قضايا وآراء

كيف ننتصر لضحايا مجزرة التضامن؟

أحمد موفق زيدان
1300x600
1300x600
يحلّ علينا العيد في سوريا، ونحن كما نحن قبل 12 عاما، نعيش طاحونة القتل والتشريد والتهجير والمجازر، وأتت مجزرة التضامن لتفجر جروحا لم تندمل، وتصفع كل من يريد التواصل مع عصابة حاكمة مجرمة، أتت مجزرة التضامن لتُحرج العالم الداعي للتصالح مع عصابة حاقدة، فالشعب السوري يعرف النظام تماما، ولذا فقد صوّت 14 مليون مشرد بأرجلهم، حين خرجوا وتركوا أرضهم وديارهم.

لم يكن الإعلام العربي على مستوى الحدث من الكشف عن مجزرة حي التضامن الدمشقي، فقد أتى ما يُشغله وهو الحدث الأوكراني! ولكن بالمقابل يُسجل للناشطين السوريين وأصدقائهم وداعمي الثورة السورية اهتمامهم اللافت بالحدث المؤلم، الذي انعكس على منصات التواصل الاجتماعي، ففتح بذلك دفاتر السوء، للنظام السوري وداعميه من المحتلين الروسي والإيراني، التي لا يملكون غيرها.
لم يكن الإعلام العربي على مستوى الحدث من الكشف عن مجزرة حي التضامن الدمشقي، فقد أتى ما يُشغله وهو الحدث الأوكراني!

لكن السؤال الذي ينبغي أن نسأله لأنفسنا: كيف نستطيع استثمار الحدث في إبقاء جذوة الاهتمام بجرائم حرب النظام السوري وداعميه؟ وكيف نستطيع الانتصار من خلال ذلك للضحايا، ومن ثم نعصم أنفسنا من قواصم قادمة لا محالة من هذا النظام ومحوره، كانت بدايتها منذ سطوه على السلطة في السبعينيات ولا تزال؟

لا بد للناشطين السوريين من مواصلة الكشف عن مجازر جديدة، عبر التواصل مع كل من يعرفونه في المناطق السورية المحتلة والخاضعة لسيطرة النظام وسدنته المحتلين، لا سيما ونحن نرى الفساد الذي ينخر بهذا النظام، أدى ويؤدي دورا كبيرا في الكشف عن جرائمه، وهو ما حصل مع مجزرة التضامن، ومع انهيار الوضع الاقتصادي في المناطق المحتلة. يغدو اقتصاد كشف المجازر هو الرائج، حيث أصحاب المجازر يتوجهون لبيع ما لديهم من أرشيف؛ إما بدافع الواقع الاقتصادي المنهار، أو بدافع الانتقام بعضهم من بعض، كما يبدو مع الخلاف بين مليشيات الدفاع الوطني و"بطل" مجزرة حي التضامن أمجد يوسف.
يغدو اقتصاد كشف المجازر هو الرائج، حيث أصحاب المجازر يتوجهون لبيع ما لديهم من أرشيف؛ إما بدافع الواقع الإقتصادي المنهار، أو بدافع الانتقام بعضهم من بعض، كما يبدو مع الخلاف بين مليشيات الدفاع الوطني و"بطل" مجزرة حي التضامن أمجد يوسف

ويأتي يأسُ النظام وعناصره من تحقيق انتصار عسكري على الشعب السوري، دافعا لهم للتفرق وتحسس الرؤوس، فالنصر العسكري هو الذي كان سيضمن لهم البقاء على رأس نظام المجازر، ويضمن معه رفاهية اعتادوها بسلب ونهب الشعب السوري، فلم يعد هناك اليوم ما ينهبونه للحالة المعروفة.

النخب السورية من إعلاميين ومثقفين وسياسيين وحقوقيين يتوجب عليهم كل في ميدانه أن يُولي اهتماما كبيرا بالمجزرة، والتذكير بمجازر النظام منذ سطوه على السلطة في عام 1970. فالحقوقيون لديهم مادة كبيرة، وقادرون على تحريك ملفات كثيرة، وكذلك الإعلاميون، والباحثون، الذين يتوجب عليهم اليوم الدعوة لورش في معاهدهم وجامعاتهم، تكشف سجل مجازر النظام وحلفائه، وتذكر بها للأجيال والعالم، مع الدخول في عمق عقلية النظام الإجرامية، وعدم الاكتفاء بورش عمل سطحية لا عمق لها، ولا تأثير بعيد لها.

وهنا، لا بد من أن يشكل الكشف عن مجزرة التضامن فرصة ذهبية للنخب السورية في أن تضع لها محددات الأمن الثوري السوري، وعلى رأسه أن لا تصالح مع عصابة طائفية استقدمت المحتلين ومعهم عصابات طائفية عابرة للحدود، فضلا عن مجازرها التي ترتكبها ولا تزال صباح مساء بحق السوريين، بينما تصر الأمم المتحدة وبعض سياسيي المعارضة على مواصلة هواية اللجنة الدستورية ونحوها من عملية بحث عن السراب.
النخب ينبغي أن تكون فوق السلطة، وإن كان ثمة ما يفرض على السياسي التعامل به، فعلى النخب أن تكون أعلى من السلطة، ومراقبة لها، وراعية لثورة المليون شهيد، وأن تكون قيّمة وحارسة للثورة السورية، وأمينة على العهد الثوري السوري

النخب السورية مدعوة اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى أن تكشف بعمق المأساة التي حلت بالسوريين، وليس منذ 2011 وإنما منذ 1970، وتضع على أساسها توصيات للسوريين والعالم في كيفية التعاطي مع عصابة حاقدة على كل ما هو سوري، وإلّا فهل يمكن للآلاف من أمجد يوسف أن يكونوا جزءا من أجهزة أمنية مقبلة لسوريا ما بعد الاحتلال والاستبداد، كما تدعو الأمم المتحدة والأنظمة العالمية الجائرة؟!

النخب ينبغي أن تكون فوق السلطة، وإن كان ثمة ما يفرض على السياسي التعامل به، فعلى النخب أن تكون أعلى من السلطة، ومراقبة لها، وراعية لثورة المليون شهيد، وأن تكون قيّمة وحارسة للثورة السورية، وأمينة على العهد الثوري السوري، بعيدة كل البعد عن الاصطفافات الحزبية والفصائلية، والمصالح الفئوية والشخصية والمناطقية والدولية، وألّا تكون بوصلتها إلّا بوصلة الثورة، عبر نجاحها وتعميقها وتجذيرها.
التعليقات (0)