك حتى يستطيع الخديوي إسماعيل أن يُسدد الديون الأجنبية، التي أغرق بها مصر، فوضع، دون أن يدري أو يريد، بذرة التكوين الطبقي المصري، بعد أن كان حاكم مصر، منذ محمد علي باشا (1805- 1848)، هو المالك الوحيد، والتاجر الوحيد، نجد حفيده، إسماعيل، وقد رأى ضرورة بيع الأراضي، التي تمتلكها الحكومة. وبدأ الأمر بالمُلاك الكبار للأراضي، فالمتوسطين، ثم الصغار، فضلاً عن الفلاحين، متوسطيهم، وصِغارهم، ومعدميهم، ناهيك عن العُمال الزراعيين.

في الوقت الذي عمد الخديوي توفيق، خليفة إسماعيل، إلى إصدار قانون، قضى بإلغاء السُخرة في مصر، أما المفارقة فتمثَّلت في أن تنفيذ هذا القانون قد تأجل إلى ما بعد الاحتلال البريطاني لمصر (1882)، ذلك أن الاحتلال كان في أشد الحاجة إلى عمال بأجر، في الأعمال التي استحدثها هذا الاحتلال. ومن هنا، يمكن التأريخ لميلاد الطبقة العاملة المصرية، التي يُفترض أن الحزب الشيوعي يُعبِّر عن مصالحها، وبدونها فلا معنى لقيام مثل هذا الحزب.

مدَّ كبار الملاك، ومتوسطيهم، نشاطهم إلى المجاليْن، التجاري فالصناعي؛ فوُلدت الرأسمالية التجارية، فالصناعية؛ وعبَّرت الرأسمالية المصرية عن تطورها، بتأسيسها "بنك مصر"، العام 1920.

قدمت ملتم لمحة عن "اليهود في مصر": تطور عددهم، منذ مطلع القرن العشرين؛ لتصل المؤلفة إلى أن "ظهور الاشتراكية في مصر، جاء على أيدي الأجانب". (ص40) ثم جاء "المناخ الثقافي، ودوره في نشر الأفكار الاشتراكية" (ص 48- 50)، قبل "دور الطبقة العاملة، ونقاباتها في ظهور التنظيمات الاشتراكية".

لذا، فلم يكن مفاجئا تأسيس "الحزب الاشتراكي المصري"، العام 1921، ثم انضمامه إلى "الكومنترن"، بعد نحو العام، وقد غيَّر اسمه إلى "الحزب الشيوعي المصري". ولا أدري  لماذا تُلح المؤلفة على دور اليهود في هذا الأمر! على الرغم من إيرادها أسماء قادة "الاشتراكي" الأحد عشر، وليس بينهم إلا يهودي واحد. واللافت أنها لم تقم بتعداد المسلمين، والمسيحيين. ما دام الدين هو معيارها؟!

أشارت ملتم إلى نشاط الحزب وسط الفلاحين، ثم العمال، قبل أن ترصد حجم عضوية الحزب (نحو 650 عضوًا)، 80% منهم مصريون، 50% منهم عمال مدن، و10% فلاحين، و25% موظفين، و15% طلبة، أو ذوي مهن حرة، انتشروا في إحدى عشر شُعبة، في مدن القُطر المصري. (ص85)

سرعان ما اصطدمت حكومة الوفد بالحزب الشيوعي، ووجهت إليه ضربة أمنية قاصمة، إلى أن تمكنت حكومة وفدية أخرى من القضاء، تمامًا، على الحزب. ما جعل المؤلفة تُعيد فشل الحزب الشيوعي هنا، إلى "عدم توافقه مع حركة الوفد". (ص107)

استأنف الحزب نشاطه، بعد ضربة 1924، فتألفت لجنة مركزية جديدة (6/10/1924). وفي 30 أيار/ مايو 1925، اعتقل البوليس المصري أفيغدور، رأس اللجنة المركزية، مع بقية أعضائها. وبدأت محاولات إحياء نشاط الحزب، منذ العام 1927، واشتدت، مع النصف الأول من العام 1928. وفي العام 1931، ظهرت دعاية شيوعية جديدة، وقام أصحابها بتوزيع بعض المنشورات التحريضية. (ص107 ـ 115)

انقطع النشاط الشيوعي المنظَّم في مصر، على مدى ثلاثينيات القرن العشرين، لكن "التجمع العالمي من أجل السلام" نجح في القيام بنشاطه الفكري في مصر، منذ العام 1934. وكان بول جاكو دي كومب، السويسري، اليهودي الديانة، هو دينامو هذا النشاط. وانضمت إلى عضوية "الشعبة المصرية للتجمُّع من أجل السلام" كل من مجموعتي الأسكندرية، والقاهرة. وتأسست "جمعية أنصار السلام"، بالقاهرة، في آب/ أغسطس 1935. واقتصر نشاطها على الأجانب، من يونانيين، وإيطاليين. وفي الفترة نفسها، كان هنري كورييل اعتنق الماركسية، وأسس تنظيمًا، حمل اسم "الاتحاد الديمقراطي".

أما دي كومب، فكان شديد الحذر من الأجهزة الأمنية؛ ما جعله يواصل إرجاء تأسيس تنظيم شيوعي؛ ما دفع كورييل إلى مغادرة مجموعة القاهرة، وتبعه هليل شوارتز، فمارسيل تيريز وأسس الأول "الحركة المصرية للتحرر الوطني ـ ح. م."، والثاني "إيسكرا"، والثالث "تحرير الشعب". بينما تأخر مريدو دي كومب في إقامة تنظيمهم الشيوعي. 

 

في كانون الثاني / يناير 1950، ظهر "الحزب الشيوعي المصري". وفي 23 تموز / يوليو 1952، نجحت "حركة الجيش في إقصاء الملك فاروق، وإلغاء الحزبية، وتوجيه ضربة قاصمة لكل من "الشيوعيين" و"الإخوان" (1954)، بعد أن كان الطاغية / إسماعيل صدقي باشا، وجَّه ضربة أمنية قوية للتعبيرات العلنية لتلك التنظيمات الشيوعية (11/7/1946).

 



فات المؤلفة أن تشير إلى أن وصول أدولف هتلر إلى سدة الحكم في ألمانيا، مطلع 1933، وكشفه عن عدائه الشديد لليهود، جعل هؤلاء، في أنحاء العالم، يلوذون، إما بالحركة الصهيونية، أو بأي من التنظيمات الديمقراطية، والشيوعية. ولم تزرعهم الحركة الصهيونية في الحركة الشيوعية! فضلاً عن أن الأجانب هم أبناء مجتمعات متقدمة، اقتصاديًا، وطبقيًا، وسياسيًا، وثقافيًا. أما اليهود المصريون، فكانوا على جانب كبير من التعليم والثقافة، وملمين باللغتين، الفرنسية والإنجليزية، التي نُشرت بهما الكتب الماركسية الكلاسيكية، آنذاك.

تخصص الفصل الرابع بـ"الحركة الشيوعية الثانية، وموقف الشيوعيين من ثورة يوليو 1952".

ما أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزراها (صيف 1945)، حتى تبين مدى التطور الذي لحق بالاقتصاد المصري، وفي السياق نفسه تطورت الطبقة العاملة المصرية، كما وكيفًا، نقابيًا، وسياسيًا. ومعها اتسعت دائرة المثقفين المصريين. ونالت الانتصارات السوفييتية على القوات النازية إعجاب المجتمع المصري، ما زاد من بريق الفكرة الشيوعية، بالتالي؛ فاتسعت دائرة عضوية المنظمات الشيوعية المصرية، وأدت دورًا متميزًا في انتفاضة 1946، ما هيأ الأرض لـ"حركة الجيش" (23/7/1952)، وإلى وحدة التنظيمات الشيوعية المصرية، حيث اتحدت "ح.م."، و"إيسكرا"، والنسبة الأكبر من "تحرير الشعب"، و"القلعة"، بينما التحقت أقلية "تحرير الشعب" بالمنظمة الشعبية للتحرر، التي غدت تحمل اسم "طليعة العمال". 

وفي كانون الثاني/ يناير 1950، ظهر "الحزب الشيوعي المصري". وفي 23 تموز/ يوليو 1952، نجحت "حركة الجيش في إقصاء الملك فاروق، وإلغاء الحزبية، وتوجيه ضربة قاصمة لكل من "الشيوعيين" و"الإخوان" (1954)، بعد أن كان الطاغية إسماعيل صدقي باشا، وجَّه ضربة أمنية قوية للتعبيرات العلنية لتلك التنظيمات الشيوعية (11/7/1946).

كان "الحزب الشيوعي المصري"، أول من نادى بالوحدة العربية، منذ عشرينيات القرن العشرين. وقد أسس الشيوعيون المصريون، العام 1946، "الرابطة الإسرائيلية لمكافحة الصهيونية"، التي اقتصرت عضويتها على المعادين للصهيونية من بين اليهود في مصر.

لقد انفرد الأمين العام لـ "الطليعة الشعبية للتحرر"، أحمد صادق سعد، برفض قرار تقسيم فلسطين، الذي أصدرته الأمم المتحدة (29/11/1947). بينما رأت كل المنظمات الشيوعية المصرية في قرار التقسيم، أحسن القرارات السيئة، ما يعني أن القبول به سياسيًا، ورفضه تاريخيًا.

كانت حكومة النقراشي قد استغلت فرصة اشتراك الجيش المصري في حرب فلسطين (1948)، فأعلنت الأحكام العرفية، وشنَّت أوسع حملة اعتقالات، ضد كل من اشتبهت بانضمامه لأي منظمة شيوعية مصرية، ودام اعتقالهم، على مدى نحو سنتين متصلتين.

 

كان "الحزب الشيوعي المصري"، أول من نادى بالوحدة العربية، منذ عشرينيات القرن العشرين. وقد أسس الشيوعيون المصريون، العام 1946، "الرابطة الإسرائيلية لمكافحة الصهيونية"، التي اقتصرت عضويتها على المعادين للصهيونية من بين اليهود في مصر.

 



تراكمت أسباب السخط الشعبي على النظام الملكي، الذي بدا عاجزًا، بعد حريق القاهرة (26/1/1952)، الذي أودى بحكومة الوفد، ولكن بعد أن أعلنت الأحكام العرفية. وعلى مدى أقل من ستة أشهر، عجزت أيٌ من الحكومات الأربعة، التي أتت إلى الحكم عن تسيير الأمور، هنا، كان انتصار "حركة الجيش"، بعد أن تحرك الضابط الشيوعي يوسف صديق، قبل ساعة الصفر بساعة كاملة، فحمى الحركة من الاغتيال. وكان نصيبه أن أبعدته قيادة "حركة الجيش"، بما يُذكرنا بجزاء سنمار!

تذكر المؤلفة، اعتمادًا على اليساري المصري السابق، عبد الستار الطويلة، بأن "حدتو" منحت تأييدها المطلق لـ"حركة الجيش"، وإن كانت المنظمات الشيوعية الأخرى ناصبت هذه الحركة العداء، ووصفتها بالديكتاتورية العسكرية، والفاشية، لمجرد أن تلك الحركة أفرجت عن كل المعتقلين السياسيين في العهد الملكي، بينما رفضت الإفراج عن 14 معتقلاً شيوعيًا.
 
على أن هذا غير دقيق. صحيح أن "حدتو" هرولت في اتجاه "حركة الجيش"، لكن بقية المنظمات الشيوعية (أربع منظمات) تمهلت في الحكم على الحركة، إلى أنَّ محكمة عسكرية، ترأسها عبد المنعم أمين، عضو مجلس قيادة الثورة، وصاحب العلاقات الحميمة بالسفارة الأمريكية، حكمت بإعدام خميس، والبقري، من عمال كفر الدوار، ونفذت الحكم فيهما. هنا وصف "الشيوعي المصري" "حركة الجيش" بالفاشية، بينما اعتبرتها "طليعة العمال" ديكتاتورية عسكرية.

وبعد، فإن هذا الكتاب استغرق نحو 190 صفحة من القطع الكبير، وكان يمكن للمؤلفة أن تضيف لما نُشر عن "الحركة الشيوعية المصرية"، على مدى نصف قرن. ذلك أن نحو عشرين مؤلَّفًا قد صدر عن الحركة الشيوعية المصرية، ما تطلب عدم الإقدام على الكتابة في هذا الموضوع، إلا إذا كان لدى المؤلف ما يضيفه على ما نُشر، أو سيقلب مفاهيم سادت.


التعليقات (0)