تقارير

نموذجان من حماة التراث والهوية الفلسطينية

نمر نمر أبو فكري وحسن الباش.. نموذجان لترسيخ الهوية الفلسطينية
نمر نمر أبو فكري وحسن الباش.. نموذجان لترسيخ الهوية الفلسطينية

يعتبر التراث الشعبي الفلسطيني أحد دعائم الهوية الوطنية الفلسطينية؛ التي تبلورت بفعل نشاط الشعب الفلسطيني في وطنه الوحيد فلسطين؛ وكان لحراس هذا التراث دور بارز في الحفاظ على الهوية الوطنية الفلسطينية وسيرورتها في مواجهة محاولات الطمس والتغييب الإسرائيلية، ونستحضر نموذجين هما: نمر نمر أبوفكري أمد الله في عمره ورعاه، والراحل حسن الباشا رحمه الله.

نمر نمر أبوفكري

يمثل نمر أبوفكري أيقونة من أهم أيقونات وحراس التراث الشعبي الفلسطيني في الداخل الفلسطيني؛ وفي مقابلة خاصة للقدس العربي اللندنية أجراها الزميل الكاتب والإعلامي وديع عواودة يوم 28-11-2018؛ مع أحد رموز حراس التراث الشعبي الفلسطيني؛ الشيخ نمر نمر أبوفكري؛ استحضر من خلالها الذاكرة والرواية الفلسطينية الحقيقية في مواجهة الرواية الصهيونية الرامية إلى طمس وتغييب الهوية الوطنية الفلسطينية. 

ولد الشيخ الشيخ الفلسطيني نمر نمر أبو فكري في قرية حرفيش في الجليل الأعلى. وهو المثقف المعاصر ويحمل أصالة الفلاح الحقيقي، لكنه لا يفاخر بهذه التوليفة، مكتفيا بالقول "أنا فلاح ابن فلاح" رغم صدور كتابه العشرين عام 2018؛ بعنوان "بيادر قروية"؛ وقريته واحدة من البلدات الـ 19 التي يقطنها العرب الدروز في الداخل (10% من فلسطينيي الداخل). 

 


                               نمر نمر أبو فكري


تنتشر في حديقة بيته نحو 300 من أنواع الأشجار والنباتات. يعتني الشيخ بالشجر لكن أقربها إلى قلبه شجرة زيتون عملاقة عمرها 2000 سنة محيطها خمسة أمتار يتقاسم معها الأصالة والعراقة والقيم العربية والمعرفية الأصيلة.

أبو فكري هو ثمرة هذه المصاهرة، فوالدته تمام لبنانية من حاصبيا، وسمى ابنه البكر على اسم الشاعر المصري فكري أباظة. 

في روايته يستذكر كيف تعاون الفلسطينيون واللبنانيون في مواسم الحصاد وقطف الزيتون. ويتابع بأنه "كان أبناء عائلة عبدوش من رميش يزورن دار جدي في حرفيش ويبيتون عندنا خلال مساعدتنا في قطف ثمار الزيتون، وكنا نرد ذلك بالمثل. وتزوجت إحدى نساء بيت عبدوش قبل النكبة في فسوطة في الجليل، وطالما كانت تزور دار جدي وتبيت هنا عدة أيام".

علاوة على المساعدات المتبادلة، كان الفلاحون الفلسطينيون واللبنانيون في طرفي الحدود يتقاسمون الرغيف ويتنادون في ملتقى يتوسط المنطقة للطعام والشرب يوميا خلال أعمالهم في الكروم والمقاثي متحابين ومتعاضدين وكل من "على دينه الله يعينه".

أبو فكري فلاح مخضرم ومرشد رحلات في الطبيعة، التراث وأغاني الأرض والمطر وأحاديث القرايا والسرايا ويقدم كل رواياته بأسلوب مشوق ولغة عربية غنية جدا يطعّمها بمفردات العامية مقدما نموذجا على أن قيمة الراوي لا تقل عن الرواية. 

ومن جملة القصص والروايات الشفوية الكثيرة يقول إن لصوصا سرقوا فرسا أصيلة من حظيرة سلطان باشا الأطرش وجاءوا بها للجليل حيث اقتناها خوري قرية الرامة في الجليل الأب يعقوب حنا بـ 100 ليرة، وما لبث أن أعادها بنفسه حينما اكتشف الأمر، وتولدت صداقة مع سلطان باشا. 

ويحفظ أبو فكري أسماء مئات الأشجار والنباتات البرية والعطرية والأزهار بثلاث لغات، ولكل منها مذاق وحكاية: الزعتر، والزعتر الفارسي، والجعدة، واللمانة، والمردقوش، وعرف الديك، والحندقوق، والهنبل، والجربيح، والخزامى، والريحان، والعيصلان، وعين البقرة وشقائق النعمان والكثير الكثير سواها. يبوح أبو فكري بحبه للأرض وسيرتها كينبوع يتدفق حبا ومعرفة، وكلما استرحنا في أفياء شجرة يروي حكاية مثيرة مبنى ومعنى وبطعم السفرجل حتى تخال نفسك كأنك أمام سلام الراسي الفلسطيني. 

وهكذا أسماء الوعور والمواقع البرية والمزروعة، التلال والوديان، فقد وثق تسمياتها وبحث عن أصولها ومدلولاتها اللغوية التي ترتبط بالإنسان والحيوان والنبات وغيره، فهذه "سرطبة" وتلك "خلة الزوان"، وهذا وادي الحبيس وذاك وادي الغسالات الخ… من أين لك كل هذا؟… تبسم أبو فكري بخجل وتواضع معهود، وقال: "أولا القراءة والتجوال في الطبيعة، وثانيا الروايات الشفوية، فآذاني صاغية لكل ما هبّ ودبّ. تربيت طفلا يتيما وأمي كانت من حاصبيا امرأة مثقفة".

حسن الباش أبو سام

يعتبر الراحل حسن الباش أحد أهم رموز الثقافة والأدب بين اللاجئين الفلسطينيين في سوريا بشكل عام ومخيم اليرموك بشكل خاص.

 

                                    حسن الباش

ولد حسن الباش في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر عام 1947 في قرية طيرة حيفا عروس الساحل الفلسطيني الجميل، ترعرع في مخيم اليرموك منذ عام 1960. يعد الباحث الراحل حسن الباش من حراس التراث الشعبي الفلسطيني؛ ومن أعماله في هذا المجال كتاب الأغنية الشعبية صدر عام 1977؛ أغاني وألعاب الأطفال في التراث الشعبي 1979؛ المعتقدات الشعبية الفلسطينية عام 1980؛ العرس الفلسطيني 1983؛ فضلاً عن ديوان شعر "من الجرح يبتدئ البرق" عام 1977؛ ألبوم أهازيج وألبوم العهد 1995؛ وألبوم ملحمة جنين 2002؛ وألبوم ملحمة الخليل 2004، وغنتها فرقة الجذور الفلسطينية بمشاركة محمد هباش وحسين منذر. 

توفي الباش في 27 ـ 04 ـ 2016، وتم دفنه في مقبرة مخيم اليرموك. حائز على شهادة الدكتوراه في المقارنة بين القرآن والأناجيل النصرانية من جامعة أم درمان في السودان. تجاوزت مؤلفاته الـ40 كتاباً، ومن أهمها في مقارنة الأديان.. القرآن والتوراة أين يلتقيان وأين يختلفان، والعقيدة النصرانية بين القرآن والأناجيل، وكذلك إبراهيم عليه السلام كاهن التوراة أم نبي القرآن، وموسى عليه السلام وترتيلة التوحيد. أما أهم مؤلفاته في الفكر فهي عديدة ومنها، الفكرة الصهيونية، الأدب العنصري وبرتوكولات صهيونية من التنظير إلى التدمير، والعقائد الوثنية في الديانة اليهودية، وكذلك عز الدين القسام شيخ المجاهدين. 

ويزخر الشعب الفلسطيني في داخل فلسطين التاريخية وفي المهاجر بعدد كبير من حراس التراث الشعبي الفلسطيني؛ وهم بذلك مقاومون للمحتل الصهيوني الذي يحاول النيل من الهوية الوطنية الفلسطينية؛ بغرض تغييبها وطمسها.

*كاتب فلسطيني مقيم بهولندا


التعليقات (0)
الأكثر قراءة اليوم