قضايا وآراء

حوار الطرشان "الوطني".. نحو فشل حتمي

قطب العربي
1300x600
1300x600

الحوار الذي دعا له رأس النظام المصري عبد الفتاح السيسي قبل أكثر من شهر يثبت يوما بعد يوم أنه محض حوار هزلي، أو لنقل حوار طرشان لا يسمعون سوى أنفسهم. فالحوار الذي قدمه السيسي باعتباره حوار شامل لا يستثني أحدا يضيق يوما بعد يوم، رغم أنه لم يبدأ فعليا، إذ حددت الجهة المنظمة لبداية مطلع تموز/ يوليو المقبل، أي مع حلول الذكرى التاسعة لانقلاب 3 تموز/ يوليو 2013.

كان معروفا أن الدعوة رغم عموميتها ستكون قاصرة على أحزاب 30 حزيران/ يونيو، وأنها لن تشمل الإخوان أو حلفاءهم، لكن الغريب أن دعوات الحضور والمشاركة حتى الآن اقتصرت على بعض أحزاب 30 حزيران/ يونيو وليس كلها، كما أن العديد من رموز 30 حزيران/ يونيو لم يتسلموا دعوة للمشاركة حتى بإرسال مقترحاتهم.

ورغم أن الحركة المدنية وهي تمثل عدة أحزاب تنتمي أيضا للمعسكر ذاته أعلنت موافقتها المبدئية على المشاركة في الحوار، إلا أنها وضعت شروطا وصفتها بالحد الأدنى اللازم لمشاركتها الفعلية تضمنها بيان الحركة الصادر في 8 أيار/ مايو الماضي، وأكدت عليه الحركة في بياناتها اللاحقة وآخرها يوم الجمعة الماضي. ومن هذه المطالب عقد الحوار تحت مظلة الرئاسة مباشرة حتى يمكن تحقيق مقرراته، وأن يكون العدد متساويا بين المتحاورين الذين يمثلون النظام والمعارضة، وبث جلسات الحوار عبر وسائل الإعلام، وتشكيل أمانة فنية من الخبراء المستقلين يتم تسميتهم مناصفة بين السلطة والمعارضة لإدارة الحوار وصياغة مقرراته، ونشرها للرأي العام، ناهيك عن مطلب الإفراج عن سجناء الرأي والذي لا تعده الحركة شرطا بل حقا لا يخضع للحوار أصلا.

لم تفرج السلطات المصرية سوى عن عدد محدود لا يمثل واحدا في الألف من جملة المعتقلين، وأحجمت عن تنفيذ وعود بالإفراج عن دفعة كبيرة خلال عيد الفطر الماضي (مكتفية بعدد محدود جدا)، كما أحجمت عن تنفيذ وعد بشرت به لجنة العفو الرئاسي بالإفراج عن أكثر من ألف معتقل دفعة واحدة، ولم تنفذ غالبية تلك الضوابط أو الشروط (اكتفت بتعيين ضياء رشوان نقيب الصحفيين منسقا للحوار)، وواصلت إصدار أحكام الإعدام   بحق المعارضين السياسيين، كما أطلقت العنان لأذرعها الإعلامية لتشويه المعارضين الذين اشتبكوا مع دعوة الحوار، ووضعوا لها شروطا أو محددا لنجاحها، فكانت الاتهامات لهم بالخيانة والعمالة والتسول السياسي.. الخ، وهو ما يقدم دليلا جديدا على عدم جدية هذه السلطة في إنجاز حوار حقيقي، ورغبتها في الاستمرار في صيغة الحوار الديكوري الذي ستسعى لتسويقه للخارج.

لست واثقا أن أحزاب الحركة المدنية جادة في تنفيذ تهديدها أو قدرتها على مواصلة ذلك بحكم أجواء القمع الرهيب التي يعملون تحتها، والتي نالهم منها الكثير من قبل في مواقف أقل من ذلك، من الواضح أن هناك من يدركون هذه الفرصة التي يحتاج فيها النظام لهذا الحوار، فلا يريدون أن يضيعوها

أصدرت أحزاب الحركة المدنية يوم 9 حزيران/ يونيو بيانا جديدا أكدت فيه رفضها لانفراد السلطة بالقرار فيما يخص تفصيلات الحوار، متجاهلة حوارها مع الحركة الذي لم يكتمل، كما أكدت الحركة على مطالبها التي تضمنها بيانها الصادر يوم 8 أيار/ مايو باعتبارها الحد الأدنى لدخولهم الحوار، وهو ما يعني بطريقة غير مباشرة أن الحركة تهدد بعدم دخول الحوار قبل تنفيذ تلك الضمانات، وهو ما كان البرلماني السابق ورئيس حزب الكرامة أحمد طنطاوي؛ أكثر صراحة في التعبير عنه في حديث صحفي لاحق للبيان.

لست واثقا أن أحزاب الحركة المدنية جادة في تنفيذ تهديدها أو قدرتها على مواصلة ذلك بحكم أجواء القمع الرهيب التي يعملون تحتها، والتي نالهم منها الكثير من قبل في مواقف أقل من ذلك، من الواضح أن هناك من يدركون هذه الفرصة التي يحتاج فيها النظام لهذا الحوار، فلا يريدون أن يضيعوها، كما أنهم يقدرون عواقب ظهورهم بمظهر ضعيف أمام الرأي العام الذي يرغبون في استعادة ثقته في أحزابهم من ناحية وفي جدوى النضال السياسي عموما من جهة ثانية.

يرتكن نظام السيسي إلى ميراث ممتد للحوارات السياسية المظهرية، لإسباغ مسحة شعبية زائفة على سياسات تم صياغتها في مطابخ النظام، كما حدث في تجربة الميثاق الوطني الذي أصدره عبد الناصر في أيار/ مايو 1962 عقب حوارات مؤتمر القوى الشعبية، وحدد معالم نظامه السياسي والاجتماعي الاشتراكي، وكما حدث في بيان 30 آذار/ مارس بعد عام واحد من هزيمة حزيران/ يونيو 1967، والذي اعترف بأخطاء التجربة وتعهد بتصحيحها، وكما حدث في ورقة أكتوبر التي أصدرها السادات واستفتى عليها الشعب في العام 1974، ودشنت سياسة الانفتاح الجزئي، وكما حدث في حوارات مبارك الاقتصادية المتعددة. وامتدادا لهذا التراث يريد السيسي تعميد جمهوريته الجديدة دون تغييرات حقيقية؛ في اتجاه الحريات العامة والديمقراطية التي يعتبرها دوما الثغرة القاتلة لأي نظام.
هذه المقدمات والتطورات تنبئ بأننا أمام حوار محكوم بالفشل، فهو لا يشمل قوى المعارضة الحقيقية ممثلة في جماعة الإخوان وحلفائها، كما أنه يستبعد قطاعات أخرى أقل معارضة، وتعمل من داخل الدولة، ولن يتطرق للقضايا الحساسة

ستبدأ جلسات الحوار كما أعلن منظموه مطلع تموز/ يوليو، وقد تستغرق شهرين أو ثلاثة، في حوارات شكلية ينتج عنها وثيقة الجمهورية الجديدة، التي لن تختلف كثيرا عن وثيقة الإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، أي مجرد نصوص جوفاء لا تثمن ولا تغني من جوع، وقد يتم تأجيل إقرارها بشكل نهائي إلى ما بعد انتهاء قمة المناخ التي ستستضيفها شرم الشيخ في تشرين الثاني/ نوفمبر، وساعتها سيكون النظام قادرا على إعادة صياغة النصوص التي يريدها كما فعل في وثيقة التعديلات الدستورية في اللحظات الأخيرة عام 2014، وحتى هذه النصوص المعدلة ستظل نصوصا مجمدة كنصوص الدستور نفسه المجمدة منذ صدورها في 2014.

هذه المقدمات والتطورات تنبئ بأننا أمام حوار محكوم بالفشل، فهو لا يشمل قوى المعارضة الحقيقية ممثلة في جماعة الإخوان وحلفائها، كما أنه يستبعد قطاعات أخرى أقل معارضة، وتعمل من داخل الدولة، ولن يتطرق للقضايا الحساسة مثل إلغاء التعديلات الدستورية التي سدت طرق التطور الديمقراطي والتداول السلمي للسلطة، وقضايا سد النهضة والتنازل عن جزيرتي تيران وصنافير، والصفقات التجارية المشبوهة مع الحكومات الغربية استجداء لدعمها السياسي، وتصاعد الغلاء، والديون، والمشاركة في أحلاف ضارة بالأمن القومي المصري، ناهيك عن وقف القمع والانتهاكات والإعدامات والاعتقالات.. الخ، لكن المؤكد أيضا أن عجلة التغيير لن تتوقف عند هذا المؤتمر الشكلي، بل سيتواصل الحراك والضغط الشعبي حتى يسترد الشعب حقوقه المشروعة في العيش والحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية.

 

twitter.com/kotbelaraby
التعليقات (0)