طب وصحة

مصر تلغي تعيين خريجي كليات الطب.. ما تداعيات ذلك؟

حذرت نقابة الأطباء من زيادة عدد المستقيلين عاما تلو الآخر- أ ف ب/أرشيفية
حذرت نقابة الأطباء من زيادة عدد المستقيلين عاما تلو الآخر- أ ف ب/أرشيفية

في الوقت الذي تعاني فيه مصر من عجز كبير في الأطباء بسبب الهجرات السنوية والاستقالات المستمرة من أحد أكثر القطاعات سوءا في البلاد لن يكون هناك تكليف (تعيين) مباشر لخريجي كليات الطب والصيدلة والتمريض ابتداء من عام 2025.

وتشير بعض التقديرات - على الرغم من عدم وجود إحصائيات دقيقة لعدد الأطباء الذين هاجروا إلى الخارج - إلى أن 60 بالمئة من الأطباء تركوا العمل وتقدموا باستقالاتهم أو توجهوا للعمل بالخارج سواء بالدول العربية أو الأجنبية.

وأوصت اللجنة العليا للتكليف بوزارة الصحة المصرية بكامل تشكيلها "بأن يكون التكليف لجميع الفئات المخاطبة بالقانون رقم 29 لسنة 1974 في شأن تكليف الأطباء والصيادلة وأطباء الأسنان وهيئات التمريض والفنيين الصحيين والفئات الفنية المساعدة، طبقا للاحتياجات الواردة من الجهات المذكورة بالقانون اعتبارا من حركة تكليف عام 2025".

وحذر أطباء ونقابيون من مغبة مثل هذا القرار، في الوقت الذي أعلنت فيه الحكومة المصرية عزمها استعادة أكبر عدد من الأطباء المهاجرين، ولكن ما يحدث هو العكس تماما، مؤكدين أن إلغاء التكليف يعني مواجهة أزمة في التعيين وسيكون هناك بطالة في تلك التخصصات.

مستقبل غامض

في آذار/ مارس الماضي، حذرت النقابة العامة للأطباء، من مستقبل غامض بانتظار المستشفيات الحكومية بعد ما وصفته بالأرقام والإحصاءات المفزعة الخاصة باستقالة الأطباء من العمل الحكومي الذي أدى إلى وجود عجز حاد في عدد الأطباء.

وتحت عنوان "نقابة الأطباء تدق ناقوس الخطر"، كشفت النقابة في تقرير لها عن استقالة 11 ألفا و536 طبيبا من العمل بالقطاع الحكومي منذ 2019، مشيرة إلى أنها رصدت استقالة 934 طبيبا منذ بداية العام الجاري حتى 20 آذار/ مارس الماضي.

وحذرت النقابة من زيادة عدد الأطباء المستقيلين عاما تلو الآخر، ودعت الحكومة إلى ضرورة التدخل الجاد والعاجل، محذرة في الوقت نفسه من معاول الهدم الحكومية في جدار المنظومة الصحية من قبل المحليات والتعسف الإداري والمساءلات الجنائية.

يشار إلى أن الإهمال في قطاع الصحة ناتج عن أنه يخدم المواطنين العاديين والبسطاء، في حين أن الموظفين في المؤسسات الأمنية والقضائية، والذين يمثلون الشريحة الأقل، يعالجون في مستشفيات مخصصة لهم بأسعار رمزية، أو باشتراكات طبية للعلاج في المستشفيات الخاصة.

 

اقرأ أيضا: جلب أطباء من دول كمصر يثير جدلا أخلاقيا ببريطانيا.. لماذا؟

 

السير عكس الاتجاه

انتقد الوكيل بوزارة الصحة المصرية سابقا، الدكتور مصطفى جاويش، قرار وزارة الصحة، قائلا: "واضح أن الحكومة تمارس سياسة الاتجاه المعاكس في مواجهة مشكلة هجرة 65 بالمئة من الأطباء للخارج، وتتخذ قرارات تزيد من حدة المشكلة وتدفع بالمزيد من الأطباء للهروب خارج مصر، وفي نفس الوقت تعمل على عزوف الطلبة عن الالتحاق بكليات الطب، في حين تعمل على زيادة عدد كليات الطب لأكثر من ثلاثين كلية حكومية وخاصة بهدف زيادة أعداد الخريجين لمواجهة الفجوة التشغيلية الحالية في أعداد الأطباء العاملين بالحكومة، وهنا يأتي التخبط في القرارات".

واعتبر جاويش في تصريحات لـ"عربي21" "أن قرار اقتصار التكليف على الاحتياجات فقط يتناقض تماما مع الشكوى المستمرة من وجود نقص شديد كمي ونوعي، ويرجع السبب في اجتماع وزير الصحة مع جميع الجهات الحكومية والبرلمانية والنقابية المعنية بالتكليف لوجود توجيهات صدرت من السيسي يوم 4 أغسطس الماضي بسرعة تغيير منظومة تكليف الأطباء".

وأكد الخبير في قطاع الصحة أن "المرجعية الظاهرية لتلك القرارات هي القانون رقم 29 لسنة 1974 واستحضار هذا القانون الآن وبعد خمسين عاما على إصداره يتعارض وبشدة مع الواقع ويضرب بعنف سلامة وقدرة المنظومة الصحية على تلبية احتياجات الرعاية الصحية للمجتمع من تواجد عدد كاف من الأطباء في ظل تلك الفجوة التشغيلية الواسعة".

 

اقرأ أيضا: مستشفى سرطان أطفال بمصر مهدد بالإغلاق لانعدام التمويل

 

عجز في الكوادر وتردي الخدمات

ويبلغ المعدل العالمي للأطباء عبر العالم 23 طبيبا لكل 10 آلاف مواطن، فيما تبلغ النسبة في مصر 8.6 بالمئة من المعدل العالمي، بحسب دراسة صادرة عن وزارة التعليم العالي والبحث العلمي بالتعاون مع وزارة الصحة في عام 2019.

استبعد عضو مجلس اتحاد نقابات المهن الطبية، الدكتور محمد فريد، تطبيق القرار على الأطباء البشريين لأن الاحتياجات المطلوبة أكثر من الأعداد الموجودة، ولكنه توقع في تصريحات صحفية أن يؤثر بشكل أساسي في التخصصات الأخرى كالصيدلة وطب الأسنان.

ولا تطبق الحكومة المصرية نسبة الإنفاق على قطاع الصحة، التي نص عليها الدستور، ولا تتجاوز 1.5% من الناتج المحلي الإجمالي في موازنة الدولة، وهي نصف النسبة التي حددها الدستور والبالغة 3% من الناتج كحد أدنى، بحسب المبادرة المصرية للحقوق الشخصية (مستقلة).

ضعف التمويل وليس الأعداد

اتهم أمين صندوق نقابة صيادلة مصر سابقا، أحمد رامي الحوفي، الحكومة المصرية "بالتملص من واجباتها واستحقاقات الدستور فيما يتعلق بالإنفاق على الصحة والتعليم، ما يترتب على ذلك من آثار وخيمة في منظومتي الصحة والتعليم اللتين تعانيان من ترد واضح في الأداء والخدمة المقدمة للمواطنين بسبب العجز في الأعداد والإنفاق في آن واحد".

وأكد لـ"عربي21": "هناك أكثر من 50 بالمئة من الأطباء هاجروا للعمل بالخارج لأسباب كثيرة على رأسها تدني الأجور مقارنة بجهات أخرى مثل القوات المسلحة والشرطة والقضاء الذين يتمتعون بميزات عديدة كالتأمين الطبي والأجور والمعاشات المرتفعة؛ وبالتالي فإن العجز ليس ناتجا عن قلة الأعداد إنما بسبب عدم وجود تمويل وتطبيق استحقاقات الدستور لأنه يتم توجيهها لقطاعات وأجهزة القمع الأمني".

وحذر الحوفي من أن "الوضع الصحي سوف يزداد سوءا مع وقف التعيين؛ لأنه سوف يحد عجزا فوق العجز في الأماكن (المستشفيات والوحدات الصحية التابعة للدولة) التي تقدم خدمات صحية للمواطنين العاديين، كما أن هناك عجزا في عدد الأطباء والتمريض مقارنة بالنسب العالمية، وهو عجز مزمن مستمر منذ سنوات ولا تسعى الحكومة لمعالجته لأنه يتعلق بصحة المواطن البسيط لكن الفئات الأخرى توفر لهم مستشفيات متكاملة لا علاقة لها بالمستشفيات الحكومية المخصصة للمواطنين العاديين".


التعليقات (3)
أمين صادق
السبت، 17-09-2022 10:45 ص
جواب سؤال عنوان الخبر واضح من حيث أن التداعيات ستكون تشجيع جيل الشباب من الأطباء على الهجرة إلى خارج مصر و هم في قمة قدرتهم على القيام بأعباء مهنة الطب التي تتطلب الحركة النشطة لعدة ساعات نهاراً و / أو ليلاً . تنفق أي بلد مبالغ طائلة و جهوداً هائلة على تعليم أبناءها و بناتها من بداية التعليم المدرسي و حتى الانتهاء من التعليم الجامعي بنيل الدرجة الجامعية الأولى "أي خلال ما لا يقل عن 18 سنة بالنسبة للطب البشري " بتكلفة حقيقية إجمالية تقارب 100 ألف دولار لكل طبيب أو طبيبة . من حق البلد أن تقطف ثمار تعبها بالاستفادة من كل من تخرج / تخرجت في هذا التخصص المهمَ لصحة الشعب . عدم تكليف أو توظيف هؤلاء في بلدهم ، مع شدة الحاجة إليهم ، هو ضد مصلحة مصر بل و يصبَ في مصلحة الخارج الذي يتضمن بلداناً تعادي مصر . الخارج سعيد جدَاً بقدوم أطباء و طبيبات من مصر للعمل لديه حيث لم يشقى بتعليمهم و بتأهيلهم – و لو بدولار واحد - و جاءوه جاهزين لينخرطوا في الأعمال الطبية المضنية . تعيش بلادنا العربية حالياً في المعادلة المأساوية المتمثلة بمقولة " خيرنا لغيرنا" حيث أنها بيئة طاردة للكفاءات جعلتها سخرية العالم و تتحقق فيها شماتة الأعداء .
محمد غازى
السبت، 17-09-2022 04:18 ص
أعجبنى تعليق آدم لهذا ألزمان.أزيد عليه وبكل صراحة، ألسيسى يعمل على تدمير مصر ألمكانة وألإنسان خدمة للمشروع ألصهيونى فى ألمنطقة ألعربية ألذى يريد أن يكون هو ألسيد وكافة ألعرب حوله عبيد!!!!!!!!!!!!!!
آدم لهذا الزمان
الجمعة، 16-09-2022 07:31 م
ركائز الاستبداد ثلاثة: الفقر والجهل والمرض. انظر الى رداءة التعليم، انظر الى تدنى متوسط دخل الفرد والبطالة والعمالة المقنعة، انظر الى المنظومة الصحية التى صارت هيكلا فارغا بلا جسد أو روح. المنظومة الصحية لعامة الناس الذين يشكلون أكثر من 90% من السكان فى أم الدنيا «ماسر» متوفاة سريريا منذ أمد بعيد. أنها الأجور المتدنية وضآلة الميزانية «المتعمدتان» ومن خلفهما الفساد المستشرى فى جسد المنظومة كله من أعلى قمة الهرم الى قاعدته الدنيا هو من أفرغ المنظومة الصحية من كل قطرة دم. تكليف أو لا تكليف لم تعد تفرق. أدعوا الله أن يكون فى عون الشعب المصرى المغلوب على أمره رغم علمى بفسوقه، وعلمى أيضا إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.